التل يكتب: من العلاج إلى الوقاية.. ضرورة قيادة جديدة للقطاع الصحي الوطني

د. مصطفى التل
مدار الساعة ـ نشر في 2025/05/10 الساعة 01:08
في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والصحية التي يشهدها الأردن، يبرز أهمية إحداث نقلة نوعية في أداء وزارة الصحة عبر تبني رؤية وطنية متقدمة تضع الوقاية والتوعية والجودة في صميم منظومة الرعاية الصحية. فلم يعد العلاج وحده كافيًا في مواجهة التحديات الصحية، بل أصبح جزءًا من منظومة أوسع يجب أن تبدأ من الوعي الصحي، التحفيز، وتمكين الكوادر الصحية، لتحقيق العدالة الصحية في كل محافظة وقرية وبادية.
أزمة غياب التوعية وارتفاع فاتورة العلاج
إن غياب التوعية الصحية الشاملة بين المواطنين بمختلف فئاتهم يُعد من الأسباب الرئيسية التي تساهم في تفاقم كلفة العلاج السنوية في الأردن. فقد كان من المتوقع أن تتولى وزارة الصحة، وشركات التأمين، والمؤسسات الإعلامية، مسؤولية توعية المواطنين حول السلوكيات الصحية، إلا أن ذلك لم يحدث بالشكل المطلوب. وقد أدى هذا الغياب إلى انتشار سلوكيات خطرة مثل التدخين، والخمول، وسوء التغذية، مما ساهم في ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة، وبالتالي زيادة الضغط على البنية التحتية الصحية.
من الصحة الفردية إلى الأمن القومي
لا تقتصر تبعات تدهور الصحة العامة على الفرد فقط، بل تؤثر بشكل مباشر على الدولة بأسرها. فتدهور الصحة العامة يضعف الإنتاجية، ويستنزف الموارد البشرية والمالية. في هذا السياق، يمكن القول إن الصحة ليست رفاهية، بل هي ركن أساسي من أركان الأمن القومي، وأساس مهم للتنمية المستدامة.
الحاجة إلى قيادة صحية ذات رؤية شاملة
نحتاج إلى قيادة تمتلك القدرة على:
تحفيز الكوادر الصحية وتقدير جهودهم المهنية.
توحيد الأداء في المحافظات والمناطق المهمشة.
إدارة الموارد البشرية والمادية بكفاءة وعدالة.
بناء ثقافة صحية وقائية مستدامة تساهم في خفض تكاليف العلاج.
التركيز على الوقاية لتقليل كلفة العلاج
تعتبر التوعية الصحية من أهم الأدوات التي يمكن أن تساهم بشكل كبير في تقليل التكاليف الطبية التي تتحملها الخزينة الأردنية. من خلال التركيز على التوعية بالوقاية من الأمراض، مثل التدخين، السمنة، وسوء التغذية، يمكن تغيير سلوكيات الأفراد، مما يقلل من الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري، أمراض القلب، والسرطان. وهذا بدوره يؤدي إلى تقليل الحاجة إلى العلاجات المكلفة والعمليات الجراحية المعقدة. إن تبني هذا التوجه سيساهم في تقليص الضغط على المؤسسات الصحية ويخفض من كلفة العلاج السنوي التي تُنفق بشكل غير ضروري.
توسيع قاعدة الاختصاص الطبي وتوزيع الكوادر بكفاءة
إحدى أهم النقاط الاستراتيجية لتطوير النظام الصحي تتمثل في توجيه برامج الإقامة والاختصاص الطبي بالشكل الذي يحقق توازنًا في توزيع الكوادر الطبية بين مختلف المناطق. حيث من المهم زيادة عدد الأطباء المتخصصين في المستشفيات الحكومية، وخاصة في المحافظات، لتلبية احتياجات المواطنين في تلك المناطق، مما يساعد في تخفيض الاعتماد على التحويلات الطبية المكلفة.
كما أن هناك حاجة لتخريج أطباء اختصاصيين يتماشى مع احتياجات المناطق المحلية، مع توفير بيئة تدريبية عادلة تدعم الأطباء في المناطق النائية. هذا سيساهم في تحسين توزيع الأطباء حسب احتياجات السكان، ويساعد على تقليل الضغط على مستشفيات المدن الكبرى.
خطة عملية قابلة للتنفيذ
من خلال قيادة استراتيجية جديدة للقطاع الصحي، يمكن لوزارة الصحة إطلاق خطة شاملة تتضمن:
1. حملات توعية صحية مستدامة عبر وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية.
2. تطوير التعليم الطبي والبحث العلمي بما يتماشى مع احتياجات السوق المحلي.
3. توسيع برامج الإقامة والاختصاص الطبي وتوزيعها وفقًا لاحتياجات كل محافظة.
4. تحسين بيئة العمل للأطباء والكوادر الفنية في مختلف مناطق المملكة.
5. ربط القطاع الصحي بشراكات دولية متخصصة لدعم التحول الرقمي وتحسين الأداء المؤسسي.
كلمة الختام: الفرصة الآن
نحن اليوم أمام فرصة حقيقية لتصحيح مسار النظام الصحي الوطني في الأردن. إن التحول نحو قيادة جديدة للقطاع الصحي التي تركز على الوقاية والتوعية، بالإضافة إلى تحسين توزيع الكوادر الطبية، سيؤدي إلى تحسين الأداء العام للقطاع الصحي، ويخفض من تكاليف العلاج ويعزز من استدامة النظام الصحي الوطني.
هل نغتنم هذه الفرصة لبناء قطاع صحي أكثر كفاءة وعدالة يخدم جميع المواطنين ويسهم في تحسين الأمنالصحيالوطني؟
مدار الساعة ـ نشر في 2025/05/10 الساعة 01:08