تشي وبوتن تحالف يستند على مصالح استراتيجية لمنافسة الهيمنة الغربية
مدار الساعة ـ نشر في 2025/05/09 الساعة 18:30
مدار الساعة - كتب معن البلبيسي:
يهيمن على النظام الدولي ثلاث قوى متنافسة: معسكر غربي تقوده الولايات المتحدة، يتمتع بثقل عسكري واقتصادي وثقافي كبير؛ ومعسكر روسيا التي تكافح للبقاء كقوة دولية، وتدور في فَلَكها دول آسيا الوسطى السوفيتية السابقة، وبيلاروسيا، وعدد محدود من دول أضعف كبعض دول أفريقية؛ ومعسكر صيني يرتكز إلى علاقات اقتصادية واسعة أكثر من التحالفات العسكرية والسياسية مع جميع دول العالم وان كان بشكل متفاوت.
وتمثل زيارة الرئيس تشي الى روسيا امس وما تضمنها من اتفاقات وتصريحات، تعزيزا لزيادة تنسيق جهودهما في مواجهة الهيمنة الغربية.
الزيارة تحمل معاني كثيرة تترجم رفض الهيمنة الاحادية، وهي قيم تستند عليها الدولتين الجارتين لتعزيز نفوذهما الدولي امام النظام الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في منطقة الشرق، وما يتصل بها خاصة القرن الأفريقي.
هلى مدار العقود الماضبة عملت روسيا والصين على الاستفادة من الازمات من خلال تعزيز دورهما كداعمين لدول الجنوب العالمي، وإظهار فشل وانحياز الولايات المتحدة والنظام الدولي الذي تقوده في التعامل مع مظالم تلك الدول. وفي هذا الإطار دعمت الدولتان وقف إطلاق النار، مع التمسك بقدر من التوازن.
إذ تحرص موسكو على بقاء “إسرائيل” على حيادها إزاء الحرب الأوكرانية، فيما تقدم بكين نفسها كصانع للسلام مؤهل للوساطة، خاصة وأن قدرتها على ممارسة ضغوط على إيران والحوثيين قد تكون مطلوبة للحد من توسع الحرب.
توفر حرب غزة الفرص لكل من روسيا والصين لممارسة دور متزايد في منطقة الشرق، خاصة في ظل الموقف الأمريكي الذي يظهر أهمية العلاقات مع روسيا والصين، بما توفره من بدائل لدول المنطقة وتمنحها قدرا من الاستقلالية عن الأجندة الأمريكية، إن أرادت ذلك.
اما من حيث الرؤى واستراتيجيات الأمن القومي فقد كشفت أحدث وثيقة لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الصادرة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وهي وثيقة تصدر كل خمس سنوات عن الإدارة الأمريكية، أبعاد التنافس المتزايد بين واشنطن وبكين، إذ تصف الوثيقة الصين بأنها المنافس الوحيد الذي لديه النية لإعادة تشكيل النظام الدولي، وفي نفس الوقت يمتلك الموارد الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية لتحقيق ذلك.
وتؤكد الوثيقة أن السنوات العشر القادمة هي العقد الحاسم في المواجهة مع الصين والتي ستحدد موقع الولايات المتحدة لفترة طويلة في المستقبل.
تعتمد الاستراتيجية الأمريكية على ردع بكين عن أي هجوم عسكري على جزيرة تايوان في المدى القريب، وتؤكد على أن واشنطن “تعارض أي تغييرات أحادية الجانب للوضع الراهن من أي من الجانبين”، كما تؤكد أنها “لا تدعم استقلال تايوان”.
في المقابل، تقر الولايات المتحدة أن روسيا تمتلك نوايا جادة في إعادة هيكلة النظام الدولي، لكنها بخلاف الصين لا تمتلك الموارد الكافية للقيام بذلك، كما أن حرب أوكرانيا كشفت عن حدود قوة موسكو، والتي لم تعد تمثل إلا تهديدا أمنيا لأوروبا أكثر من كونها منافسا دوليا.
ووفقاً لذلك؛ لا تُعد روسيا من وجهة النظر الأمريكية تهديدا “قطبيا”.
وبينما لم يذكر “المفهوم الاستراتيجي” للناتو عام 2010 الصين، فقد خصصت وثيقة استراتيجية الحلف الصادرة عام 2022، مساحة كبيرة للصين، وأشارت – للمرة الأولى – إلى أن طموحات بكين وسياستها القسرية تمثل تحديات لمصالح وأمن وقيم التحالف، ما يعكس نجاح واشنطن في حشد حلفائها لمواجهة نفوذ الصين على المستوى الدولي.
بينما تؤكد عقيدة السياسة الخارجية الروسية الصادرة في سبتمبر/أيلول 2022 على أن موسكو ماضية بشكل استراتيجي في العمل على توسيع نفوذها الدولي، والسعي نحو تقويض النظام العالمي المستند للهيمنة الغربية، وخلق عالم متعدد الأقطاب تشغل فيه روسيا موقعا قطبيا مؤثرا.
ترتكز العقيدة على مفهوم “العالم الروسي“، حيث تتعهد روسيا بتقديم الدعم لجميع المواطنين الناطقين باللغة الروسية خارج البلاد —لاسيما في دول الاتحاد السوفيتي السابقة— الأمر الذي يمكن أن تستخدمه كمبرر للتدخلات العسكرية الخارجية مثل أوكرانيا، وربما تعزيز الدعوات الانفصالية في مناطق الاضطرابات والأزمات في شرق أوروبا، وهو ما يمكن أن يتسبب في مضاعفة البؤر الجيوسياسية القابلة للاشتعال داخل أوروبا.
وفيما يخص خطوط النقل ومشاريع البنية التحتية، فقد أطلقت الصين عام 2013، مبادرة الحزام والطريق التي تهدف إلى ربط الصين بريا وبحريا بالعالم عبر استثمار مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية على طول طريق الحرير الذي يربطها بالقارة الأوروبية، وبناء موانئ وطرق وسكك حديدية ومناطق صناعية، تشارك فيه 123 دولة.
كان الدافع الاستراتيجي الرئيسي للمبادرة الصينية هو تأمين طرق تجارة لا تخضع لسيطرة أمريكا في بحر الصين الجنوبي، وبناء سلاسل توريد تهيمن عليها بكين.
تنظر الولايات المتحدة إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية كواحدة من أدوات بكين الرئيسية لتعزيز النفوذ العالمي.
وفي المقابل؛ ضاعفت واشنطن جهودها لحث حلفائها الغربيين على الحد من الاعتماد الاقتصادي على الصين.
ويبدو المثال الأبرز لنجاح الجهود الأمريكية في إعلان ألمانيا استراتيجيتها تجاه الصين والتي ترتكز على اتخاذ إجراءات لخفض المخاطر التي يتعرض لها الأمن القومي الألماني بسبب تزايد الاعتماد الاقتصادي على بكين.
وكذلك قرار إيطاليا بالانسحاب من مبادرة الحزام والطريق.
كما أعلنت واشنطن ونيودلهي والرياض التوقيع على مذكرة تفاهم لإنشاء “الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا“، والذي قد يعيد تشكيل الجغرافيا السياسية جنوب أوراسيا، من خلال توفير طريق بديل لـطريق الحرير الصيني.
وتراهن واشنطن على تسريع سلاسل توريد البضائع الهندية إلى أوروبا كي تنافس البضائع الصينية.
كما يمثل المشروع إجراءً مضادًا لروسيا التي بدأت نقل بضائعها بريا إلى السعودية عبر إيران، ضمن “ممر العبور الدولي بين الشمال والجنوب” (INSTC).
على الجانب الصيني، تتمتع مبادرة الحزام والطريق بوجود مستقل، وتخدم سلاسل التوريد الكبيرة الخاصة بالصين، ما يعني أن مشروع ممر الهند لن يقوض مبادرة الحزام والطريق، كما لن يحد من تنامي العلاقات الاقتصادية والتجارية بين دول منطقة الشرق والصين التي تعد الشريك التجاري الأكبر للدول العربية.
وفي نفس سياق التنافس على مشاريع البنية التحتية الدولية، أعلنت الولايات المتحدة ودول مجموعة السبع (G7) في منتصف عام 2022 عن مبادرة “الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار” (PGII)، والتي تستهدف ضخ استثمارات بقيمة 600 مليار دولار في مشاريع البنية التحتية للدول المنخفضة والمتوسطة الدخل، من أجل مواجهة مشاريع البنية التحتية الخاصة بمبادرة الحزام والطريق الصينية.
وعن العلاقات مع أفريقيا، فإن أفريقيا تظل ساحة شاسعة للتنافس بين الولايات المتحدة والقوى الغربية من جهة وبين الصين وروسيا من جهة أخرى، خاصة مع سعي العديد من الدول الأفريقية لتحقيق مكاسبها الخاصة والاستفادة من تباين مصالح القوى الكبرى.
في تحول لافت للموقف الأمريكي من أفريقيا، تزايد اهتمام واشنطن في السنوات الأخيرة بالقارة والتي أصبحت من وجهة نظر واشنطن تضم قوى جيوسياسية مؤثرة ومهمة في المصالح الخارجية الأمريكية.
وتسعى واشنطن إلى بناء علاقات قوية ترتكز على تحقيق مصالح مشتركة، بالإضافة إلى القيام بدور أوسع في البنية التحتية والاستثمار في القارة.
فيما توسع الصين دورها كممول لمشاريع البنية التحتية الكبرى داخل القارة الأفريقية، فضلا عن كونها الشريك التجاري الأول للقارة، بقيمة قياسية بلغت نحو 254 مليار دولار عام 2021، مقابل 64 مليار دولار فقط سجلتها تجارة أفريقيا مع الولايات المتحدة عام 2021.
كما تعتمد روسيا على دعم التوجهات المناهضة للوجود الغربي في أفريقيا، وترسي آليات للتعاون العسكري والأمني تجعل من موسكو مصدر التسليح الأول للقارة.
وأظهر موقف العديد من دول أفريقيا من الغزو الروسي لأوكرانيا تمدد النفوذ الروسي في القارة، إذ امتنعت 17 دولة أفريقية عن التصويت على قرار للأمم المتحدة، في مارس 2022، الذي يدين الغزو الروسي لأوكرانيا، كما امتنعت غالبية دول أفريقيـا عن دعم حملة العقوبات الغربية ضد روسيا.
كما ان وقوع البحر الأحمر في قلب استراتيجية روسيا البحرية التي أقرها الرئيس بوتين عام 2022، والتي تولي تركيزا متزايد على المحيطين القطبي الشمالي والهادي، بما يجعل روسيا حلقة وصل بينهما ويمنحها دورا بحريا دوليا استراتيجيا، وهو ما يتطلب تواجد روسيا بحريا على خط يشمل البحر المتوسط والأحمر وباب المندب والمحيط الهندي.
لذلك؛ فإن أفريقيا تقع في قلب استراتيجية روسيا البحرية الدولية، ويبرر مساعي الحصول على نقاط تواجد دائمة في السودان والقرن الأفريقي.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/05/09 الساعة 18:30