بطَّاح يكتب: سوريا بين 'النفوذ' التركي و'الاحتلال' الإسرائيلي!
مدار الساعة ـ نشر في 2025/04/16 الساعة 17:04
إنّ ممّا لا شكّ فيه أن سوريا تعيش أوضاعاً صعبة ومعقدة بعد خلاصها من النظام السابق، ولعلّ من المشكلات الشائكة التي يتوجب على قيادتها الجديدة مواجهتها كيفية التعاطي مع كل من تركيا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وإذا تأملنا في الحالتين التركية والإسرائيلية فإننا سوف نجد ما يلي بالنسبة لتركيا:
أولاً: لها حدود تزيد عن 900 كيلو متر مربع مع سوريا وهي أطول حدود لسوريا مع دول الجوار (الأردن، لبنان، العراق، إسرائيل).
ثانياً: لديها ما يزيد عن مليوني لاجئ سوري، وقد شكل هؤلاء اللاجئون ضغطاً غير قليل على الاقتصاد التركي، كما أثروا على فُرص حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في الفوز في الانتخابات التركية التي جرت بعد 2011.
ثالثاً: تحتل حالياً مساحات غير قليلة من الأراضي السورية وذلك في إطار حملاتها المتوالية ضد أعدائها اللدودين المنخرطين في المنظمات الكردية (حزب العمال الكردستاني، قوات سوريا الديموقراطية….).
رابعاً: دعمها المشهود لبعض الميليشيات السورية التي كانت تحارب النظام السوري السابق "كجيش تحرير سوريا" وحتى "هيئة تحرير الشام" الحاكمة الآن وإنْ بحدود أقل.
خامساً: عضويتها في حلف الناتو (تملك ثاني أكبر جيش من حيث العدد في الحلف)، ومقدرتها بالتالي على التأثير على زعيمة الحلف وهي الولايات المتحدة وبالذات فيما يتعلق "بتأهيل" النظام السوري الجديد، ورفع العقوبات عن سوريا وبخاصة عقوبات "قيصر" الأمريكية.
سادساً: كونها لم تحتل سابقاً (أي قبل انفجار الثورة السورية في عام 2011) أية أراضي سورية (باستثناء لواء الإسكندرون الذي تعتبره تركيا تركياً بحجة الاستفتاء الذي أجرته الأمم المتحدة حول الموضوع) وكانت تاريخياً تقيم علاقة طبيعية مع الأنظمة السياسية السورية السابقة برغم مرور هذه العلاقات بفترات "توتر" معروفة.
أمّا بالنسبة لإسرائيل فإنّنا يجب أن نلاحظ ما يلي:
أولاً: تم عقد هدنة فقط (أيّ ليس صُلحاً أو تسوية) بعد النكبة الفلسطينية بين سوريا وإسرائيل في عام 1949.
ثانياً: احتلت إسرائيل هضبة الجولان السورية في عام 1967 (وهي مهمة استراتيجياً وغنية بالزراعة والمياه)، بل وضمتها رسمياً لها في عام 1981.
ثالثاً: عقدت إسرائيل اتفاقيات فصل القوات مع سوريا في عام 1974، ولكنها أعلنت عدم الاعتراف بها بعد سقوط نظام بشار الأسد.
رابعاً: قامت بتدمير بقية مقدرات الجيش السوري السابق من خلال شن أكثر من (500) غارة على مواقع هذا الجيش: البرية، والجوية، والبحرية.
خامساً: احتلال المنطقة العازلة وأعالي جبل الشيخ المشرفة حتى على العاصمة السورية دمشق.
سادساً: محاولة فرض حالة "نزع سلاح" على المحافظات السورية الجنوبية (القنيطرة، درعا، السويداء).
سابعاً: محاولة استقطاب بعض مكونات الشعب السوري (وبالذات الدروز في درعا والسويداء) بحجة حمايتهم من الإدارة السورية الجديدة.
وإذا دققنا في الظروف المحيطة بوضعية هاتين الدولتين المهمتين المجاورتين لسوريا فإننا نستطيع أن نستنتج أن أقصى ما يمكن أن تحققه تركيا هو "نفوذ" لها في سوريا وبالذات أن نظام الحكم الجديد يحاول أن يطبق نسخة من "الإسلام السياسي" المعتدل على غرار ما يطبقه حزب "العدالة والتنمية" في تركيا، أمّا درجة هذا النفوذ فهي تتوقف على "حذق" الحكم الجديد في دمشق، ومهارته السياسية في إدارة الملفات المختلفة، ومحاولة الإفادة من الوضع السوري المتداخل والمعقد.
أمّا فيما يتعلق بإسرائيل فإن أقصى ما تستطيع تحقيقه هو "احتلال" مزيد من الأراضي السورية (بالإضافة إلى الجولان السوري المُحتل منذ عام 1967)، وقد لا يكون صعباً عليها بالفعل فرض حالة نزع السلاح على المحافظات السورية في الجنوب، وذلك في ظل عدم "تأهّل" الجيش السوري الجديد، وحاجته الماسة إلى السلاح، والتدريب، والهيكلة، وعجز النظام الدولي عن فعل شيء إزاء ذلك.
ومحصلة هذا التحليل هو أنّ سوريا واقعة لا محالة بين "نفوذ" تركي تسنده معطيات موضوعية كثيرة أشرنا إلى العديد منها، وبين احتلال إسرائيلي يريد "تأبيد" نفسه بدعاوى توراتية، ومصالح استراتيجية، وهو مدعوم بالتأكيد من الغرب وبالذات من الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت خلال عهدة ترامب الأولى (2016 - 2020) بضم الجولان إلى إسرائيل.
إنّ المرحلة القادمة بالنسبة لسوريا دقيقة حقاً وعلى قياداتها الجديدة مواجهة تحدي وجود قوى عديدة على الأراضي السورية منها ما هو دولي (الوجود الأمريكي في شمال شرق سوريا، والقاعدتان الروسيتان: البحرية في طرطوس، والجوية في حميميم)، ومنها ما هو إقليمي كما هو الحال بالنسبة للوجود التركي في شمال سوريا، والوجود الإسرائيلي في جنوبها.
ولعلّنا لا حاجة لأن نقول بأنّ الشعب السوري هو حصانة هذه القيادة الجديدة في رفض كل أشكال الاحتلال بل والنفوذ، ولذا فإن عليها أن تعمق علاقتها به من خلال إشراكه في صناعة القرار، وتوعيته، وتأهيله لكل أشكال المواجهة الممكنة فالمسألة في النهاية هي مسألة الشعب السوري، وليس "نظام حكم" مُعيّن، أو "قائد" معين، وما علينا -على أية حال- إلّا أن ننتظر ونرى.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/04/16 الساعة 17:04