التل يكتب: الأردن: الوحدة الوطنية في مواجهة التحديات الإرهابية

د. مصطفى التل
مدار الساعة ـ نشر في 2025/04/16 الساعة 01:13
الأردن، بقيادته الهاشمية وقواته المسلحة، يمثل رمزًا للصمود والوحدة الوطنية. فالدولة الأردنية، التي أسسها الهاشميون، تجسد قيم العطاء والتضحية والجهاد، وتعمل على تعزيز الأمن والاستقرار في وجه التحديات الراهنة. إن أي محاولة للانقسام حول هذه القيادة أو التشكيك في دورها هي بمثابة تهديد لوحدة الوطن وسلامته.
القوات المسلحة الأردنية، التي تفتخر بتاريخها العريق وتضحياتها، تظل الدرع الحامي للأردن، وتؤكد على أهمية التلاحم بين جميع مكونات المجتمع. لذا، يجب أن نتذكر جميعًا أن الانقسام حول القيادة الهاشمية هو انقسام حول الوطن نفسه، وأن الوحدة والتضامن هما السبيل الوحيد لضمان مستقبل آمن ومزدهر للأردن.
في خضم الأزمات المتزايدة التي تعصف بالشرق الأوسط، يواجه الأردن تحديات أمنية غير مسبوقة، تتجلى في ظهور خلايا إرهابية تهدد استقراره وأمنه الوطني.
يُعتبر الأردن نقطة التقاء للعديد من الأحداث السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، حيث عانى على مدار السنوات الماضية من تداعيات الفوضى والصراعات التي اجتاحت الإقليم. فقد أصبح الأردن، بحكم موقعه الجغرافي، عرضةً لرياح العنف والإرهاب التي تهب من مختلف الاتجاهات، مما جعله يتعرض لتهديدات أمنية متزايدة. ومع ظهور تنظيم "داعش" ودول إقليمية وأذرعها العسكرية في المنطقة، وتوسع نفوذها، زادت حدة الهجمات الإرهابية التي استهدفت أمن واستقرار المملكة، مما دفع الدولة الأردنية إلى اتخاذ إجراءات متعددة لمواجهة هذه التحديات.
بدأت قصة الإرهاب في الأردن منذ تأسيسه، وعلى مدى هذا التاريخ الطويل، تمكنت الأجهزة الأمنية من إحباط مخططات إرهابية استهدفت مواقع حيوية وشخصيات سياسية. ومن أبرز تلك الأحداث في القريب غير المنسي سلسلة من الهجمات التي استهدفت فنادق في عمّان عام 2005، والتي أسفرت عن استشهاد 57 شخصًا، مما جعلها واحدة من أخطر العمليات الإرهابية في تاريخ البلاد.
ومع تصاعد التهديدات، شهد الأردن أحداثًا مأساوية أخرى، مثل استشهاد الطيار الأردني معاذ الكساسبة على يد تنظيم "داعش" عام 2015، والذي ترك أثرًا عميقًا في الوجدان الأردني. كما شهدت السنوات التالية سلسلة من الهجمات الإرهابية، مما جعل الدولة الأردنية تدرك ضرورة اتخاذ خطوات فعالة لمواجهة هذه الظاهرة.
في ظل هذه التحديات، اعتمدت الأردن استراتيجيات متعددة لمواجهة الإرهاب، تجمع بين المقاربات العسكرية والأمنية والناعمة. فقد شارك الأردن في التحالف الدولي ضد "داعش"، حيث نفذت القوات الجوية الأردنية غارات ضد أهداف التنظيم في العراق وسوريا، وقدم الأردن الدعم الاستخباري واللوجستي للتحالف. على الصعيد الداخلي، اعتمدت الدولة الأردنية سياسة بناء علاقات مع العشائر والأطراف المؤثرة في المناطق المجاورة، مما ساهم في تقليل تأثير التنظيمات الإرهابية وأذرعها الإرهابية لبعض الدول الإقليمية في المنطقة. كما عملت الأردن على تعزيز التعاون مع الدول المجاورة، بما في ذلك روسيا، لإقامة مناطق "خفض التصعيد" على الحدود.
إلى جانب الجهود العسكرية، اتبعت الأردن مقاربات فكرية وثقافية لمواجهة التطرف. فقد أطلق الملك عبد الله الثاني "رسالة عمّان" عام 2004، التي تسعى إلى توضيح جوهر الإسلام الحقيقي وتعزيز قيم التسامح والتعايش بين الأديان. كما تم إطلاق مبادرات مثل "كلمة سواء" و"أسبوع الوئام بين الأديان"، التي تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين. وفي عام 2014، وضعت الحكومة الأردنية خطة وطنية لمكافحة التطرف، تحدد مسؤوليات الوزارات والمؤسسات المختلفة في مواجهة الفكر المتطرف. وقد أكدت الخطة على أهمية التعاون بين جميع الجهات المعنية لتحقيق نتائج فعالة.
يمكن القول إن مواجهة ظاهرة الإرهاب تتطلب استراتيجيات شاملة تجمع بين الأبعاد الأمنية والفكرية والثقافية. ففهم جذور الإرهاب ومعالجة الأسباب الكامنة وراءه هي خطوات أساسية نحو تحقيق الأمن والاستقرار في الأردن. إن التحديات لا تزال قائمة، كما يتضح من الكشف عن الخلية الإرهابية الأخيرة، ولكن الإرادة القوية والتعاون بين جميع الأطراف يمكن أن يسهم في بناء مستقبل أكثر أمانًا للأردن وشعبه.
ختامًا، الكشف عن هذه الخلايا في وقت تتصاعد فيه التوترات الإقليمية، يثير القلق ويستدعي الانتباه إلى ضرورة تعزيز الجهود الأمنية. ومع ذلك، يجب أن نكون حذرين من فتح الساحة الأردنية لتصفيات حزبية أو فكرية قد تؤدي إلى تفاقم الأوضاع بدلاً من تحسينها.
الانقسام الداخلي يُضعف من قدرة الدولة على مواجهة التهديدات الخارجية، ويعزز من فرص الجماعات المتطرفة في استغلال الفوضى. لذا، يتطلب الوضع الراهن من جميع الأطراف العمل معًا بروح من الوحدة والتعاون، لضمان أمن الأردن واستقراره في وجه التحديات المتزايدة.
ويجب أن نكون حذرين من أولئك الذين يسعون لاستغلال الأحداث الراهنة لتوظيفها في تصفيات فكرية أو حزبية على الساحة الأردنية، فمثل هذه التصرفات لا تؤدي إلا إلى تفكيك الوحدة الوطنية وتعزيز الانقسام، مما يهدد أمن الوطن واستقراره. لذا، يتوجب على الجميع العمل بروح من المسؤولية والتضامن، لضمان مستقبل آمن ومزدهر للأردن
مدار الساعة ـ نشر في 2025/04/16 الساعة 01:13