الزعبي يكتب: من الحرب الروسية الاوكرانية الى القضية الفلسطينية القرارات تتغير

الاستاذ الدكتور عبدالله سرور الزعبي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/25 الساعة 21:45
في الذكرى الثالثة للحرب الروسية الأوكرانية شهد العالم حراك دولي غير مسبوق، حيث قادة أوروبا في اجتماعات شبه متواصلة وحضورهم الى كيف للتضامن والرئيس الفرنسي في واشنطن والجمعية العامة للأمم المتحدة تعقد اجتماع لمناقشة حرب أوكرانيا وتتخذ قرارها ومجلس الامن يجتمع ويتخذ قرار اخر، وروسيا تطالب بالقضاء على أسباب النزاع وامريكا تسابق الزمن في الوصول الى حل، ولا يهم على حساب من، والعالم في دهشة كبرى.
قبل ثلاث سنوات كانت قد اندلعت هذه بسبب عدم توافق السياسات الاوكرانية مع السياسة الروسية الكبرى والقائمة على عقيدة القيصر بطرس الأكبر والتي تنص على ضرورة السيطرة الروسية على القوقاز والقرم والبلطيق وأوكرانيا ومنع وحدة أوروبا والوصول الى المياه الدافئة ومنها سواحل البحر المتوسط، وهي العقيدة التي يتبناه الرئيس بوتين.
مع اندلاع النزاع سارع حلف الناتو بزعامة أمريكا لإدانة الاعتداء الروسي ومقدمين الدعم السياسي والعسكري والمالي لأوكرانيا وفارضين أكبر حزمة من العقوبات في تاريخ البشرية على روسيا، لعدم اتاحة الفرصة لها لتحقيق نصر استراتيجي سيغير خارطة اوروبا الجيوسياسية وسيفرض قطب عالمي جديد. ومنذ ذلك التاريخ لم يستطع مجلس الامن من تمرير أي قرار لإدانة الحرب بسبب الفيتو الروسي.
ان قوة الموقف الأمريكي الأوروبي الدعم لأوكرانيا لإزالة ما وصفوه بالاعتداء الروسي واحتلال أراضي الغير بالقوة، الا انهم تناسوا ان هناك صراع قد مضى عليه أكثر من سبعة عقود واحتلال لإراضي فلسطينية قارب الستة عقود ولم يشهد العالم مواقف شبيهة لدعم أوكرانيا او فرض عقوبات لإزالة الاحتلال الاسرائيلي، وقد كنت قد كتبت مقالاً بتاريخ 20/11/2023 بعنوان "من أوكرانيا الى غزة فلسطين العالم يتغير"، وها هو فعلاً يتغير، ولكن ليس لصالح السلام العادل بل لصالح السلام بالقوة.
ان مصطلح السلام بالقوة، ليس بالمصطلح الجديد على السياسة العالمية، فقد استخدم منذ عصر الإمبراطورية الرومانية وتوسعت الأمم باستخدامه عبر التاريخ، ومنها الولايات المتحدة الامريكية حيث قال مؤسس أمريكا جورج واشنطن "اذا كنا نرغب بتحقيق السلام فيجب ان يكون معروفاً لنا باننا يجب ان نكون مستعدين في كل الأوقات للحرب" ومنذ ذلك الوقت وهي في عقل السياسات الامريكية، وتعمق المفهوم بقوة في فترة الرئيس ريغان، عندما دخل في سباق التسلح الذي اضعف اقتصاد الاتحاد السوفيتي وادى الى انهياره، ها هو الرئيس ترامب يركز عليه مع سياسة التحالف مع القوي المفيد وترك الضعيف العبء، وفي هذه الحالة وجد ان روسيا هي المفيدة له لتحقيق أهدافه، ولكن بدون أوروبا المترددة من وجهة نظره.
ان قرار مجلس الامن الصادر يوم أمس 24/2/2024 بالموافقة على المشروع الأمريكي وهو المعبر عن ميثاق الأمم المتحدة لصون السلام والامن الدوليين وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، ويدعو القرار الى المسارعة بوضع حد للنزاع وتحقيق سلام دائم بين روسيا وأوكرانيا، وقد مر القرار دون ان تستخدم أي من الدول الأوروبية (فرنسا وبريطانيا) حقها بالفيتو رغم تهديده للمصالح الاوروبية. كما انه لمن الملاحظ الرفض الامريكي القاطع بإدخال التعديلات الأوروبية الداعية الى وحدة وسلامة الأراضي الاوكراني.
ان مرور هذا القرار وبهذا الشكل سيشكل منعطفاً خطيراً على العلاقات الدولية، حيث فرض واقع جيواستراتيجي جديد في أوروبا، وسيفرض عليها حل جذور الازمة من أساسها، كما طلب الرئيس الروسي.
ان الواقع الجيوسياسي الجديد سيضرب ليس أوروبا فقط بل سيصل الى الشرق الأوسط وسيضرب مستقبل القضية الجوهرية له وهي القضية الفلسطينية (وهنا لا بد من الإشارة الى ان الدول الاوربية كانت قد اخطأت خلال العقود الماضية لعدم لعب دور أقوى لحل القضية الفلسطينية، ولو قامت بذلك لما وصلت الى ما وصلت اليه اليوم).
ان الغزل الروسي الأمريكي خلال الأسابيع الماضية وتحميل الرئيس ترامب مسؤولية اندلاع الحرب لأوكرانيا، واعداد مشروع القرار الذي تم تمريره من قبل مجلس الامن، هو تمهيد لتمرير قرار اخر يتعلق بالدعوة للسلام بالشرق الأوسط ووقف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني دون الدعوة للانسحاب الإسرائيلي من الأراضي الفلسطينية ووقف سفك الدماء دون الإشارة الى حق اقامة الدولة الفلسطينية، ومن الممكن ان يكون مثل هذا المشروع جاهز وسيتم طرحة في المستقبل القريب (ولن يتم استشارة احد من الأطراف المعنية باستثناء إسرائيل، وهذا واضح من تصريحات ترامب لفوكس نيوز حيث قال ليس من المهم حضور الرئيس الاوكراني محادثات السلام، وغدا سيقول ليس من المهم حضور الجانب الفلسطيني) كما ولن يتم الاعتراض عليه بحق النقض بالفيتو من أي دولة من الدول العظمى. وعندها سيكون القرار مرجعية اممية جديدة ولن ينظر أحد الى القرارات الأممية السابقة والتي مضى عليها عقود من الزمن ولم ينفذ منها شيء.
اليوم والعالم يتغير وبشكل متسارع والرئيس بوتن يقدم الإغراءات للرئيس ترامب ليس للاستحواذ على معادن أوكرانيا فقط، لا بل بدعوة الشركات الامريكية للاستثمار في الثروات الطبيعية الروسية وهي الدولة التي تحتوي على أكبر مخزون عالمي من مصادر الطاقة والمعادن المختلفة ومنها النادرة.
ان مثل هذا الامر يجعل أوروبا في وضع لا تحسد عليه، من حيث الحصول على مصادر الطاقة والمعادن الضرورية لصناعاتها والتي تسمح لها من المنافسة في السوق العالمي (وخاصة ان الصين قد تكون طرفاً في معادلات بوتن وترامب، لتشكيل مثلث عالمي جديد)، فإنها اليوم بأمس الحاجة للبحث عن تكتل اخر (إذا بقيت موحدة)، وقد يكون الأمثل لها ان تتجه لمنطقة الشرق الأوسط لما لحضارتيهما من عمق تاريخي، واعتقد بان هذا فرصة قوية لكي تسارع الدول العربية لمثل هذا التكتل والذي قد يخفف من قوة التغيرات القادمة على مستقبل المنطقة.
ام نحن في الأردن، وكوننا جزء لا يتجزأ من المنطقة، فأننا نعي التغيرات العالمية المتسارعة ونرى الاخطار المحدقة بالمنطقة، وعلى الرغم من سياسة الحذر التي نسير فيها، ومحاولة اقناع الدول العربية بالدفع بتكتل عربي قوي يمكننا من لعب دور مهم في انشاء مثل هذا التكتل مع الدول الأوروبية وذلك لما لجلالة الملك من قوة بالحضور والاحترام لدى قادة الدول الاوروبية.
كما ان على كافة الاطياف السياسية والاجتماعية الأردنية التماسك وبقوة والتلاحم مع القيادة الهاشمية والقوات المسلحة والأجهزة الأمنية لحماية امن الأردن واستقراره، وخاصة ان ثقتنا بحكمة جلالة الملك وولي العهد لا حدود لها لحماية مصالح الاردن، وهو ما عبر عنه جلالة الملك في اجتماعه الأخير مع الرئيس الأمريكي الأخير حيث قال "علي ان اعمل ما فيه مصلحة بلدي".
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/25 الساعة 21:45