
بطَّاح يكتب: المقاومة المسلحة لإسرائيل في ضوء البيئة الاستراتيجية المستجدّة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/19 الساعة 22:18
لعلّنا لا نبالغ إذا قلنا بأنّ حركات المقاومة المسلحة المتصلة بالقضية الفلسطينية تواجه بيئة استراتيجية مستجدّة تملي عليها أن تراجع خططها، وتعيد التأمل في استراتيجياتها وصولاً إلى الإبقاء على المقاومة للمشروع الإسرائيلي ولكن بأساليب وطرائق مُعدّلة تناسب متغيرات البيئة الاستراتيجية التي تعمل في فضائها، وبقليل من التعمق يمكننا القول بأن معالم هذه البيئة الاستراتيجية هي على النحو الآتي:
أولاً: تلقي حركات المقاومة المسلحة (حماس، حزب الله، انصار الله،…) لضربات موجعة خلال المواجهات الأخيرة مع إسرائيل، وفقدانها لعدد من زعمائها التاريخيين (حسن نصر الله في لبنان، يحيى السنوار، وإسماعيل هنية في قطاع غزة…).
ثانياً: استعادة إسرائيل لجزء مُعتبر من قوة الردع التي فقدتها في السابع من اكتوبر، فضلاً عن قضائها على جانب مهم من قوة حماس، استطاعت إسرائيل تحييد حزب الله في لبنان ودفعه إلى شمال الليطاني، كما تمكنت من قطع طريق إمداده عبر سوريا من خلال ضرباتها المؤثرة والمستمرة للوجود العسكري الإيراني في سوريا، وقد برهنت على قدرة لا يمكن الاستهانة بها حين استطاعت ضرب إيران نفسها واغتيال إسماعيل هنية في عاصمتها، وحين استطاعت توجيه ضربات مهمة (على بعد 2000 كم2) تقريباً لأنصار الله الحوثيين في اليمن.
ثالثاً: قطع طرق إمداد المقاومة فالطريق المهم لإمداد حزب الله من إيران عبر سوريا تم شلّه وبخاصة بعد سقوط النظام السوري الذي كان يقوده بشار الأسد المتحالف مع إيران، وتولي "هيئة تحرير الشام" الحكم وهي مناوئة بقوة لإيران كما هو معروف، ومن الجدير بالذكر في هذا السياق استيلاء إسرائيل على محور فيلادلفيا (صلاح الدين) الواقع على الحدود المصرية الفلسطينية، والذي كان يمثل ممراً لتهريب الأسلحة من سيناء إلى قطاع غزة.
رابعاً: انسداد الحدود الإسرائيلية العربية في وجه حركات المقاومة، وغني عن القول أن الحدود المصرية الإسرائيلية مغلقة بفعل معاهدة "كامب ديفيد" بين إسرائيل ومصر، وكذلك الحدود الإسرائيلية الأردنية بفعل معاهدة "وادي عربة" بين إسرائيل والأردن، وقد اكتمل هذا الانسداد بسبب توجهات النظام السوري الجديد إلى بناء بلاده معلناً أنه غير راغب (وغير قادر) في أية مواجهة مع إسرائيل في المستقبل المنظور، وبسبب نأى لبنان بنفسه عن استمرار المواجهة مع إسرائيل وتوقيعه لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل والذي يتضمن فيما يتضمن إبعاد حزب الله إلى شمال الليطاني.
خامساً: عدم توفر داعم دولي كبير قادر على إسناد المقاومة وضمان استمراريتها، وذلك في ضوء الواقع الدولي المعاصر الذي تتسيد فيه الولايات المتحدة العالم كقطب أوحد يتربع على عرش العالم، بينما تبزغ "أقطاب جديدة" (روسيا، الصين، الهند، مجموعه البريكس) كأقطاب جدد ذوي قوى كافة وواعدة ولكنها غير قادرة فعلياً على المنافسة المؤثرة مع الولايات المتحدة، فروسيا مثلاً دولة عظمى عسكرياً (تمتلك 6000 رأس نووي استراتيجي) ولكنها ذات رقم (13) في منظومة الاقتصاديات العالمية، والصين ثاني اقتصاد في العالم، ولكنها ما زالت خلف الولايات المتحدة في معظم مؤشرات القوة ومنها العسكرية بالطبع.
هل هذا يعني نهاية "مجموعة المقاومة" للمشروع الصهيوني (الذي تمثله إسرائيل) في المنطقة العربية؟ بالطبع لا فحيثما كان هناك احتلال لابد أن تكون هناك مقاومة وبغض النظر عن مسمياتها والايدولوجيات التي تنطلق منها.
إنّ ما يعنيه بالضبط هو أنّ حركات المقاومة يجب أن تقرأ بيئتها الاستراتيجية بانتظام، وتلاحظ المتغيرات التي تطرأ عليها، وتبتكر الأساليب المنطقية للتعامل معها.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/19 الساعة 22:18