العجارمة يكتب: المخططات الترامبية.. يدحضها موقف عربي موحّد

موسى العجارمة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/12 الساعة 20:51
"القرار العربي الموحد" هو خط الدفاع الأول لتفنيد صفقة التاجر ترامب، التي تهدف إلى تهجير الفلسطينيين إلى دول أخرى، من بينها الأردن. فلا يمكن تحميل دولة عربية واحدة تبعات هذه الموجة من الصفقات، فالمسألة اليوم بحاجة إلى استراتيجية عمل عربية موحدة، تكون على هيئة ورقة ضاغطة تحمل في طياتها العديد من المسوغات التي تتصدى لهذه المقامرة السياسية والتجارية البائسة.
إحداثيات هذه المرحلة لا تسير وفق سلم بياني منتظم، بل تتطلب موقفًا عربيًا حازمًا يتصدى لخطة ترامب، الذي يتعامل مع غزة بمنظور تجاري يضمن مصالح اليمين الإسرائيلي المتطرف، مقابل الخطة العربية التي تبنّت نهجًا إنسانيًا يضمن حقوق الفلسطينيين، ويرفض إجبارهم على التهجير.
الخطة العربية المصرية، ومحادثات الرياض التي أشار إليهما جلالة الملك عبدالله الثاني خلال لقائه مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في البيت الأبيض، تمثلان التعبئة السياسية المنتظرة التي ستقدم حلولًا جادة لإعادة إعمار غزة، بعيدًا عن التطهير العرقي الذي تسعى إليه حكومة بنيامين نتنياهو، بمباركة التاجر الجمهوري، الذي يطمح لتحقيق آماله ببناء "ريفيرا الشرق الأوسط".
لقد حاول ترامب إقحام الأردن في مقترحه لإخضاع قطاع غزة لسيطرة الولايات المتحدة، إلا أن دبلوماسية جلالة الملك وحكمته كانتا حاضرتان في قمة واشنطن، إذ تجنّب الملك الخوض في التفاصيل أمام كاميرات الصحفيين قبل عقد الاجتماع، وهو دليل واضح على إدراك الملك للبروتوكولات والأعراف الدبلوماسية المتبعة، على عكس ترامب الذي خرق بروتوكول الاجتماعات "رفيعة المستوى" منذ الدقائق الأولى، والتي تقضي بعقد المؤتمر الصحفي عقب الاجتماع للحديث عن النتائج التي أسفرت عن المحادثات، إلا أن ذلك لم يحدث، لأن ترامب كان مدركًا لموقف الأردن الرافض لهذه المهاترات السياسية.
الملك عبدالله الثاني اكتفى خلال المؤتمر الصحفي المشترك بالقول: "سأفعل الأفضل لبلدي"، كاشفًا عن مبادرة إنسانية أردنية جديدة تتمثل في استقبال ألفي طفل غزي من مرضى السرطان، في رسالة واضحة وصريحة تؤكد رفض الأردن القاطع لتهجير الفلسطينيين أو أن يكون وطنًا بديلًا لهم، وأن دوره تجاه غزة هو إنساني بحت. كما أن تغريدات جلالته عبر منصة "إكس"، وكذلك تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي التي تلت الاجتماع، أكدت بالمطلق على موقف الأردن الثابت من تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية.
ولعل هذا الموقف ينبغي تعميمه ليكون موقفاً عربياً موحداً يتطلب عملاً جماعياً واسعاً لدحض هذه الصفقة، وتضميد جراح أهل غزة، وإعادة إعمار القطاع. وقد نجح الملك في امتصاص التصعيد، ووضع ملف التفاهمات على الطاولة، للمضي قدمًا والتوصل لحلول عادلة تضمن أحقية الشعب الفلسطيني بالعيش على أرضه.
أما الاتهامات التي وُجّهت للأردن، حول المبادرة الإنسانية باستقبال 2000 طفل غزي مصاب بالسرطان، بزعم أنها "مقدمة لصفقة تهجير الغزيين"، فهي مجرد مزايدات لا تستند إلى الواقع. فالأردن تاريخيًا استقبل العديد من جرحى وأطفال غزة، وتمت إعادتهم إلى وطنهم بعد تلقي العلاج اللازم. وهذه "التشكيكات" ليست جديدة، إذ أن كل خطوة إنسانية يتخذها الأردن تقابلها بعض الأطراف بالتشكيك والاتهام.
لطالما كان الأردن ثابتًا في مواقفه، ورفض العديد من المخططات الأمريكية التي لم تراعِ حقوق الفلسطينيين، وقالها بصريح العبارة مرارًا وتكرارًا: "لا" لكل مخطط أحادي الجانب لا يضمن بناء دولة فلسطينية مستقلة. وفي جعبة تاريخنا القريب أمثلة عديدة، ومنها رفض الأردن قبل أكثر من عام حضور قمة رباعية بمشاركة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، احتجاجًا على مجزرة مستشفى المعمداني. كما لا ننسى "اللاءات الأردنية الثلاث" في مواجهة ثالوث الخطر بما يسمى بـ"خطة السلام الأمريكية" والممثلة بصفقة القرن، وغيرها من المواقف الراسخة في عهود إدارات أمريكية سابقة، مثل إدارة الرئيسين باراك أوباما، وجورج بوش.
أما الإعلام الأردني، فقد أخفق مجددًا في التعامل مع مسؤولياته الوطنية والاستراتيجية لمواجهة التحديات التي رافقت اللقاء، فكان من الواضح غياب أي استعدادات مسبقة لمواجهة أي تأويلات قد تطرأ خلال قمة واشنطن. فقد اقتصرت التغطية على نقل الحدث دون وجود خطط استباقية للتعامل مع المتغيرات، ما كشف عن غياب الاستراتيجية الإعلامية الموحدة المتماهية مع خصوصية المرحلة والموقف الأردني الواضح.
وفيما يتعلق بملف المساعدات، لا يمكن اعتبار تصريحات ترامب الأخيرة، التي قال فيها إنه "لا يوجد أي تهديد للأردن عبر المساعدات"، على أنها إيجابية. فترامب رجل متقلب، يدلي بتصريحات متناقضة وفقًا للظروف والمصالح. لذا، فإن تصرف الدولة الأردنية بالبحث عن حلول بديلة يعدّ أمرًا في غاية الأهمية، مع التأكيد على أن هناك العديد من الضمانات والعوامل التي تجعل من المستحيل وقف هذه المساعدات. وما جاء في السابق ليس إلا ضغوطًا ناعمة يمارسها ترامب لتمرير مقترحاته وخططه، وليس أكثر. والأيام المقبلة حبلى بالتطورات التي ستكشف الحقائق وتوضح المسارات.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/12 الساعة 20:51