مفلح الرحيمي يكتب: حنكة ودرس في السياسة

مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/12 الساعة 11:42

مدار الساعة - كتب الوزير والعين السابق مفلح الرحيمي - السياسة هي فن الممكن، وأحيانًا تصبح فن المستحيل، وهذا بالضبط ما جسّده جلالة الملك في تعامله مع الطرح الذي فرضه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بخصوص القضية الفلسطينية قبل وخلال لقائه يوم الثلاثاء 11-2-2025 جلال الملك، لم يكن الموقف الأردني مجرد رد فعل عابر أو كلام إنشائي، بل كان درسًا في الحنكة والقيادة، حيث فكّك الطرح الأمريكي جزءًا جزءًا، رافضًا أن يُملى عليه شيء لا يخدم مصلحة بلاده وأمته، واضعًا العرب جميعًا أمام مسؤوليتهم التاريخية.

دهاء سياسي هاشمي من العيار الثقيل كما تعوّدنا من أبناء هاشم، السياسة عندهم ليست مجرد كلمات، بل أفعال محسوبة بدقة. لم يدخل الملك إلى المشهد الدولي بيد فارغة، بل حمل معه موقفًا واضحًا ورقمًا حقيقيًا يثبت التزام الأردن الإنساني قبل السياسي. ففي الوقت الذي اكتفى فيه البعض بالشعارات أو التلاعب بالمواقف، كان الأردن يفتح مستشفياته لاستقبال 2000 طفل من غزة للعلاج، في خطوة إنسانية تعزز الموقف السياسي، وتمنع أي محاولات للتشكيك أو المزايدة.
وإعادة القضية إلى ملعب العرب الأكثر ذكاءً في التحرك الأردني أن جلالة الملك لم يسمح بتحويل القضية الفلسطينية إلى شأن أردني خالص، بل أعادها إلى أصلها الحقيقي: قضية عربية وإسلامية، لا يمكن حلّها إلا بموقف عربي موحّد. هذا التحرك وضع الجميع أمام مسؤولياتهم، وجعل أي محاولة لفرض حلول فردية أو قرارات أحادية أمرًا غير ممكن، لأن أي اتفاق يحتاج إلى إجماع عربي حقيقي، وليس مجرد ترتيبات شكلية.
ودائم ما نجد ان الجندي الأول للأردن هو جلالة الملك ونتعلم ان القيادة ليست خطابات رنانة أو اجتماعات دبلوماسية، بل مواقف تترجم على الأرض. والملك، بصفته الجندي الأول للأردن، لم يكن مجرد متابع أو وسيط، بل كان صاحب موقف واضح وإجراءات ملموسة، جعلت من الأردن رقمًا صعبًا في أي معادلة سياسية تخص المنطقة. هذه ليست مجرد شعارات، بل سياسة مدروسة أثبتت أنها قادرة على مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية بثبات ووضوح.
والتاريخ لا يرحم.. والمواقف تُسجّل وكما يعلم الجميع التاريخ لا يرحم المترددين، ولا ينسى أصحاب المواقف. والموقف الأردني، بقيادة جلالة الملك، في التعامل مع الطرح الأمريكي، كان رسالة واضحة بأن الحنكة السياسية لا تعني القبول بالأمر الواقع، بل تعني القدرة على تفكيكه وإعادة صياغته بما يخدم المصلحة العليا. وكما قيل قديمًا: المؤمن لا يُلْدَغ من جُحْرٍ مرتين، فكيف إذا كان الحديث عن قائد يدرك أبعاد المشهد، ويعرف كيف يحمي وطنه وأمته من اللدغات السياسية؟

مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/12 الساعة 11:42