
حدادين يكتب: تحليل قانوني لاقتراح نقل سكان غزة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/11 الساعة 09:08
في ظل الأزمات السياسية المتلاحقة والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، برز اقتراح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنقل سكان غزة إلى مصر والأردن كحلٍّ للتعامل مع الوضع في قطاع غزة. هذا الاقتراح الذي أثار جدلاً واسعًا بين الأوساط السياسية والدولية، لقي رفضًا من معظم الأطراف المعنية، باستثناء إسرائيل. لكن ما يثير التساؤل هو مدى مشروعية هذا الطرح في إطار القانون الدولي، ومدى مطابقته مع المبادئ الإنسانية التي تحظر التهجير القسري والتهديد بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها. في هذا السياق، سنحاول تحليل مدى توافق هذا الاقتراح مع القوانين الدولية، وهل يمكن اعتباره انتهاكًا للحقوق الإنسانية أو جريمة تطهير عرقي، وفقًا للمفاهيم المعتمدة في المحاكم الدولية.
فيما يخص اتفاقية جنيف الرابعة التي تُعنى بحماية المدنيين في الأوقات الحربية، فإن المادة 49 واضحة في حظر النقل القسري للسكان المدنيين من الأراضي المحتلة، حيث أن المادة نصت على ما يلي: "يُحظر النقل القسري أو الترحيل الجماعي للسكان المدنيين من الأراضي المحتلة إلى أراضٍ أخرى، سواء داخل المنطقة المحتلة أو خارجها، إلا في حالات استثنائية وضرورية، مثل المقتضيات العسكرية الطارئة أو لحماية السكان من الأخطار التي تهدد حياتهم." هذه المادة تضمن حماية السكان المدنيين من عمليات التهجير القسري، سواء كانت هذه العملية داخل أو خارج المنطقة المحتلة. تهدف هذه المادة إلى الحفاظ على حقوق المدنيين في المناطق المحتلة وحمايتهم من التشريد والتهجير القسري، بما في ذلك التأكيد على عدم جواز تغيير التركيبة السكانية في الأراضي المحتلة. من هنا، فإن اقتراح ترامب بنقل سكان غزة قسرًا إلى مصر والأردن يتعارض مع هذا البند، إذ يتضمن تهجيرًا قسريًا للسكان بدون موافقتهم. هذا يعني أنه، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، فإن أي محاولة لنقل سكان من الأراضي المحتلة، بما في ذلك قطاع غزة، إلى دول أخرى دون موافقتهم أو بدون مبرر عسكري ضروري يُعد انتهاكًا خطيرًا لهذه الاتفاقية.
ومن وجهة نظر ميثاق الأمم المتحدة، خاصة المادة 1(2)، يُعترف بحق الشعوب في تقرير مصيرها، أي أن أي تغيير في التركيبة السكانية أو فرض تغيير على وضع الشعب في أي منطقة يُعد انتهاكًا لهذا المبدأ. بالتالي فان هذه المادة هي إحدى المواد الأساسية التي تؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو أحد المبادئ الجوهرية في النظام الدولي المعاص. فغزة، كمنطقة ذات خصوصية تاريخية وسياسية، تعد جزءًا من الشعب الفلسطيني الذي لديه حق تقرير مصيره، بما في ذلك حقه في العيش على أراضيه. من هذا المنطلق، إذا تم تطبيق هذا المبدأ على الوضع في غزة، فإن أي محاولة لنقل سكان غزة بالقوة إلى دول أخرى يتناقض مع حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم. فالفلسطينيون، كسائر الشعوب، لهم الحق في تقرير مصيرهم في وطنهم، ولا يمكن لأي جهة خارجية أن تفرض عليهم تغيير هويتهم أو نقلهم بالقوة.
ومن منظور القانون الدولي، أكدت المحكمة الجنائية الدولية والمحاكم الدولية الأخرى على أن التهجير القسري للسكان المدنيين من مناطقهم دون مبرر عسكري مبرر يعد جريمة حرب. عندما نتحدث عن التهجير القسري للسكان في غزة، فإننا نتحدث عن عملية قد تؤدي إلى نتائج خطيرة على حقوق الإنسان، إذا كانت تتم بدون موافقة سكان غزة أو مبرر قانوني يتماشى مع القوانين الدولية.
الحديث هنا لا يقتصر فقط على مجرد تهجير قسري، بل يمكن أن يُعتبر أيضًا شكلاً من أشكال التطهير العرقي وفقًا لتعاريف الأمم المتحدة، ويتضمن محاولة لإزالة مجموعة سكانية معينة من منطقة ما استنادًا إلى انتمائها العرقي أو الديني أو القومي. إذا تم تنفيذ هذا الاقتراح بالقوة، فإنه سيشكل جريمة ضد الإنسانية كما ورد في نظام روما. هذه الجريمة تعرف بأنها "التهجير القسري" عندما يتم بطريقة منهجية أو واسعة النطاق، مما قد يترتب عليه محاكمات دولية.
من المهم أن نضع في الاعتبار أنه رغم كون الاقتراح قد يبدو سياسيًا في جوهره ويعكس حسابات مختلفة في السياسة الدولية، إلا أن تنفيذه بالقوة يعد انتهاكًا صارخًا للقوانين الدولية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان، واحترام سيادة الشعوب، والحفاظ على الاستقرار الإقليمي. مثل هذه الأفكار قد تؤدي إلى تصعيد النزاع القائم وتحقيق نتائج كارثية على المدى الطويل، بما في ذلك فقدان الثقة في المنظمات الدولية والهيئات التي تهدف إلى حفظ السلام. كما أن مثل هذا الطرح يساهم في تعزيز التوترات بين الدول المعنية، وقد يؤثر سلبًا على العلاقات بين مصر والأردن من جهة وفلسطين من جهة أخرى. عندما نتحدث عن غزة والسكان الفلسطينيين، لا يمكن أن نتجاهل تعقيدات الوضع السياسي والإنساني، وبالتالي فهذه الحلول القسرية قد تبدو بعيدة عن منطق الحلول السلمية والعدالة الدولية.
إذن، من خلال التحليل المفصل، نجد أن الاقتراح يمثل خرقًا للعديد من المبادئ القانونية الدولية، ويعد انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان. من وجهة نظري الشخصية، يعتبر اقتراح نقل سكان غزة إلى مصر والأردن بمثابة استجابة سطحية للغاية لمشكلة عميقة ومعقدة. غزة هي جزء من القضية الفلسطينية التي تتشابك فيها الحقوق السياسية، الإنسانية، والتاريخية. هذا الاقتراح لا يعكس فهماً حقيقياً لعمق النزاع القائم، ويخالف في جوهره المبادئ القانونية التي تهدف إلى حماية حقوق الإنسان وضمان استقرار المنطقة. حين نتمعن في اقتراح نقل سكان غزة، نجد أنه لا يقتصر على التهجير فحسب، بل قد يدخل في نطاق التطهير العرقي. فالتغيير القسري للسكان بناءً على هويتهم العرقية أو الدينية أو القومية هو شكل من أشكال انتهاك الحقوق الإنسانية.
بالنسبة لي، الحلول الحقيقية لقضية غزة والفلسطينيين بشكل عام تبدأ بالاعتراف بحقوقهم السياسية والإنسانية، وتحقيق السلام من خلال التفاوض والمفاوضات القائمة على مبدأ حل الدولتين. تهجير الناس لن يحقق استقرارًا أو سلامًا دائمين، بل سيخلق مزيدًا من الألم والخسارة. نحن بحاجة إلى حلول إنسانية وسياسية تعترف بالشعب الفلسطيني كجزء لا يتجزأ من المنطقة، وحقوقه كجزء من منظومة حقوق الإنسان العالمية. لذلك، في رأيي، الاقتراح بنقل سكان غزة هو اقتراح غير واقعي وغير قانوني، ولا يحمل أي أمل حقيقي في التوصل إلى حل دائم.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/11 الساعة 09:08