
أبو عزام يكتب: تداعيات الأمر التنفيذي الأمريكي حيال المحكمة الجنائية الدولية
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/08 الساعة 16:20
مع صدور الأمر التنفيذي عن الرئيسي الأمريكي والقاضي بفرض عقوبات على قضاة المحكمة الجنائية الدولية والمحققين فيها وأفراد أسرهم ، بعد ان تم عرقلة مشروع القانون من قبل مجلس الشيوخ الأمريكي لجاء الرئيس الأمريكي إلى استخدام الحالة الطارئة لتمرير مضمون القانون عبر الأمر التنفيذي.
إن تداعيات هذا الأمر على القضاء الدولي تعتبر مأساوية من شأنها أن تقوض فكرة العدالة على المستوى الدولي والتي كانت ثمرة نضالات ونقاشات معمقة على كافة المستويات للخلوص إلى فكرة إنشاء المحكمة الجنائية الدولية، وعلى الرغم من التحديات التي يعانيها نظام روما الأساسي المنشئ للمحكمة واستحالة التنفيذ وعدم إقبال الدول على التصديق على نظام روما، جاء الأمر التنفيذي من ترامب ليدق مسماراً فيي نعش القاء الدولي ويعرقل كافة المساعي والجهود الرامية إلى ترسيخ وتعزيز العدالة على المستوى الدولي.
على الرغم من أن فكرة مأسسة القضاء الدولي لا تزال تحبوا إلا أن المقاربات السياسية وازدواجية المعايير من عديد من الدول تمثل عقبة كأداء أمام هذه المساعي، فضلاً عن أن مثل هذا التصرف من شأنه أن يبعث للرأي العام الدولي رسالة سلبية حول تقويض الإرادة الدولية وتحكم دولة أو بعض الدول في توجيه هذه الإرادة ويؤدي إلى تقويض فكرة العدالة والمساواة على المستوى الدولي،
تتمثل خطورة هذا التصرف بإضفاء شرعية على تصرفات دولة الاحتلال على الجرائم التي تم ارتكابها وبالتالي يعتبر طريقا للإفلات من العقاب ومن جهة أخرى يعبر ذلك عن موافقة وتأييد رسمي أمريكي للجرائم التي تم ارتكابها في غزة.
تداعيات هذا الأمر التنفيذي لا تتوفق عن حالة غزة لا بل تتجاوزها لكافة الحالات المعروضة أمام المحكمة والت يتنظر فيها أو التي نظرتها وتنتظر القاء القبض على من صدرت بحقهم أحكام أو أوامر قبض من المحكمة، ومن شأن هذا التصرف غير الشرعي ان يعزز العديد من التوجهات المناوئة للمحكمة واستقلاليتها ويحفزها لإتخاذ إجراءات مماثلة أو إجراءات وفق تدابير وطنية لديها لا بل ربما يتعدى إلى أبعد من ذلك من خلال التفكير من البعض في الانسحاب من ميثاق روما الأساسي.
على ضوء ذلك ، تغدوا فكرة العدالة العالمية في حالة تقهقر مؤسسي وموضوعي وربما أثار هذا التصرف ان يعيد العالم إلى الوراء خطوات كبيرة للتفكير ملياً في جدوى فكرة القضاء الدولي وواقعها المؤسسي المتمثل فيي المحكمة، تداعيات ذلك لا تقتصر على المحكمة بل تنسحب إلى العديد من الوكالات الدولية الأخرى ربما إلى هيئة الأمم المتحدة بحد ذاتها، ومن شأن هذا التصرف الإخلال والتأثير إلى الأمن والسلام العالمي والذي يعتبر هدفاً من أهداف هيئة الأمم المتحدة الذي انشأن من أجله.
من المعروف ان المحكمة أصدرت العديد من الأحكام ولا تزال تنظر في انتهاكات أخرى جرمها القانون الدولي وتمثل حالة إجماع وعرف من المجتمع الدولي عبر عقود وقرون من الزمن باعتبار هذه الجرائم انتهاكا جسيما لقواعد القانون الدولي الإنساني ومقاصد الأمم المتحدة، مما يعني نسف وإجهاض تلك الجهود ومنح مرتكبي هذه الجرائم المتمرسين حول السلطة ونفوذها من الإفلات من العقاب إلى مالا نهاية هذا بالضافة إلى ان إصدار من هذا الأمر يعتبر استهانة وعدم إيلاء أي أهمية لإرادة الدول على ادنى تقدير التي صادقت على ميثاق المحكمة والبالغ عددها 125 دوله وبالتالي تعتبر المحكمة أمام ذلك غير قادرة على النهوض بأدوارها التي أنشأت من أجلها.
من غير المعقول ولا المقبول ان تستفرد دولة - بغض النظر عن نفوذها – بالتأثير بإجهاض جهود دولية بذلت وشكلت نقطة التقاء للمجتمع الدولي حول الالتفاف للحفاظ على الكرامة الإنسانية وحماية حقوق الإنسان وإنكار كافة أشكال الحرب وأساليبها الوحشية والتي عانى منها العالم فترات لا تزال تأثيراتها تلقي بظلالها للآن.
يبدوا أن العالم لا يزال أمام هول الصدمة ويعول على ان مؤسسات صنع القرار الأمريكي يمكن ان تتخذ إجراء من شأنه ان يلجم جموح الرئيس الأمريكي غير الإنساني، إلا ان الوقوف أمام حالة الذهول لا تجدي نفعاً اذ الأمر أصبح حقيقة لا مناص منها، مما يتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة من المجتمع الدولي دولاً ومنظمات ووكالات وخبراء ونشطاء على كافة المستويات، لوقف هذا الأمر التنفيذي ودراسة كافة الخيارات والوسائل للتخفيف من وطأة هذا الأمر التنفيذي وآثاره السبية على العدالة الدولية وعلى القضايا المنظورة والقرارات التي سبق أن تم إصدارها.
هذه الجهود يجب ان يصاحبها تحركات في الولايات المتحدة ذاتها من السلطة القضائية والمنظمات التي تدافع عن حقوق الإنسان والنقابات والأحزاب السياسية للنظر ف كافة الخيارات للضغط لوقف هذا القرار ولجم الوحشية والانتهازية التي تفوح من كافة الأوامر التي صدرت عقب تولي ترامب سلطاته.
هذا بالإضافة إلى ضرورة ان تلعب الأمم المتحدة ولا سيما الجمعية العامة دوراً ف بالدعوة إلى اجتماع طارئ لبحث تداعيات هذا الأمر على الأمن والسلم الدوليين، وان يتم تحريك ولاية محكمة العدل الدولية – وه والمتاحة على اقل تقدير – في تبني رأى استشاري ينكر مثل هذا الإجراء ويعتبره غير معترف فيه وتشخيصه بأنه إخفاق من جانب الدولة الطرف في القيام بواجباتها تجاه المجتمع الدولي.
كما أن التحركات الدبلوماسية من شأنها ان تخفف من آثار هذا الأمر من خلال الإعلان عن دعم جهود المحكمة والعاملين فيها وان لا تتأثر الدول في اتخاذ إجراءات مشابهه لضمان قدرة المحكمة في تسيير أعمالها واستكمال جهودها في التحقيق في الحالات المعروضة أمامها، كما انه مطلوب من المنظمات الإقليمية ان تعلي الصوت للتنديد بمثل هذا الإجراء وتتخذ كافة الإجراءات المتاحة للضغط على الحد من آثار القرار من مثل جامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي ومنظمة الوحدة الإفريقية والاتحاد الدولي البرلماني وغيرها من وكالات.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/08 الساعة 16:20