حدادين يكتب: ضغوط توطين الغزيين.. كيف يتعامل الأردن مع التحديات السياسية؟
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/05 الساعة 09:06
منذ أن تولى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منصب الرئاسة، شهدت السياسة الأمريكية تجاه المنطقة تغييرات كبيرة، وكانت واحدة من أبرز القضايا التي أثارت الكثير من الجدل هي ضغوطاته التي تتعلق بالقضية الفلسطينية، بما في ذلك إمكانية توطين اللاجئين الفلسطينيين في دول أخرى ومنها الأردن. الشعب الأردني يولي أهمية كبيرة للقضية الفلسطينية ويمكن أن يواجه أي قرار بشأن تهجير فلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ردود فعل شعبية قوية ضد هذا التحرك، خاصةً إذا تم تبريره باعتباره جزءًا من صفقة سياسية لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي على حساب الأردن.
من وجهة نظري، يمكن للأردن أن يتعامل مع الضغوطات التي قد تترتب على مقترح توطين الغزيين أو تهجيرهم في سياق أوسع من خلال جملة من المواقف والتكتيكات السياسية الذكية التي توازن بين الحفاظ على سيادته وحماية مصالحه الوطنية، وفي الوقت ذاته المحافظة على موقفه الثابت في دعم الحقوق الفلسطينية. من الأهمية أن يحافظ الأردن على موقفه الذي طالما كان راسخًا في رفض التوطين. هذه القضية لا تقتصر فقط على قضية اللاجئين، بل تتعلق أيضًا بالهوية الوطنية الأردنية التي يمكن أن تتأثر بشكل كبير بزيادة عدد اللاجئين الفلسطينيين في البلاد. التعامل مع ضغوطات ترامب قد يتطلب دبلوماسية قاسية؛ بمعنى أن الأردن قد يلجأ إلى تحركات سياسية محورية لتوضيح أن توطين الفلسطينيين هو مسألة قد تؤدي إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في المملكة بشكل مقلق، مما قد يزعزع استقرارها الداخلي.
من المهم أن يُظهر الأردن موقفًا موحدًا على المستوى الشعبي والرسمي حول هذا الموضوع. الشعب الأردني، كما هو معروف، مرتبط بقوة بالقضية الفلسطينية، وأي مساس بحقوق الفلسطينيين أو محاولة لحشرهم في تسويات سياسية من جانب الدول الكبرى قد يثير ردود فعل قوية داخل البلاد. لذا، يمكن أن يكون التحرك الدبلوماسي المدروس جزءًا من الرد. أعتقد أن الأردن سيعمل أيضًا على التنسيق مع الدول العربية، والضغط على المجتمع الدولي بشكل أكبر لتوضيح أنه لا يمكن تمرير حلول قصيرة المدى عبر ابتزاز سياسي أو اقتصادي. من خلال تحالفات استراتيجية مع القوى الإقليمية والدولية، يمكن للأردن أن يجد نفسه في موقع قوي في التفاوض حول هذه القضية. أعتقد أن الأردن ينبغي أن يظل متمسكًا بحل القضية الفلسطينية ضمن سياق سياسي دولي عادل، يُفضي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة. فكرة توطين الفلسطينيين في أماكن أخرى لا يجب أن تكون بأي حال من الأحوال جزءًا من الحل، لأن ذلك سيؤدي إلى مزيد من الانقسام في المنطقة وسيغلق الباب أمام حل عادل وشامل. من الحكمة أن يتمسك الأردن بخطوطه الحمراء في هذا الشأن، وأن يستخدم أدواته السياسية والدبلوماسية بحكمة لمواجهة أي ضغوطات قد يتعرض لها.
وفي المقابل، الأردن قد يكون بحاجة إلى تكثيف تواصله مع القوى الدولية، مثل الاتحاد الأوروبي، والدول العربية، لضمان أن لا يتم فرض حلول غير متفق عليها. إذا تمكن من تعزيز موقفه الدولي، سيصبح قادرًا على التعامل مع أي محاولات ضغط قد تهدد استقراره السياسي والاجتماعي. إذن، الموقف الأردني يتطلب قدرًا كبيرًا من الحذر والتوازن بين الدبلوماسية والسياسة الداخلية.
الأردن في وضع دقيق للغاية فيما يتعلق بمسألة توطين الغزيين أو تهجيرهم إلى أراضيه. من زاوية شخصية، أرى أن الأردن لا يمكنه أن يتحمل مزيدًا من الأعباء الديموغرافية على مستوى السكان، خصوصًا أن البلاد تمر بتحديات اقتصادية واجتماعية هائلة. المعادلة هنا ليست سهلة، فالأردن يشعر بمسؤولية تاريخية تجاه الفلسطينيين، ويكاد يكون صوتًا عربيًا وحيدًا ومهمًا في الدفاع عن قضيتهم. لكن في ذات الوقت، يجب أن يكون لدى الأردن حدود واضحة لما يمكنه تحمله.
لكن أيضًا، من الواجب أن نفكر في الحلول البديلة. لا يمكن أن يكون الرد الأردني مجرد رفض مطلق بلا أي نقاش جاد حول كيفية التخفيف من الأعباء الإنسانية والاقتصادية التي قد تنشأ عن هذه الضغوط. إعادة تأهيل المخيمات الفلسطينية، دعمهم في مناطقهم الحالية، تقديم مساعدات على المستوى الإقليمي، كلها خيارات قد تساعد على التخفيف من الضغوط دون الحاجة إلى تغيير ديموغرافي جذري داخل الأردن. هنا يأتي دور التعاون الإقليمي مع الدول العربية، حيث يمكن للأردن أن يسعى لتنسيق حلول جماعية مع البلدان الأخرى في المنطقة.
لن يكون هناك حل سحري أو سهل. بل سيكون على الأردن أن يوازن بين الحفاظ على مصالحه الداخلية، ودعمه الثابت للقضية الفلسطينية. في رأيي، الحل الأمثل هو التمسك بمواقف دبلوماسية ترفض التوطين كحل نهائي، وفي الوقت نفسه، يتعين على الأردن العمل على تأمين الدعم الدولي، سواء كان اقتصاديًا أو سياسيًا، لتخفيف عبء الاستضافة والتعامل مع تداعيات الأزمة الفلسطينية بشكل أكبر من خلال مشروعات تنموية إقليمية، بحيث لا يُترك الأردن وحده في مواجهة تلك التحديات. في الختام، الأردن في موقف لا يُحسد عليه، لكن الحل يكمن في الموازنة بين الحماية المستمرة للحقوق الفلسطينية، وعدم السماح بتغيير ديموغرافي قد يهدد استقرار البلاد. في الوقت ذاته، يجب أن يتم تعزيز دور الأردن على الساحة الدولية لتمثيل صوت الحق الفلسطيني بما يتناسب مع مصالحه وأمنه القومي.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/05 الساعة 09:06