في أسبوع الوئام بين الأديان....الأردن إنموذج للتسامح والمحبة والعيش المشترك
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/04 الساعة 21:57
مدار الساعة - رانا النمرات- تتماهى مختلف مكونات المجتمع الأردني من شتى المنابت والأصول بصورة تامة مع حالة من الوئام المميزة، والتي جعلت الأردن إنموذجا فريدا في الانسجام والتوافق وإرساء قيم التسامح والمحبة والسلام والعيش المشترك.
ولاقى اقتراح جلالة الملك عبد الله الثاني في الأمم المتحدة "أسبوع الوئام العالمي بين الأديان" لتعزيز السلام الثقافي ونبذ العنف، قبولا من الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي اعتمدته في قرارها رقم 65/5 في 20 تشرين الأول 2010، معلنة الأسبوع الأول من شهر شباط في كل عام أسبوعا عالميا للوئام بين الأديان.
يعلق أستاذ علم الآثار في الجامعة الهاشمية الدكتور محمد وهيب في حديث لوكالة الأنباء الأردنية (بترا) بقوله: إن رسالة عمان التي أطلقها جلالة الملك، أكدت أن الأردن تبنى نهجا يحرص على إبراز الصورة الحقيقية للإسلام، ووقف التجني عليه، ورد الهجمات عنه بحكم المسؤولية الدينية والتاريخية الموروثة التي تحملها القيادة الهاشمية بشرعية موصولة بالمصطفى -صلى الله عليه وسلم-.
ويضيف، جاءت رسالة عمان في وقت أحوج ما تكون الأمة الإسلامية إلى المكاشفة والمصارحة بحقيقة ما انطوت عليه عبر تاريخها من إنجازات، وما تحمله على عاتقها من رسالة في الدفاع عن قيم الدين الحنيف ومبادئه وأخلاق الأمة التي تدين بها، والعودة إلى مقاصد شريعتها التي انتدبت لها من بين الأمم.
ويتابع، أرادت "رسالة عمان" أن توحد رؤية العالم الإسلامي، وتجمعه على خطاب واضح المعالم محدد الأطر، لا يسمح بترك المفاهيم العامة تتحول إلى مساحات رمادية يلعب فيها ويعبث بها منتسبون ضعفاء العقل والضمير عابثون بمصير الأمة.
ويشير إلى ثاني تلك المبادرات "كلمة سواء" منطلقة من الآية الكريمة (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم)، والتي أطلقت مبادرة حوار بين المسلمين والمسيحيين صادق عليها علماء مسلمون بارزون، مبينا أن هذه المبادرة بدأت باعتبارها رسالة مفتوحة كتبها 38 من الدعاة الإسلاميين في 13 تشرين الأول 2006 إلى كبار رجال الدين المسيحي، فأسست مبادرة برعاية مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، تدعو للسلام والتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وإيجاد أرضية مشتركة قائمة على "حب الله وحب الجوار"، ووقع على هذه الوثيقة 138 شخصية دينية وسياسية.
ولفت إلى أن تلك المبادرة هدفت إلى تحديد أرضية مشتركة يبنى عليها الحوار والعلاقات وترسيخ قيم التفاهم والتسامح والاحترام المتبادل بين المسلمين والمسيحيين، بالإضافة إلى تحقيق السلام العالمي والتعايش بوئام بين سائر البشر والاحترام المتبادل.
وقال: إذا نظرنا إلى أصول الأردن نجد أن رسالة التسامح والحياة المشتركة متجذرة فيه، مدللا على ذلك بالتنقيبات الأثرية التي تؤكد أن الكنائس والمساجد كانت قائمة خلال الفترات الإسلامية في أجواء من المحبة المستدامة.
وأشار إلى أن من أبرز هذه الكنائس المكتشفة على أرض الأردن خلال العصور الإسلامية- كنيسة خلدا في عمان/ العصر الأموي التي بنيت عام 687 م، وكنيسة القديس لوط في غور الصافي/ العصر الأموي 691 م، وكنيسة القويسمة في عمان/ العصر الأموي 718 م، وكنيسة الاكربول في ماعين/ العصر الأموي 719 ، كنيسة اسطفان في ام الرصاص/ العصر العباسي 756م، بالإضافة إلى كنيسة عيون الكنيسة في جبل نبو/ العصر العباسي 762 م، وكنيسة العذراء/ العصر الأموي.
بدوره، قال الكاتب والناشط المجتمعي والثقافي القس الأب سامر ناصر عازر، إن الأردن بشعبه وقيادته الهاشمية المباركة يجسد لوحة فسيفسائية نادرة أصبح يشار إليها عالميا بالبنان، ومرجعا للتعلم منها حقيقة الوئام الديني والعيش المشترك الإسلامي-المسيحي في بوتقة المواطنة التي توحد القلوب معا في محبة أخوية صادقة عنوانها " الدين لله والوطن للجميع".
وأوضح أن الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس الشريف من أبرز الشواهد على هذا الوئام الديني والعيش المشترك، وهي مسؤولية تاريخية تعبر عن التزام القيادة الأردنية بالحفاظ على التراث الديني والإنساني في المنطقة.
وبين أن الرعاية والعناية الملكية لتطوير موقع عماد السيد المسيح "المغطس"، وتعيين مجلس أمناء برئاسة سمو الأمير غازي بن محمد، دليل على الاهتمام بأحد أهم المواقع المسيحية في العالم، ومؤشر على الاعتراف الملكي، واعتراف الدولة الأردنية بالمكون المسيحي العربي الأصيل لبلادنا المقدسة ومشرقنا العربي، والدور العربي المسيحي في بناء الحضارة العربية والإسلامية، وكذلك أهمية استمرارية بناء الفسيفساء الوطنية في الوطن الأردني الجميل في شتى الميادين.
وأوضح أن للوئام الديني دورا مهما في بناء المجتمع الأردني، إذ يرسخ الاستقرار الاجتماعي، كما يسهم في تقوية النسيج الاجتماعي والروابط بين الناس، ويعزز الشعور بالانتماء، بالإضافة إلى تحقيق التنمية المستدامة وبناء مجتمع متماسك دينيا قادر على توجيه طاقاته نحو البناء والتطوير، بدلا من الصراعات، وإثراء الثقافة الوطنية من خلال التنوع الديني الذي يضيف عمقا ثقافيا وحضاريا يعزز الهوية الوطنية الأردنية التي تحتضن الجميع في إطار المواطنة، وسيادة القانون والدستور الذي ينص في المادة 6-1 "الأردنيون أمام القانون سواء ? تمييز بينهم في الحقوق والواجبات وإن اختلفوا في العرق أو اللغة أو الدين".
وأشار إلى دور القوانين والتشريعات الأردنية الداعمة التي تسعى إلى حماية حرية الاعتقاد والممارسات الدينية لجميع المواطنين، والتعليم وإدراج قيم التسامح وقبول الآخر في المناهج الدراسية، ما يعزز من الوعي بأهمية الوئام الديني لدى الأجيال القادمة.
وقال: "بالرغم من النجاح الكبير الذي حققه الأردن في هذا المجال، إلا أن هناك تحديات خارجية وداخلية، لكن قوة الإرادة السياسية والمجتمعية الأصيلة في الأردن كفيلة بمواجهة هذه التحديات وضمان استدامة الوئام الديني".
وشدد على أن الوئام الديني ليس مجرد مفهوم نظري، بل هو ممارسة يومية تظهر مدى تقدم المجتمع الأردني وانفتاحه وقدرته على مواجهة التحديات، مبينا أن التمسك بحالة الوئام الديني يعزز من مكانة الأردن كنموذج عالمي والعيش المشترك وبناء مجتمع مستقر ومزدهر.
وأضاف أن الوئام الديني ليس نهاية بحد ذاته، وإنما وسيلة للتعارف والتقارب، وبناء جسور المحبة والسلام والأخوة والصداقة، والاستقرار وقوة النسيج المجتمعي لبنيان المجتمع ونهضته ومنعته ضد قوى التطرف والتعصب والإرهاب وللمساهمة في بناء عالم أفضل تسوده القيم الروحية والإنسانية.
من جانبه، قال أستاذ الانثروبولوجيا التاريخية في جامعة آل البيت الدكتور عبد العزيز هويدي إن جذور الوئام الحضاري والديني والاجتماعي والثقافي في الأردن يعود إلى بدايات نشأة الدولة الأردنية في مطلع القرن العشرين، ومنها انطلقت رسالة الهاشميين الأطهار التي تدعو إلى إشاعة قيم العدالة الإنسانية والسلام بين الشعوب.
وأضاف إن هذه الرسالة تستند إلى المكانة التاريخية والحضارية للأرض الأردنية كونها مهد الحضارات ومنطلق الديانات والرسالات السماوية، كما إن المرجعية التاريخية والمكانة الحضارية عززت من دور الأردن وأهله في إطلاق اسبوع الوئام العالمي في مطلع شهر شباط من كل عام، والذي اقترحه جلالة الملك عبدالله الثاني، وتبنته الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة في عام 2010، ما عزز مكانة الأردن ومجتمعه المتجانس.
وأكد أن تحقيق قيم الوئام الديني برعاية الدولة الأردنية الحاضنة للمجتمع وأركانه الدينية والثقافية، والتي ضمنت تحقيق مظاهر الاحترام والتفاهم ببن مكونات المجتمع على تنوع أطيافه الدينية والثقافية والعرقية في مجتمع يسوده العيش المشترك تحت سيادة القانون والنظام والوحدة الوطنية وإعلاء شأن الهوية الوطنية الجامعة.
وبين أن دور الدولة والنظام الضامن لحقوق الإنسان والديموقراطية، يبرز في تلبية الحاجات الأساسية للمواطنين وتحقيق العدالة الاجتماعية والعيش المشترك، وبذلك أصبحت حالة الوئام الديني والمجتمعي من سمات المجتمع الأردني الذي يعيش حالة الأمان والسلم المجتمعي.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/02/04 الساعة 21:57