الحكومة وبناء منظومة اعلامية لافشال الاشاعات
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/30 الساعة 16:01
بقلم :الدكتور مأمون نور الدين
عندما نكتب نكتب حباً بالوطن لا طمعاً، فإن المناصب تظل لنا تكليفاً وشرفاً وليس استعراضاً وترفاً.
تحدثنا سابقاً محذرين من ظواهر وشؤون وجب على الدولة الانتباه لها في مرحلة الوقاية قبل تفاقمها وحاجتها للعلاج، فنجاح الحكومة أياً كان رئيسها وأعضاؤها مبتغانا كما هو مبتغى أي مواطن صالح عينه على وطن كبير مزدهر للجميع وليس وطناً للمسؤولين و“الواصلين”.
نحن أبناء دولة ناصحون ولسنا منظّرين مغرضين.
تجول اليوم في أروقة الوطن الرسمية والخاصة أحاديث كثيرة حول موضوعيّ الإشاعات وإعلام الدولة الرسمي وإثناهما على علاقة قوية بينهما، فثانيهما ببساطة هو حدّ الأول وهو ما نريد ونطمح أن نرى بالقريب العاجل.
أستذكرت مقالين نشرتهما في صحيفة الرأي بعنوانين “الإشاعات والمسّ بمصلحة الوطن وإنجازاته” نشرا بتاريخ ٢٠١٨/٧/٢٩، و“التأثير على العقول والنفوس ودور الإعلام” بتاريخ ٢٠١٨/١/٦.
وفي مضمون المقالين تحدّثت عمّا نعيش اليوم من حالة لا تخلو من الإرباك وخاصّة في كلّ مرة تبرز فيها قضية تشغل الرأي العام.
غياب إعلام رسمي قوي ومصادر تخاطب الرأي العام مباشرة وبوضوح هو الملام الرئيسي لحالات الإرباك وانتشار الشائعات التي نعاني منها وبوتيرة مرتفعة قد تصل إلى شكل شبه يومي.
المواطن عطش جداً لأن يجد مصدراً يوفّر له المعلومة بوضوح وشفافية وصدق وبالوقت المناسب، بدلاً من البحث عن المعلومة من مصادر ليست رسمية أو تصريحات تنشر في الفضاء الإلكتروني وعلى صفحات غير رسمية وتُنسب لـ”مصدر” لا يُعرف عنه، لا إسم ولا وظيفة، وكم من المرات سرت إشاعات صُدّرت بإستخدام تكنيك “صرح مصدر” أو “عُلم من مصدر” إمّا لغاية جمع “اللايكات” و”الشير” أو لأهداف محددة مسبقاً من مغرضين.
مرّت سنوات منذ إطلاق المواطنين أسماء ساخرة على التلفزيون الحكومي الرسمي الذي حيّرهم غيابه عن أغلب الأحداث وما عاد يشفي غليلهم عندما يكونوا بأمسّ الحاجة إلى معلومة تخص حدثاً أو موضوعاً ما، ومع ذلك فإنه لا زال المحطة الأولى التي يلجأ لها الكثير عند أي حدث علّ وعسى أن يجدوا شيئاً قبل أن يستسلموا بسرعة ويبحثوا عن البديل من الإعلام غير الرسمي.
الإرتباك والتأخر وتضارب التصريحات دوماً يضع الحكومة في موقف الضعف ليس فقط على المستوى الداخلي، بل أيضاً على المستوى الخارجي فنحن دولة فاعلة في المنطقة وجميع العالم ينظر نحونا.
اليوم وقبل الغد يجب أن نصلح إعلامنا الرسمي لنصلح الثقة بين المواطن والحكومة، وهكذا سوف نتمكن من السيطرة على الإشاعة.
لقد تطوّر الزمان وبالرغم من أهمية التلفزيون الرسمي للدولة وحاجتنا لتفعيل دوره، إلّا أن حزمة إعلام الدولة الرسمي الأساسية أصبحت تحتاج إلى أدوات أخرى إلى جانب الإذاعة والتلفزيون تستخدم حصراً لنقل المعلومة بشكل رسمي وسريع من المصدر إلى الرأي العام، وأهم هذه الأدوات هي موقع “تويتر” وموقع “فيسبوك” لما يمثلانه من حيوية وسهولة في الوصول من أي مكان.
قد يقول لي أحدهم هنالك بالفعل حسابات موّثقة لرئاسة الوزراء وبعض المؤسسات والمسؤولين على هذه المواقع، وأنا بدوري أقول لكم أن أغلب هذه الحسابات وأهمها لم تنضج بعد لتصبح مصدراً للمعلومة، فأغلب عملها هو نشر أخبار تخصّ نشاطات المسؤولين لا غير في وقت تتجه فيه جميع دول العالم المتقدّم إلى توظيف مختصين محترفين في مجالي الإعلام والعلاقات العامة كناطقين إعلاميين ومسؤولين عن إدارة صفحات موّثقة للتحدّث بإسم مؤسسات الدولة على مواقع التواصل الإجتماعي، بحيث تكون مسؤوليتهم إيصال المعلومة في الزمن الصحيح والتسلسل الصحيح وضمن إجراء محدد مسبقاً على مستوى الدولة للسيطرة على نار الإشاعات وحصر مصادر المعلومة بالنسبة للرأي العام، فحتى الإعلام غير الرسمي في هذه الحالة ينقل الحقائق عن هذه المصادر الموثوقة والموّثقة رسمياً.
التصريح السريع والمدروس عن طريق صفحات موّثقة وتحت أسماء موظفين رسميين له كل الأثر في بناء الثقة والتقريب بين الرأي العام والحكومة، فهو يغلق الثغرات التي قد تمر منها المعلومات المغلوطة والإشاعة وبالتأكيد ينعكس إيجاباً على مصالح الدولة وأمنها وإستقرارها السياسي والإقتصادي، بدلاً من إضاعة الوقت في توجيه أصابع الإتهام لمصادر الإشاعات، لنحصّن جبهتنا ونبني سدّنا المنيع ما دام بإمكاننا ذلك، لنبتعد عن عشوائية الإجراء الإعلامي الرسمي ونبني منظومة إعلامية فاعلة وممنهجة وستسقط الإشاعات وحدها وتفشل مخططات مصدّريها أيّاً كانوا.
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/30 الساعة 16:01