المكاشفة في قضايا الفساد الغذائي

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/21 الساعة 03:08

أعلنت المؤسسة العامة للغذاء والدواء قبل أيام عن قيامها بضبط كميات كبيرة من اللحوم منتهية الصلاحية، حيث قامت الفرق المعنية لديها وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية المختصة بمداهمة عدد من المواقع والتحفظ على لحوم فاسدة تم تغيير تاريخ انتاجها، وذلك تمهيدا لإتلافها حسب الأصول واتخاذ الإجراءات القانونية بحق الأشخاص والشركات المتورطة بهذا الجرم.

إن ما قامت به مؤسسة الغذاء والدواء يعد تطبيقا حيا للمهام المناطة بها، فهي قد أنشئت بموجب قانون خاص حدد الأهداف التي تسعى المؤسسة إلى تحقيقها. فالمادة (4) من قانون المؤسسة العامة الغذاء والدواء رقم (41) لسنة 2008 تنص صراحة على أن أهداف المؤسسة تشمل ضمان سلامة الغذاء وجودته وصلاحيته للاستهلاك البشري في جميع مراحل تداوله، بالإضافة إلى ضمان سلامة الدواء وفعاليته وجودته. كما تقوم المؤسسة أيضا بممارسة أي رقابة تتعلق بالغذاء والدواء أو أية مواد أخرى ورد النص عليها في كل من قانون الرقابة على الغذاء وقانون الدواء والصيدلة المعمول بهما، وذلك عملا بأحكام المادة (5) من قانونها الخاص بها.
إن هذه التكاملية التشريعية في المهام المسندة إلى المؤسسة العامة الغذاء والدواء يعزز من دورها الرقابي ليشمل إلى جانب القانون الخاص بإنشائها تشريعات وطنية أخرى تسعى إلى الحفاظ على سلامة الغذاء والدواء وضمان جودتهما. فقانون الرقابة على الغذاء المشار إليه في المادة (5) من قانون مؤسسة الغذاء والدواء هو قانون مؤقت صدر في عام 2001، إلا أنه قد جرى إلغاؤه بعد صدور قانون الغذاء رقم (30) لسنة 2015.
وباستعراض نصوص قانون الغذاء الأردني نجد بأنه قد أكد على الولاية العامة للمؤسسة العامة للغذاء والدواء في ضمان سلامة الغذاء وجودته، حيث ينص في المادة (3) منه على: تعتبر هذه المؤسسة هي الجهة الوحيدة المختصة بالرقابة على الغذاء المحلي والمستورد في جميع مراحل تداوله للتأكد من استيفائه لمتطلبات جودة وسلامة الغذاء. كما تحظر المادة (14) من قانون الغذاء إدخال أي مادة غذائية للاستعمالات الخاصة أو أي مضاف أو مُكّمل غذائي للمملكة أو تداوله فيها قبل الموافقة عليه من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء.
ولغايات التسهيل على المؤسسة العامة للغذاء والدواء في ممارستها لاختصاصتها الرقابية، أورد قانون الغذاء الأردني تعريفا شاملا وواسعا «للغذاء» يشمل «المواد أو المنتجات سواء كانت مصنعة أو شبه مصنعة أو غير مصنعة أو مواد أولية الغاية منها أو يتوقع أن تكون الغاية منها الاستهلاك البشري عن طريق الفم بما فيها المشروبات والعلكة وأي مادة تستخدم في تصنيع الغذاء أو تجهيزه أو معالجته».
وبالعودة إلى واقعة اللحوم الفاسدة التي تم ضبطها من قبل المؤسسة العامة للغذاء والدواء والذي ورد في الإعلان الرسمي الصادر عنها بأنه قد جرى تغيير تاريخ انتاجها، نجد بأن هذا الفعل يشكل جرما جزائيا نصت عليه المادة (18/ب) من قانون الغذاء بالقول «يعتبر الغذاء مغشوشا إذا تم ادخال أي تغيير على مدة الصلاحية خلافا لما ورد في بطاقة البيان الأصلية لذلك الغذاء وبدون الحصول على الموافقة الرسمية لذلك التغيير».
أما الإجراءات التنفيذية التي أقرها قانون الغذاء للمدير العام للمؤسسة العامة للغذاء والدواء فتشمل حجز الغذاء المغشوش تمهيدا لسحبه ومنع تداوله والتصرف به عملا بأحكام المادة (21) من القانون. كما يحق للمدير العام أن يصدر قراره بإتلاف اللحوم ومنتجاتها والألبان ومنتجاتها المتداولة محليا أو أي غذاء آخر سريع التلف على نفقة المالك أو الحائز إذا ثبت بالفحص الحسي عدم صلاحيته، بالإضافة إلى حقه في الأمر بإتلاف أي مادة غذائية أخرى إذا ثبت بتقرير مخبري صادر عن مختبرات المؤسسة أنها غير صالحة للاستهلاك البشري.
وقد أحسن قانون الغذاء الأردني عندما أقر بمبدأ العلانية والمكاشفة في القضايا التي تمس سلامة الغذاء، حيث ألزمت المادة (22/د) من قانون الغذاء المدير العام للمؤسسة العام للغذاء والدواء بأن «يُعلِن على نفقة المخالف في الصحف اليومية ووسائل الإعلام الرسمية أسماء وعناوين المنشآت الغذائية المخالفة عند ضبطها والإجراءات المتخذة بحقها بعد صدور قراره بشأنها»، كما يفرض القانون على المؤسسة العامة للغذاء والدواء أن تقوم بوضع ملصق على المنشأة المخالفة والمتخذ قرار باغلاقها في مكان بارز يبين سبب الإغلاق ومدته.
إن أهمية الغذاء وسلامته قد اعتبره المشرع الأردني أولى بالرعاية والاهتمام من الحفاظ على سرية إجراءات التحقيق وعدم الكشف عن هوية المتورطين في جرائم الفساد الغذائي. فالمصلحة العليا في الإفصاح عن أسماء من يتاجرون بقوت المواطن يستند إلى التزام دستوري على الدولة بالحفاظ على الأمن والسلم الاجتماعي، وأن هذا الإجراء لا يتعارض مع قرينة البراءة كونه قد ورد النص عليه صراحة في قانون خاص صادر عن السلطة التشريعية.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com

مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/21 الساعة 03:08