المشاقبة يكتب: النقل العام من قلب رؤية الأردن للتحديث الاقتصادي

د. واصل المشاقبة
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/19 الساعة 16:12

يشكل النقل العام العمود الفقري للتنمية الحضرية المستدامة، حيث يوفر حلولاً واضحة وفعالة للتنقل الجماعي ضرورية للنمو الاقتصادي وتحسين نوعية الحياة والحفاظ على البيئة. يتميز الطلب على النقل في الأردن بالنمو السريع والدور المركزي كمركز إقليمي للنقل. وفي هذا الصدد، شهد قطاع النقل العام في الأردن تقدماً ملحوظاً من خلال تبني أنظمة أكثر استدامة اقتصاديًا واجتماعيًا وبيئيًا مثل شبكة حافلات عمان، وشبكة نقل باص عمان السريع، وشبكة باص عمان-الزرقاء السريع التي تم تقديمها حديثًا. تمثل هذه الأنظمة جنبًا إلى جنب مع شبكة النقل العام الوطنية بشكل جماعي نهجًا تحويليًا للنقل العام، بما يتماشى مع رؤية المملكة للتحديث الاقتصادي لإنشاء مجتمع أكثر اتصالاً وسهولة في الوصول إليه واستدامة بيئيًا.

يستكشف هذا المقال أداء أنظمة النقل العام في الأردن خلال عامي 2023 و2024، مع تسليط الضوء على الإنجازات والتحديات والتدخلات السياسية المطلوبة لدعم النمو والتنمية المستدامة.
نظرة عامة على أنظمة النقل العام
في عمّان وخارجها (المرحلة الأولى) :
أصبحت المرحلة الأولى من نظام باص عمّان، التي تم إطلاقها في حزيران 2019، حجر الزاوية في شبكة النقل العام في المدينة، حيث تعالج تحديات التنقل الحضري الملحة. وقد قدمت هذه المرحلة 135 حافلة تعمل عبر 18 مسارًا، تغطي 410 كيلومترات. وبحلول نهاية عام 2022، خدم النظام أكثر من 18.45 مليون راكب، مما يؤكد دوره المحوري في مشهد النقل في عمّان. تم تجهيز الحافلات بميزات حديثة مثل تكييف الهواء والإنترنت المجاني وكاميرات المراقبة وتتبع نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) ونظام تحصيل الأجرة الآلي، مع إعطاء الأولوية للقدرة على تحمل التكاليف وراحة الركاب والوصول دون تأخير.
كان إطلاق المرحلة الثانية من باص عمّان في شهر أذار 2023 بمثابة توسع كبير. أضافت هذه المرحلة 18 مسارًا ووسعت تغطية الشبكة بمقدار 350 كيلومترًا، ليصبح المجموع 760 كيلومترًا. وزاد الأسطول التشغيلي بمقدار 136 حافلة، ليرتفع الإجمالي إلى 271 مركبة، منها 110 مخصصة لخدمات النقل للباص السريع. وكان من المتوقع أن يؤدي هذا التوسع إلى زيادة عدد الركاب السنوي من 7 ملايين إلى 11.3 مليون بحلول عام 2024، مما يوضح تأثيره التحويلي على النقل الحضري.
يمثل نظام باص عمان السريع، الذي بدأ عملياته التجريبية في شهر تموز 2021، علامة فارقة في تطوير النقل العام في المدينة. تمتد مساراته الثلاثة الأساسية على مسافة 25 كيلومترًا، وتوفر خدمة عالية التردد مع وصول الحافلات كل 2-3 دقائق. يستوعب النظام 70 ألف راكب يوميًا، ويخدم ما يقرب من 11 مليون راكب سنويًا. في أيار 2024، عزز طريق الباص السريع بين عمان والزرقاء الربط بين المحافظات بخطين و48 حافلة تعمل على طول مسار يبلغ طوله 24 كيلومترًا، وتخدم ما يقرب من 3.76 مليون راكب حتى الآن. بالإضافة إلى ذلك، في شهر كانون الأول 2024، بدأ خط الباص السريع الثالث الذي يربط بين عمان وصويلح والزرقاء عملياته، مما أدى إلى توسيع الشبكة بمقدار 32 كيلومترًا مع 16 حافلة إضافية. عزز هذا التوسع النقل بين المدن، مما أفاد بشكل مباشر مجتمعات مثل الطلاب في الجامعة الأردنية. بشكل جماعي، تخدم جميع مسارات الباص السريع ما يصل إلى 100 ألف راكب يوميًا.
في عام 2024، نقلت أنظمة الباص السريع وباص عمان المشتركة أكثر من 29 مليون راكب، مما يُظهر أهميتها المتزايدة في تلبية احتياجات النقل في عمان. ومن بين التحسينات الملحوظة التي أجرتها أمانة عمان الكبرى إدخال 15 حافلة كهربائية إلى أسطول الباص السريع، ومن المقرر نشرها في الربع الثاني من عام 2025. وعلاوة على ذلك، تم إحراز تقدم كبير في تصميم توسعات مستقبلية للباص السريع. تم الانتهاء من مرحلة التصميم الأولي لحوالي 43 كيلومترًا من طرق جديدة للباص السريع، مما يشير إلى خطوة حاسمة نحو المرحلة الثانية من النظام. تعكس هذه التطورات التزام عمان بتحديث البنية التحتية للنقل العام، وتخفيف الازدحام، وتعزيز النمو الاقتصادي من خلال تحسين إمكانية الوصول دون تأخير وتحسين تجربة الركاب.
الإنجازات والنمو في النقل العام في الأردن
لقد قطع الأردن خطوات كبيرة في تعزيز البنية التحتية للنقل العام على مدى السنوات القليلة الماضية. منذ إنشاء نظام باص عمّان في عام 2019، ونظام باص عمان السريع في عام 2021، ونظام الباص السريع بين عمّان والزرقاء في منتصف عام 2024، سجلت الأنظمة الثلاثة مجتمعة 72.9 مليون مستخدم تراكمي بحلول منتصف كانون الأول 2024. ويؤكد هذا الرقم المثير للإعجاب على القبول العام المتزايد والاعتماد على هذه الأنظمة كوسائل نقل فعالة وميسورة التكلفة.
تزايد عدد الركاب عبر الأنظمة
باص عمّان: شبكة أساسية
لقد لعبت شبكة باص عمّان، بشبكة مساراتها الواسعة التي تغطي مناطق رئيسية من المدينة، دورًا محوريًا في تلبية احتياجات التنقل لسكان عمّان. ومنذ إنشائها في عام 2019، سجلت الشبكة 38.2 مليون مستخدم تراكمي، مما يجعلها الأكثر استخدامًا من بين أنظمة النقل العام الثلاثة. وقد ساهمت قدرتها على تحمل التكاليف وجداولها الزمنية الموثوقة وإمكانية الوصول إليها على نطاق واسع في نموها المطرد ودورها كحجر أساس لشبكة النقل العام في الأردن.
باص عمان السريع: تحويل النقل الحضري
كان إدخال باص عمان السريع في عام 2021 بمثابة تحول كبير نحو حلول النقل العام الحديثة عالية القدرة. وبحلول نهاية عام 2024، خدم النظام 31.2 مليون مستخدم، مما يعكس شعبيته المتزايدة كبديل أسرع وأكثر كفاءة لخيارات النقل التقليدية. وشهد عام 2024 وحده 14.2 مليون راكب، ارتفاعًا من 10.9 مليون في عام 2023، وهو ما يمثل نموًا قويًا بنسبة 30? على أساس سنوي. ويسلط هذا الارتفاع الضوء على نجاح الاستثمارات الاستراتيجية للحكومة في الطرق الحضرية عالية الطلب، والتي حسنت الاتصال وقللت من أوقات السفر للركاب.
الباص السريع بين عمان والزرقاء: جديد واعد
لقد أظهر الباص السريع بين عمان والزرقاء، التي تم إطلاقه في منتصف عام 2024، نتائج واعدة بالفعل في عامه الافتتاحي، حيث يخدم 3.5 مليون راكب بحلول كانون الأول 2024. ويعالج هذا النظام الحاجة الملحة إلى النقل الفعال بين عمان والزرقاء، وهما مدينتان من أكثر مدن الأردن كثافة سكانية. ويشير نجاحه المبكر إلى وجود طلب كامن قوي على خيارات النقل عالية الجودة على طول هذا الطريق ويؤكد على إمكانية النمو المستمر مع تحسن الوعي وإمكانية الوصول.
الاتجاهات التراكمية لعدد الركاب: انعكاس للثقة العامة والحاجة
من عام 2019 إلى كانون الأول 2024، نما عدد الركاب التراكمي عبر الأنظمة الثلاثة بوتيرة مثيرة للإعجاب، عاكساً زيادة ثقة الجمهور واعتماده على البنية التحتية للنقل العام في الأردن. والجدير بالذكر أن عدد الركاب السنوي للنظامين القائمين (باص عمان وباص عمان السريع) ارتفع بنسبة 47? من 19.5 مليون مستخدم في عام 2023 إلى 28.6 مليون مستخدم في عام 2024، بما في ذلك إضافة الباص السريع بين عمان والزرقاء. يشير هذا النمو السريع إلى نجاح استثمارات البنية التحتية المستهدفة، وخاصة في المناطق ذات الكثافة السكانية العالية والطلب غير الملبى على حلول النقل الفعّالة.
العوامل الرئيسية لزيادة عدد الركاب
يُعزى سبب زيادة عدد ركاب وسائل النقل العام في عمان إلى عدة عوامل مترابطة. أدى تقديم خدمات جديدة، ولا سيما نظام باص عمان في عام 2019، وباص عمان السريع في عام 2022، والباص السريع عمان-الزرقاء في عام 2024، إلى توسيع خيارات النقل العام، وتعزيز الاتصال، ومعالجة الفجوات الخطيرة في شبكة النقل. وساهمت العوامل التالية في التوسع في استخدام وسائل النقل العام:
1. استثمارات البنية التحتية: أدى توسيع شبكات الطرق وتحسين جودة الخدمة وإدخال الحافلات الحديثة إلى جعل وسائل النقل العام أكثر سهولة وجاذبية للركاب.
2. كان توسيع البنية التحتية علامة مميزة أخرى للتقدم. بحلول نهاية عام 2024، بلغ إجمالي حجم الأسطول 278 حافلة، مع تشغيل 42 مسارًا الآن عبر أنظمة النقل العام. يعمل باص عمان وحده على تشغيل 37 مسارًا، مما يوفر تغطية شاملة داخل العاصمة. لا تعمل هذه التوسعات على تخفيف الازدحام فحسب، بل تعمل أيضًا على تحسين الوصول للسكان المحرومين من خدمات النقل.
3. القدرة على تحمل التكاليف: لقد أدت الأسعار المدعومة والأسعار التنافسية إلى وضع وسائل النقل العام كبديل فعال من حيث التكلفة للمركبات الخاصة وسيارات الأجرة.
4. الازدحام المروري: شجع الازدحام المتزايد على الطرق الحضرية السكان على التحول إلى خيارات النقل العام الأسرع والأكثر موثوقية مثل أنظمة الباص السريع.
5. قيود وقوانين على مواقف السيارات وإنفاذها.
6. الوعي البيئي: أدى الوعي المتزايد بالفوائد البيئية المترتبة على تقليل استخدام المركبات الخاصة إلى تعزيز تبني وسائل النقل العام.
وتعزز هذه البيانات التبني السريع لنظام باص عمان السريع باعتباره أسرع نظام نمو في البنية التحتية للنقل العام في الأردن. وفي حين يظل باص عمان هو الأكثر استخدامًا على نطاق واسع، فقد بدأ نظام الباص السريع الجديد بين عمان والزرقاء في ترسيخ مكانته، حيث ساهم بشكل ملموس في زيادة عدد الركاب بشكل عام في غضون ثمانية أشهر فقط من التشغيل.
تستعد أمانة عمان الكبرى، بدعم من البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، لدمج الحافلات الكهربائية في نظام النقل العام الخاص بها. وقد تم شراء خمسة عشر حافلة كهربائية ومن المقرر أن تبدأ عملياتها بحلول الأول من أيار 2025. وستعمل هذه الحافلات على تعزيز نظام باص عمان السريع، الذي يخدم الطريق بين وسط عمان (رغدان) وصويلح. وسيصاحب نشر الحافلات إنشاء البنية التحتية المطلوبة للشحن لضمان التشغيل السلس. بالإضافة إلى نظام الباص السريع، يهدف مشروع الحافلات الكهربائية في عمان إلى تحسين النقل العام في مدينة عمان، مع العمل كخطوة أولى حاسمة نحو التحول إلى حلول النقل منخفضة الكربون.
التحديات والفرص
على الرغم من هذه النجاحات، لا تزال التحديات قائمة. إن الازدحام على الطرق الشعبية، والقدرة المحدودة للأسطول، والفجوات في الاتصال بين المدن تسلط الضوء على الحاجة إلى المزيد من الاستثمار. لقد تجاوز النمو السريع في الطلب العرض، مما أدى إلى إجهاد الموارد الحالية وتقليل كفاءة الخدمة في المناطق ذات الذروة. إن قيود التمويل، والفجوات في البنية التحتية بين المناطق الحضرية والريفية، والتصورات العامة التي تفضل المركبات الخاصة بسبب عدم توافق تقديم الخدمة والجودة، تزيد من تفاقم هذه القضايا. بالإضافة إلى ذلك، فإن دمج أنظمة النقل العام مع أطر التخطيط الحضري (وخاصة ممارسات تقسيم المناطق) والانتقال إلى عمليات مستدامة بيئيًا هي قضايا ملحة تتطلب اهتمامًا فوريًا.
تقدم رؤية الأردن للتحديث الاقتصادي خارطة طريق لمعالجة هذه التحديات من خلال إعطاء الأولوية لتطوير البنية التحتية المستدامة. تؤكد الرؤية على إيجاد بيئة حضرية متوازنة حيث توفر النقل خدمات يمكن الوصول إليها وبأسعار معقولة وآمنة وموثوقة وصديقة للبيئة.
تمثل أنظمة الباص السريع، التي تمتد عبر ثلاث شبكات مترابطة، خطوة مهمة إلى الأمام في البنية التحتية للنقل العام. ومع ذلك، فإن نجاحها يعوقه التحديات النظامية في شبكة النقل العام الأوسع، والتي تحد من القدرة على التنقل وإمكانية الوصول. إن معالجة هذه القضايا ضرورية لتعظيم إمكانات نظام الباص السريع وإنشاء نظام نقل أكثر شمولاً. تعاني وسائل النقل العام غير المرتبطة بنظام الباص السريع، والتي لا تزال تمثل الغالبية العظمى من إمدادات النقل العام، من التغطية غير الكافية، وخاصة في الضواحي والمناطق الريفية، مما يفرض الاعتماد على وسائل النقل غير الرسمية أو المركبات الخاصة وتفاقم الازدحام الحضري. في المدن الرئيسية، يؤدي انخفاض وتيرة الخدمة إلى أوقات انتظار طويلة، حيث أفاد 35% فقط من سكان المناطق الحضرية في عام 2023 بإمكانية الوصول إلى وسائل النقل العام على مسافة مشي قريبة (أي معيار عالمي يتراوح بين 300 و400 متر). إن التكامل المجزأ للخدمات، بما في ذلك أنظمة الأجرة والجداول الزمنية غير المترابطة، يؤدي إلى تجاوز متوسط التنقل 90 دقيقة، وهو ما يؤثر بشكل غيرمتناسب على الأسر ذات الدخل المنخفض،حيث يمكن أن تستهلك تكاليف النقل ما يصل إلى 20% من دخل الأسرة. وتقوض جودة الخدمة المركبات القديمة، والأعطال المتكررة، والمخاوف المتعلقة بالسلامة (خاصة بين النساء وغيرهن من الركاب المعرضين للخطر). وتشكل إمكانية الوصول قضية ملحة أخرى، حيث أن أقل من 15% من الحافلات تلبي المعايير الدولية، وبالتالي تستبعد الفئات المهمشة. إن توسيع التغطية، ودمج الخدمات، وتحديث الأساطيل، وضمان إمكانية الوصول الشامل أمر حيوي لبناء نظام نقل فعال وعادل يعزز النمو الاقتصادي والتضمين الاجتماعي.
إن مشكلة «الميل الأول والأخير» تعيق بشكل كبير تبني وسائل النقل العام في الأردن، حيث لا يتمتع سوى 35% من سكان المناطق الحضرية بإمكانية الوصول المعقول إلى الخدمات. ويتطلب معالجة هذا التحدي أنظمة تغذية موثوقة تربط المناطق الطرفية بخطوط النقل الرئيسية والحلول المبتكرة، مثل الحافلات المكوكية حسب الطلب ووسائل النقل الصغيرة، لتوسيع التغطية. وبدون مثل هذه التحسينات، فإن وسائل النقل العام تخاطر بخدمة المستخدمين المجبرين على استخدامه فقط بدلاً من جذب أصحاب المركبات الخاصة.
إن ضمان الاستدامة المالية لأنظمة النقل العام في الأردن يتطلب تحقيق التوازن بين الإعانات وتكاليف التشغيل مع توليد الإيرادات الفعّالة من خلال نماذج التمويل المبتكرة مثل الشراكات بين القطاعين العام والخاص والتنمية الموجهة نحو النقل العام. بالإضافة إلى ذلك، فإن التكامل السلس عبر أنظمة باص عمان، وباص عمان السريع والباص السريع بين عمان والزرقاء أمر حيوي لتعزيز الكفاءة وراحة المستخدم. إن تنفيذ أنظمة التذاكر الموحدة، والجداول المتزامنة، والتخطيط المنسق للبنية التحتية من شأنه أن يحسن بشكل كبير من تجربة المستخدم الإجمالية. يوفر النقل العام فرصًا كبيرة لتحفيز النمو الاقتصادي، وتخفيف الازدحام، وتعزيز الاستدامة البيئية. يمكن للاستثمارات الاستراتيجية في البنية التحتية للنقل المستدام أن تخلق فرص العمل، وتعزز السياحة، وتقلل من انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري العالمي. يعمل التكامل التكنولوجي، بما في ذلك التتبع في الوقت الفعلي وأنظمة الدفع الرقمية، على تحسين الكفاءة التشغيلية وراحة المستخدم. وعلاوة على ذلك، يعزز النقل العام المحدث المساواة الاجتماعية من خلال توفير التنقل بأسعار معقولة وآمنة ويمكن الوصول إليها للسكان المحرومين من الخدمة، مما يساهم في تحسين نوعية الحياة.
الاتجاهات السياسية للمستقبل
وللحفاظ على الزخم والتوافق مع أهداف التنمية الوطنية، ينبغي للأردن أن يتبنى نهجاً متعدد الأوجه في التعامل مع السياسات والاستثمار.
أولاً، يشكل التوسع الاستراتيجي لشبكة الطرق أهمية أساسية لتلبية الطلب المتزايد وتحسين التغطية، وخاصة في المناطق الحضرية والمناطق المحرومة من الخدمات. وفي الوقت نفسه، من شأن الاستثمارات في تحديث الأسطول، بما في ذلك اعتماد الحافلات الكهربائية، أن تقلل من التأثيرات البيئية مع تحسين الكفاءة التشغيلية.
ويشكل دمج تخطيط النقل مع التنمية الحضرية أهمية بالغة لإنشاء مشاريع تطوير موجهة نحو النقل العام تربط بين المساحات السكنية والتجارية والترفيهية بسلاسة. وينبغي أيضاً نشر أنظمة النقل الذكية لتعزيز تحسين المسار ومراقبة الأداء وتوفير تحديثات في الوقت الفعلي لمستخدمي النقل العام. ومن الأهمية بمكان أيضاً النظر في الشراكات المحتملة بين القطاعين العام والخاص. فمن خلال إشراك المستثمرين من القطاع الخاص في التمويل والعمليات، يمكن للأردن الاستفادة من الموارد الإضافية لتحسين تقديم الخدمات مع الحفاظ على المساءلة والكفاءة. واستكمالاً لهذه المبادرات، ينبغي لحملات التوعية العامة على مستوى البلاد أن تثقف المواطنين حول الفوائد الاقتصادية والبيئية للنقل العام، وتعزيز المشاركة المجتمعية الأوسع ودعم التحول بعيداً عن المركبات الخاصة. ويعد تعزيز الإطار التنظيمي من خلال تعزيز الهيئات الإدارية بآليات الرقابة لضمان معايير الخدمة الموثوقة ومساءلة المشغل أحد العوامل الرئيسية التي يجب معالجتها.
توسيع الشبكة (المرحلة الثانية)
تمثل المرحلة الثانية من مشروع باص عمان والباص السريع توسعًا كبيرًا في البنية التحتية للنقل العام. تخطط أمانة عمان الكبرى لتقديم 23 مسارًا إضافيًا، مما يزيد الإجمالي إلى 50 مسارًا وتوسيع الشبكة بمقدار 480 كيلومترًا إضافيًا. وبمجرد اكتماله، سيشمل النظام ما مجموعه 1350 كيلومترًا، مما يضاعف تغطيته بشكل فعال ويحسن إمكانية الوصول لكل من المناطق الحضرية وشبه الحضرية. يشمل نظام باص عمان السريع محطات الحافلات على طول المسارات المخصصة ونقاط معلومات الركاب ومحطات تبديل والمحطات النهائية. ومن المتوقع أن تعمل الحافلات بترددات تصل إلى 3 دقائق على طول أكثر الطرق ازدحامًا في عمان. يعد نظام الباص السريع جزءًا من شبكة نقل عام أوسع نطاقًا تشمل وسطاء محددين، مثل الحافلات العادية أو المركبات الأصغر حجمًا، والتي تكمل الشبكة. تنقل هذه الوسطاء الركاب إلى أقرب محطة للحافلات السريعة، مما يقلل من أوقات الانتظار ويضمن خدمة سلسة ومريحة. وبشكل عام، من المتوقع أن يؤدي توسيع شبكة الحافلات العامة وأنظمة باص عمان وباص عمان السريع إلى تعزيز التنقل الحضري بشكل كبير، والحد من الازدحام المروري، وتحسين جودة الهواء في المدينة. ومن شأن التنفيذ الناجح لهذه المشاريع أن يوفر للسكان والزوار خيارات نقل عام فعّالة وموثوقة ومستدامة، مما يساهم في التنمية الشاملة وتحديث البنية التحتية للنقل في عمان.
الاستنتاج: الطريق نحو النقل المستدام
تعيد أنظمة باص عمان السريع، والباص السريع بين عمان والزرقاء، وباص عمان تعريف النقل من خلال إمكانية الوصول والكفاءة والقدرة على تحمل التكاليف والسلامة والشمول والاستدامة.
ومع تجاوز عدد الركاب التراكمي 72.9 مليون راكب منذ إنشاء شبكة النقل العام ومعدل نمو سنوي مثير للإعجاب بلغ 47% خلال السنة الثانية من التشغيل (2023-2024)، أصبحت هذه الأنظمة جزءًا لا يتجزأ من التنمية الاقتصادية والاجتماعية في المملكة. ومع ذلك، فإن استدامة هذا التقدم والبناء عليه يتطلب استثمارات مستهدفة في البنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة والحوكمة الفعالة. وبينما يواجه الأردن التحديات المزدوجة المتمثلة في التحضر والتحديث، فإن قطاع النقل العام لديه القدرة على وضع معيار إقليمي للنقل المستدام. ويتماشى هذا مع التزام رؤية التحديث الاقتصادي بتعزيز نوعية الحياة لجميع الأردنيين.
إن معالجة الفجوات القائمة من خلال سياسات استشرافية ومواءمة الجهود مع الأهداف الوطنية من شأنها أن تسمح للأردن بتطوير شبكة نقل تلبي الاحتياجات الحالية وتتوقع المتطلبات المستقبلية. ويمكن لأنظمة النقل في الأردن أن تبرز كحجر زاوية للتنمية الوطنية من خلال تعزيز الابتكار وتعزيز الشراكات الاستراتيجية وإشراك المجتمعات. ويمكن لهذه الجهود أن تقلل بشكل كبير من الازدحام، وتخفض الانبعاثات، وتحسن نوعية الحياة بشكل عام لجميع المواطنين. وفي حين تستمر التحديات، فإنها توفر أيضًا فرصة للتغيير التحويلي. ويعتمد النجاح الأولي الأوسع لنظام الباص السريع على معالجة هذه القضايا النظامية، وضمان تلبية شبكة النقل العام في الأردن للاحتياجات المتنوعة لسكانها الذين يتزايدون بسرعة.
* الدكتور واصل المشاقبة هو خبير اقتصادي ذو خبرة في مجال التحليل الاقتصادي ورسم السياسات. أنهى مؤخرًا عمله كمدير لدائرة الشؤون الاقتصادية في مكتب جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين ، أمضى 22 عامًا في العاصمة الأمريكية واشنطن، حيث عمل كموظف ومدير ومستشار في الحكومة الأمريكية في عدة جهات فدرالية وحكومية بارزة، منها وزارات التجارة والنقل، والبيت الأبيض، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، ومكتب الممثل التجاري للولايات المتحدة، ومؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية.

مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/19 الساعة 16:12