زكي بني ارشيد يكتب: مقاتل شرس ومفاوض محترف

زكي بني ارشيد
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/17 الساعة 10:53
رسمياً لم تعلن "إسرائيل" فشلها في حربها ضد الشعب الفلسطيني، لكن المؤشرات القادمة من تل أبيب تعبر عن حالة البؤس والإخفاق التي صنعتها لحظة الفجر الأولى من صباح الطوفان، وما تبعها من فصول الخيبة والتردي والفشل.
"إسرائيل" لم تكن وحدها، بعد ان حصلت على دعم وتفويض أميركي بإطلاق يدها بارتكاب ما تشاء من جرائم الحرب والابادة الجماعية.
واشنطن راهنت هذه المرة على انتصار نتنياهو الكاسح بكسر شوكة المقاومة الفلسطينية، واستسلامها، واعادة الاسرى عنوة ورغما عن ارادة حماس.
ولتحقيق هذا الهدف كان التفويص والتوقيع الأميركي لنتنياهو على بياض وتامين شبكة امان لحصانة "إسرائيل" في جميع المحافل الدولية، جوهر المنطق والخطاب الأميركي ان من ( لم يأت بالترويض لا بدّ أن ينتهي بالتقويض، ومن استعصى على التطويع فليواجه الترويع، ومن لم يكن مع أميركا و«إسرائيل» فهو إرهابي وعدوٌ للحياة والأمل والمستقبل ولا بدّ من تصفيته ).
الرد "الإسرائيلي" كان عنيفاً وقاسياً ومدمراً، هذا صحيح، ولكن الصحيح ان غزة كانت مختلفة أيضا.
غزة وعلى الرغم من الألم والمعاناة والخذلان تخرج من بين الدمار والدموع والدم والخراب، وتؤكد على انها استعصت على الترويع وتمردت على الترويض وصمدت في وجه التقويض، وقاتلت ببطولة فائقة وبروح فدائية متفوقة، اذهلت العدو واشفت صدور قومٍ مؤمنين.
أين هي شعارات نتنياهو من تحقيق النصر المطلق ؟ واستعادة مئات الاسرى بالقوة والضغط العسكري بعد القضاء على حماس ، وليس من خلال التفاوض معها ،
لافت للنظر ايضاً تراجع عميق لقدرة "إسرائيل " ومهارتها على تحقيق مكاسب من خلال المفاوضات وإنجاز ما عجزت عن تحقيقه بالحرب ،وهذا هو الجديد في إدارة الصراع مع الحلم والمشروع الصهيوني
بالمقابل كانت الاستراتيجية الوطنبة الفلسطينية منذ مرحلة الانتداب البريطاني وقبل الاعلان عن قيام دولة "إسرائيل " منبثقة من نظرية وجوب المقاومة لازالة الاحتلال، بهذا المعنى فإن بقاء حماس في الإدارة المدنية لغزة هو الوسيلة وليس الهدف، وترجمة لهذا الفهم قبلت حماس بلجنة اسناد وطنية فلسطينية لإدارة القطاع لمواجهة استحقاقات ما بعد الحرب.
كاتب هذه السطور لا يرغب في الجدل مع من ينظر إلى ما جرى في غزة من خلال عدد الشهداء والمصابين وحجم الدمار الذي لحق بالشعب الفلسطيني لان فلسفة النصر والهزيمة مرتبطة بالنتائج وليس بالخسائر،
توقف القتال اياً كان العنوان ( وقف اطلاق النار أو هدنة مؤقتة طويلة أو دون ذلك او مفاوضات غير مباشرة وعبر وسطاء ) واياً كانت الأهداف تبادل الأسرى او إستراحة المحاربين فان مما لا شك فيه ان هذا الإنجاز لم يكن متاحاً الا بالصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني الذي تحمل ما عجزت ان تطيقه دول عظمى وشكل حاضنة اجتماعية ورافعة لوجستية في تبني ودعم خيار الصمود والمقاومة، ما يعني أننا أمام كيان فلسطيني جديد، افشل كل الرهانات وحطم كل الأساطير وهشم كل النظريات والمسلمات التي كانت تدّعي بأن " إسرائيل" قوة خارقة ودولة خارجة لا تُغلب وجيشها لا يُقهر ،فلسطيني جديد مقاتل شرس في الميدان ومحترف في التفاوض ايضاً
وكان الإصرار في هذه الجولة ان لا تذهب إنجازات الطوفان ولا تضحيات الشعب هدرا، فكل خطوة وحركة لها ثمن ، والتوظيف السياسي لنتائج الحرب هو ما نشهده اليوم، وما سنراه في الايام القادمة كذلك.
فلسطيني جديد يقاتل ويفاوض لانتزاع حقوقه باحتراف ينتصر ويُملي شروطه بثقة،
وماذا بعد؟
اذا كان قرار الحرب واستئناف القتال او تمديد الهدنة خرج من يد نتنياهو
وأصبح عهدة ترامب الرئيس الأمريكي القادم بعد ثلاثة ايام، ولكن الصحيح ايضاً ان المقاومة مستعدة لجميع الاحتمالات ومصرة على اشتقاق معادلات جديدة واجتراح قواعد مبتكرة لإدارة الصراع تأكيداً على ان مرحلة جديدة قد بدأت، عنوانها الرئيس ان فلسطين أرض لشعب مصرٌ على انتزاع حقوقه مهما طال الزمن وعظمت التضحيات، تمهيدا لازالة الاحتلال ، لان زوال الاحتلال ليس تهمة ولكنه واجب وشرف، ومن عجز عن تحقيقه او تفهمه فلا يحق له أن يقطع الطريق على غيره ،
واخيرا من راهن على انتصار "إسرائيل" فقد خسر الرهان، ومن الضروري أن يدرك العرب والغرب بأن الحقائق الجديدة تفرض نفسها وان "إسرائيل" العاجز عن حماية نفسها هي أعجز عن رعاية مصالح غيرها او حماية اتباعها، وان مصالح الشعوب والدول والامم ليست عند دولة الاحتلال، وانها باتت تشكل تهديدا للامن العالمي والسلم الدولي
وعبئاً على من يدعمها وينحاز لها
ومن حلم بغزة ما بعد حماس فقد فشل وخرائط الشرق الأوسط الجديد لن تكون بريشة العدوان الصهيوني، وإنما بريشة الشعوب، ربما يكون هذا حلماً جميلاً، لكنه قابل للتحقيق، واقرب من اي وقت مضى.
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/17 الساعة 10:53