الدباس يكتب: في البرلمان: المعارضة في تراجع والحكومة في توسع

الدكتور محمود عواد الدباس
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/11 الساعة 13:28

نحتاج ما بين فترة وأخرى إلى التوقف على حجم المعارضة السياسية في مجلس النواب الأردني الحالي . إلى الآن يكون قد مضى قرابة شهرين اثنين منذ أن باشر مجلس النواب أعماله الرسمية في( 18-11-2024 م) . في الإجابة على السؤال المتعلق بحجم المعارضة السياسية في مجلس النواب الأردني الحالي من حيث تمددها أو تقلصها فإن ذلك يتطلب مقارنة في سلوك النواب التصويتي في موضوعين اثنين على الأقل . في مقالتنا هذه. نتوقف على عدد النواب الذين حجبوا الثقة عن حكومة الدكتور جعفر حسان وكذلك عدد النواب الذين رفضوا الموافقة على مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الحالي 2025 م .نبدأ من عدد حالات حجب الثقة عن الحكومة التي طلبت الحصول على ثقة مجلس النواب عملا بأحكام الدستور الأردني فقد وصل العدد إلى( 53 ) حالة حجب ثقة بما نسبته (38%) من أصل (137 ) شاركوا في التصويت على الثقة بالحكومة . وأما فيما يتعلق بعدد النواب الذين رفضوا الموافقة على مشروع موازنة الدولة للعام الحالي فقد وصل عددهم إلى( 38 ) حالة رفض للموازنة الجديدة بما نسبته (30% ) من أصل (128 ) شاركوا في التصويت على مشروع الموازنة حيث كان هناك غياب تسعة نواب عن حضور جلسة التصويت . مع التذكير هنا إلى أن الموازنة هي الترجمة الفعلية من ناحية مالية لخطاب الحكومة في طلب الثقة من مجلس النواب . وبالتالي فأن المنطق السياسي يقتضي أن يبقى حاجبو الثقة على موقفهم فيكون ذات الموقف منهم من مشروع الموازنة العامة للدولة . لكن في الواقع التصويتي فقد كان هنالك انخفاض في حجم المعارضة النيابية من ( 53 )كحالة حجب ثقة إلى( 38 )صوت معارض للموازنة السنوية للعام الحالي على الرغم من أن عجز الموازنة للعام الحالي بلغ (2.258 ) مليار دينار أردني . كما تجدر الإشارة هنا أيضا إلى أن نواب حزب جبهة العمل الإسلامي(31 نائب ) كان موقفهم هو ذاته سواء في حجب الثقة عن الحكومة وفي رفض مشروع الموازنة العامة للدولة للعام الحالي . وبالتالي فإن حجم المعارضة خارج إطار نواب العمل الإسلامي ترواح ما بين ( 7 إلى 22 ) وهؤلاء هم الذين توافقت مواقفهم مع مواقف نواب العمل الإسلامي ( 22 في حجب الثقة أو 7 في رفص مشروع الموازنة المالية للدولة ).

في هذا المقام وفي الجانب التفسيري لهذا التراجع لحجم المعارضة السياسية في البرلمان فأنني استند هنا إلى رسالة الماجستير التي ناقشتها في العام( 2003م ) في قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية. والتي تناولت (المعارضة السياسية في مجلس النواب الأردني : الأسباب و الخلفيات الاجتماعية (1989-2001م ) .البداية بحثيا كانت معرفة أسباب المعارضة بحسب مضمون الكلمات التي ألقيت وقت طلب كل حكومة الثقة من مجلس النواب خلال الإطار الزمني للدراسة وفقا لمنهجية تحليل المحتوى النوعي لكلمات نواب المعارضة والتي بلغت ( 182 ) حالة حجب ثقة عبر ثلاثة مجالس متواصلة وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر . ايضا تناولت الدراسة من ناحية إحصائية الخلفيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للنواب الذين حجبو الثقة عن الحكومة لمعرفة القاع الاجتماعي الذي تعبر عنه المعارضة السياسية في مجلس النواب منذ عودة الحياة الديمقراطية إلى الأردن و إلى العام 2001 م. لعل سبب التذكير بتلك الدراسة وهذه الشروحات البسيطة عنها هو الوصول إلى الحقيقة التالية والتي وردت في كلمات النواب الذين حجبو الثقة أكثر من مرة وعن أكثر من حكومة . قالوا في كلماتهم أن قيامهم بحجب الثقة عن الحكومة السابقة أو الحكومات السابقة كان سببا في منع تقديم خدمات لهم من قبل الحكومة لغايات عزلهم أمام قواعدهم الانتخابية فلا ينفذ لهم أي مطلب شخصي أو خدماتي . اليوم وبعد كل تلك العقود من الزمان . و في تفسير انخفاض حجم المعارضة السياسية في مجلس النواب من (53 )حالة حجب ثقة إلى (38 )صوت يرفض مشروع الموازنة العامة نقول إن محدودة المعارضة داخل مجلس النواب الحالي من خارج الإطار الإسلامي وهي ما بين كما أسلفنا من (22 الى 7 نائب ) وعدم زيادتها تعني أن النواب بشكل عام يريدون علاقة إيجابية مع الحكومة تمكنهم من تقديم خدمات خاصة لهم أو خدمات لمناطقهم الانتخابية وهذه لا يمكن الوصول إليها إلا عبر تأييد الحكومة أو قيامهم بالحد الأدنى من معارضتها لكن دون الذهاب نحو حجب الثقة عن الحكومة أو رفض مشروع الموازنة العامة للدولة .
ختاما .فإن المصلحة العامة تتطلب وجود معارضة داخل البرلمان تجاه الحكومة تصل ما بين ( 30%الى 40%)كي تبقى الحكومة متيقظة من عدم قدرة المعارضة من العبور من ثغرات تنفذ منها تؤدي إلى إحراج الحكومة أمام الرأي العام الأردني و التي قد تتسبب في لحظة ما في إسقاطها . وفي المقابل فإن مصلحة الحكومة أن تتمتع بتأييد داخل البرلمان يصل ما بين (60%-70%) كي تستطيع استكمال أعمالها دون وجود حالة قلق عالية لديها تعيقها عن القيام بأعمالها اليومية .أيضا وفي ذات السياق وفيما يخص النواب أنفسهم . فالنواب المؤيدون للحكومة يسعون للحصول على خدمات تقدم لهم من قبل الحكومة نتيجة مواقفهم معها لكن يخسر هؤلاء النواب شعبيتهم لدى الرأي العام . في المقابل يخسر نواب المعارضة تقديم خدمات لهم من قبل الحكومة نتيجة معارضتهم لها لكنهم اي نواب المعارضة فإنهم يربحون الرضا الشعبي عنهم نتيجة معارضتهم للحكومة ومحاولة اظهار عيوبها من أجل إسقاطها أو إجراء تعديل وزاري عليها لجعلها أكثر قربا لأفكارهم السياسية .

مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/11 الساعة 13:28