الماضي يكتب: قراءة دستورية حول طرق انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية

الدكتور مشعل الماضي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/11 الساعة 12:27

تكاد تنحصر طرق إنتخاب رؤساء الجمهوريات في جميع الأنظمة الدستورية الجمهورية بثلاثة أساليب يمكن أن تختار منها الدول ما يتناسب مع ظروفها وأوضاعها الإجتماعية والسياسية والدينية والعرقية والطائفية ويتم النص في دستورها على ذلك، وتتمثل تلك الأساليب الثلاثة بما يلي:

أولا: الإنتخاب من قبل الشعب والذي يتم إما بطريقة الإنتخاب المباشر كما هو متبع في الجمهورية الفرنسية حالياً أو بطريقة غير مباشرة كما يجري في إنتخاب الرئيس الأمريكي.
ثانياً: الإنتخاب من قبل المجلس النيابي كما هو متبع حالياً في الدستور اللبناني الحالي وكما كان متبعاً في دستور الجمهورية الفرنسية السابق لعام 1946 .
ثالثاً: مساهمة المجلس المنتخب والشعب معا في إختيار رئيس الجمهورية، وتتفرع هده الطريقة لأساليب متعددة لا مجال لتفصيلها هنا، ولكن يمكن إيجازها بأن يزكي المجلس النيابي أو ينتخب واحداً أو أكثر من المترشحين لرئاسة الجمهورية،ثم يتم أخذ موافقة الشعب من خلال أسلوب الإستفتاء كما كان متبعاً في الدستور المصري المعدل لعام1971 ودستور 1972.
وبالعودة إلى السبب الدستوري فقط (دون الأسباب السياسية) الكامنة وراء الفراغ الدستوري لمنصب رئيس الجمهورية اللبنانية وبقاءه شاغرا لمدة إقتربت من ثلاثة أعوام هو : الطريقة التي كرسها الدستور اللبناني في كيفية إنتخاب الرئيس والتي تتمثل بإنتخابه من قبل أعضاء مجلس النواب وبأغلبية مشددة في الجولة الإنتخابية الأولى، حيث يلزم للفوز بمنصب الرئيس تصويت ثلثي أعضاء مجلس النواب( 86صوت ) من أصل (128 صوت العدد الكلي لأعضاء مجلس النواب ) لصالح مترشحا واحداً من بين مترشحين إثنين أو أكثر، وفي حال جرت جولة إنتخاب ثانية (بين أعلى المترشحين في الجولة الأولى) فالأغلبية المطلوبة للفوز تكون بالأكثرية المطلقة أي ( 65 صوت على الأقل يجب أن تكون لصالح الفائز ) وهنا نؤكد صعوبة تحقق ذلك في الوضع الطبيعي لأية إنتخابات حتى ولو حصل ذلك في دولة أخرى تتجسد فيها كافة روابط الوحدة المعنوية السياسية والإجتماعية والدينية والطائفية والعرقية وغيرها .
مثل هذه الأغلبية النيابية ( ثلثي الأصوات ) التي نص عليها الدستور اللبناني في المادة (49) تكون صعبة المنال وهذا ما كان السبب الدستوري المباشر في شغور منصب الرئيس للمرة السادسة في تاريخ دولة لبنان ، بما فيها فشل مجلس النواب اللبناني الحالي في إنتخاب الرئيس، حيث عقد المجلس النيابي الحالي بعد إنتهاء ولاية الرئيس اللبناني السابق ميشال عون في ( أكتوبر 2022 ) اثنتا عشرة جلسة لانتخاب رئيسا جديدا للجمهورية ،ولم يتمكن أي مترشح من الحصول على الأغلبية المطلوبة ( ثلثي أعضاء المجلس ) أو الحصول على الأغلبية المطلقة في الجولة الثانية . وبقي الأمر معلقا حتى اليوم التاسع من كانون الثاني الجاري عندما دعا رئيس مجلس النواب نبيه بري إلى جلسة جديدة لإنتخاب رئيس الجمهورية الجديد جوزيف عون الذي لم يحصل على أغلبية الثلثين خلال الجولة الأولى ( فقط71 صوت) بالرغم من الدعم الدولي لشخصه وانسحاب المنافس الأقوى سليمان فرنجية. ولكن في الجولة الإنتخابية الثانية ساهمت تلك الظروف والتفاهمات السياسية بين أعضاء مجلس النواب بفوزه ب ( 99) صوت .
بناءاً على ما سبق نستطيع القول أن طريقة إسناد السلطة لرؤساء الجمهوريات من خلال المجالس النيابية أصبحت تشكل عائقا أمام الدول الجمهورية خاصة إذا ما تتطلب الحصول على الفوز أغلبية مشددة وهو ما يعقد المشهد أمام أي مترشح أو حتى أي قوى سياسية مهيمنة داخليا أو خارجيا لحصول مرشحيها على تلك الأغلبية، مما قد يعرض الدول التي تأخذ بهذا النهج الانتخابي إلى الفوضى والاضطراب وعدم الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي. لذلك نجد أن معظم دول العالم ومنها الجمهورية الفرنسية قد غادرت طريقة انتخاب رئيس الجمهورية من قبل مجلس النواب إلى انتخابه من قبل الشعب وتغلبت على جميع الصعوبات التي تم ذكرها ، كما أن إنتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب يشكل حصانة لرئيس الدولة بمواجهة استبداد مجلس النواب وتعسفه بالحقوق والحريات لكونه منتخبا من قبل الشعب وليس من لدن مجلس النواب الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى توازن على الأقل بالحد الأدنى بين سلطة رئيس الدولة وسلطة مجلس النواب.

مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/11 الساعة 12:27