التعديل الوزاري.. أسبابه ومبرراته الدستورية

أ. د. ليث كمال نصراوين
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/07 الساعة 02:23

لم تمض أيام قليلة على حصول حكومة الدكتور جعفر حسان على ثقة مجلس النواب على بيانها الوزاري حتى أعلنت الصالونات السياسية عن قُرب إجراء رئيس الوزراء للتعديل الوزاري الأول على حكومته، حتى وصل الأمر ببعض الكتّاب والمحللين السياسيين إلى تحديد الموعد الزمني لهذا التعديل، وأسماء الوزراء المغادرين وأولئك المنتقلين من وزارة إلى وزارة أخرى.

إن هذا «الهرج» السياسي ليس بغريب على الساحة السياسية المحلية، حيث دائما ما يوجه المتابعون للشأن الداخلي جل اهتمامهم لما يصدر عن الوزراء من قرارات حكومية تخص إدارة شؤون وزاراتهم ومتابعة سلوكياتهم الفردية لتبدأ بعدها سلسلة التحليلات والتخمينات بقرب رحيل ذلك الوزير وإخراجه من الفريق الوزاري. إلا أن ما يميز هذه المرة عن المرات السابقة أن التنبؤات بقرب التعديل الوزاري قد جاءت في مرحلة مبكرة جدا من عمر الحكومة الحالية.
وهنا يثور التساؤل الدستوري حول الأسباب التي قد تدفع رئيس الوزراء لإجراء أي تعديل وزاري على حكومته ومبرراته الدستورية، وذلك بهدف تهدئة الخواطر وبث الطمأنينة في نفوس الطامحين بمنصب وزاري في القريب العاجل.
وفي هذا السياق نجد أن المشرع الدستوري قد أفرد مجموعة من الأحكام الخاصة بتشكيل الحكومة ابتداء وطبيعة الأعمال المسندة لكل وزير، والتي يُفترض أن يكون الحكم على بقائه في المنصب الوزاري أو خروجه منه مرتبطا بتحقيقها.
فأول الأحكام الخاصة بالوزير في السلطة التنفيذية قد وردت في المادة (35) من الدستور التي تنص على أن الملك يعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالاتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء. فالتعديل الوزاري بإخراج وزير من الحكومة هو حق مكرس لجلالة الملك، وذلك بإقالته ابتداء، أو بقبول استقالته بناء على تنسيب رئيس الوزراء.
أما أسباب قيام رئيس الوزراء بالتنسيب لجلالة الملك بقبول استقالة وزير عامل، فإنه من المفترض أن ترتبط بقدرة الوزير المعني على القيام بمهام عمله. فالمادة (47) من الدستور تنص على أن يكون الوزير مسؤولا عن إدارة جميع الشؤون المتعلقة بوزارته وعليه أن يعرض على رئيس الوزراء أية مسألة خارجة عن اختصاصه. كما تشترط المادة (48) من الدستور أن يوقع رئيس الوزراء والوزراء قرارات مجلس الوزراء وأن ترفع هذه القرارات إلى الملك للتصديق عليها، ليقوم كل من رئيس الوزراء والوزراء بتنفيذها كل في حدود اختصاصه.
إن صلاحيات رئيس الوزراء في الإبقاء على الوزير عضوا في حكومته من عدمه، وإن كان يخضع لسلطته التقديرية باعتباره رئيسا لمجلس الوزراء بحكم الدستور، إلا أنه يفترض أن تكون هناك أسباب كافية ومقنعة للرأي العام تبرر خروج ذلك الوزير من الحكومة وانتقاله لوزارة أخرى أو تعيين خلف له. ولا ضير أن تكون من هذه المبررات عدم اقتناع رئيس الوزراء بشخص الوزير وطريقة تعاطيه مع المهام والأعمال الحكومية المسندة إليه.
إن هذه الطريقة في تعيين الوزراء في السلطة التنفيذية وكيفية إخراجهم منها، والتي يدخل في حسبانها القناعة الوجدانية لرئيس الوزراء، لها ما يبررها في الوقت الحالي وذلك بسبب غياب أي تأثير حزبي على تشكيل الحكومات في الأردن. أما في المستقبل، وعندما يبدأ تطبيق مفهوم الحكومات البرلمانية التي تتشكل من الحزب الفائز في الانتخابات أو الذي يضمن أغلبية المقاعد في مجلس النواب، فإن عملية اختيار الوزراء ومحاسبتهم يفترض أن تكون أكثر وضوحا، وترتبط بمدى قدرة الوزير على تنفيذ رؤى وبرامج الحزب الحاكم، بالإضافة إلى حرص رئيس الوزراء على الإبقاء على ثقة الحزب السياسي الذي يدين له برئاسته لمجلس الوزراء.
ويبقى العامل الأهم في موضوع التعديل الوزاري وتقرير مصير الوزراء في الحكومة مرتبطا بمجلس النواب. فحرصا منه على تكريس نظام الحكم النيابي، قرر المشرع الدستوري مسؤولية الوزراء الفردية أمام المجلس المنتخب، حيث تنص المادة (51) من الدستور على أن رئيس الوزراء والوزراء مسؤولون أمام مجلس النواب مسؤولية مشتركة عن السياسة العامة للدولة، وأن كل وزير فرد مسؤول أمام مجلس النواب عن أعمال وزارته.
إن مجلس النواب يملك بالأكثرية المطلقة من مجموع أعضائه أن يطرح الثقة بالوزارة أو أي من الوزراء فيها، بحيث يوجب المشرع الدستوري على الوزير الذي يتقرر حجب الثقة عنه أن يعتزل منصبه الوزاري، وهو الحكم الذي يستفاد منه بأنه يجبر على الاستقالة بحكم الدستور.
وما يؤكد حرص المشرع الدستوري على إطلاق يد مجلس النواب على رئيس وأعضاء مجلس الوزراء، أنه قد أعطى الحق لرئيس الوزراء أن يطلب من المجلس المنتخب عقد جلسة لطرح الثقة بوزارته أو أي من الوزراء فيها، وهو الحكم الذي يعزز من الدور الرقابي لمجلس النواب على الحكومة.
أستاذ القانون الدستوري – عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة
laith@lawyer.com

مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/07 الساعة 02:23