توصيات شعبوية حول الموازنة

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/06 الساعة 21:56

توصيات اللجنة المالية حول مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2025 التي تم الإعلان عنها، كانت صادمة للغاية وشعبوية لحد بعيد، حيث تعكس مستوى متواضعاً لا يتناسب مع حجم التحديات الاقتصادية التي يواجهها الأردن. الإعلان عن هذه التوصيات جاء في وقت يمر فيه الاقتصاد الوطني بأزمات متفاقمة في المالية العامة، وكان يُفترض أن ترتكز التوصيات على حلول جذرية وشاملة للتعامل مع القضايا الملحّة كالعجز المالي، وإدارة الدين العام، وتأمين مصادر تمويل مستدامة، لكن التقرير جاء خالياً من أي رؤية إستراتيجية عميقة أو توجهات مبتكرة. ما يثير الاستغراب في هذا التقرير هو التجاهل شبه التام لملفات بالغة الأهمية، إذ لم يتم التطرق إلى كيفية معالجة الدين العام المتزايد أو وضع خطة متكاملة للتعامل مع المتأخرات المالية التي تثقل كاهل الاقتصاد. بدلاً من ذلك، انحازت اللجنة إلى مقترحات شعبوية كزيادة الرواتب وتخفيض ضريبة المبيعات دون تقديم دراسة واضحة لتأثير هذه السياسات على العجز المالي أو استقرار الميزانية العامة.

تخفيض ضريبة المبيعات، وهو من بين التوصيات البارزة، والذي لا يتماشى مع الوضع المالي المتأزم للخزينة، ففي ظل عجز مالي كبير، لا يمكن أن تكون مثل هذه الخطوات مجرد قرارات غير مدروسة تهدف إلى استرضاء الشارع، وتخفيض الضريبة دون بدائل لتعويض النقص في الإيرادات يعكس عدم جدية في التعامل مع التحديات. أما الحديث عن زيادة رواتب العاملين والمتقاعدين، فهو وإن بدا مطلباً عادلاً لمواجهة التضخم، إلا أنه يحتاج إلى مصادر تمويل حقيقية، فالزيادة في الرواتب دون تأمين موارد مستدامة ستضيف عبئاً جديداً على الميزانية، وستفاقم العجز المالي بدلاً من معالجته، وكان من الأَولى أن تركز التوصيات على تعزيز الإنتاجية، وتطوير القطاعات الاقتصادية القادرة على توفير فرص عمل وزيادة الإيرادات. فيما يتعلق بالمشاريع الكبرى كالناقل الوطني لتحلية المياه وسكة الحديد، ورغم أهميتها، فإن التوصيات المتعلقة بها تفتقر إلى خطة تنفيذية واضحة، فهذه المشاريع تتطلب تمويلاً ضخماً وإطاراً زمنياً دقيقاً، وهو ما لم تقدمه اللجنة في توصياتها، والإعلان عن مشاريع ضخمة دون خطة عملية أو جدوى اقتصادية واضحة قد يُفسَّر على أنه محاولة للتغطية على غياب رؤية حقيقية لإدارة المرحلة المقبلة. إدارة المالية العامة بدت كذلك ضعيفة في التقرير، فالتوصيات المتعلقة بخفض الفائدة على القروض الميسرة وتحديد نسبتها عند 2 % تظهر كمحاولة غير واقعية في ظل الأوضاع الاقتصادية الراهنة، وبدلاً من هذه الاقتراحات السطحية، كان على اللجنة التركيز على تحسين الكفاءة الضريبية ومكافحة التهرب الضريبي وزيادة الإيرادات من مصادر مستدامة. التوصيات لم تعالج بشكل جاد ملف الاستثمار، الذي يُعد إحدى الركائز الأساسية لتحفيز النمو الاقتصادي، والحديث عن تسهيل الإجراءات الاستثمارية يظل كلاماً عاماً إذا لم يُرافقه إطار قانوني وتنفيذي واضح، لذلك فان تحسين البيئة الاستثمارية يتطلب رؤية شاملة تعالج العقبات التشريعية والإدارية بشكل مستدام، وليس مجرد تعديلات مؤقتة. التوصيات بمجملها تعكس افتقاراً إلى الجرأة والرؤية الإستراتيجية، والتقرير ركز على خطوات سطحية وشعبوية بدلاً من تقديم حلول شاملة للتحديات المعقدة التي تواجه الاقتصاد الأردني. ما يحتاجه الاقتصاد اليوم هو خطة متكاملة تهدف إلى تحقيق التوازن بين استدامة المالية العامة وتحفيز النمو الاقتصادي، بعيداً عن الشعارات والتوجهات غير المدروسة، وهذه المرحلة تتطلب رؤية إصلاحية جذرية، وليس مجرد مقترحات متواضعة لا ترقى إلى مستوى التحدي.

مدار الساعة ـ نشر في 2025/01/06 الساعة 21:56