الكردي تكتب: الإعلام الأردني: حلم التحديث أم كابوس القيود؟
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/28 الساعة 14:24
لطالما كان الإعلام الأردني مرآة تعكس الواقع وتساهم في تشكيل وعي المجتمعات، إلا أنه في العقود الماضية وجد نفسه مقيداً بقيود سياسية واقتصادية أفرغته من دوره الحقيقي وحرفت بوصلته.
اليوم، مع حكومة الدكتور جعفر حسان، تبدو الفرصة سانحة لإعادة صياغة دور الإعلام ليكون شريكا حقيقيا في عملية التحديث السياسي والاقتصادي.
ولكن يبقى السؤال: هل الإرادة السياسية كافية ومستعدة لتحقيق هذا الحلم؟
ما تحدث عنه نقيب الصحفيين، راكان السعايدة، الأسبوع الماضي، بشأن تحديث الإعلام يتطلب تغييراً جذرياً في العقلية السياسية التي ما تزال تعامل الإعلام كأداة للتوجيه، وليس منبراً لنقل الحقيقة.
الثقة المفقودة بين المواطن والإعلام الوطني لم تأتِ من فراغ، وإنما هي نتيجة مباشرة لسياسات تقييدية جعلت من الإعلام الأردني "إعلام الأمنيات"، غير قادر على مواكبة تطلعات الشارع أو مواجهة التحديات بجرأة.
الواقع يشير إلى أن الحكومات السابقة لم تكن واضحة في تحديد مسارها السياسي والاقتصادي بشكل صادق وشفاف، بل على العكس، شهدنا تراجعاً في الحريات، وارتفاعاً في المديونية، وتكراراً مملًا في تدوير الكراسي والمناصب.
هذا الواقع يفرض تساؤلات ملحة حول دور الإعلام في تحقيق التحديث، وهل يمكن، أو سيُسمَح له، أن يكون شريكاً حقيقياً في ظل استمرار هذه السياسات؟
النقيب السعايدة عبّر عن تفاؤله بقوله إنه لمس أن ملف إصلاح الإعلام سيكون على رأس أجندة حكومة الدكتور جعفر حسان، مشيراً إلى وجود رؤية مشتركة بين رئيس الوزراء ووزير الاتصال الحكومي لإصلاح القطاع الإعلامي.
لكن التطلعات وحدها لا تكفي، فالسؤال الذي يطرحه كل صحفي ومواطن هو: هل تمتلك الحكومة الجرأة والإرادة السياسية لمنح الإعلام المساحة الكافية ليكون صوت الشعب لا صدى للحكومة؟
الإعلام الأردني يحتاج خطوات ملموسة تعيد إليه مكانته وثقة المواطن به. تحرره من قبضة الرقابة والتوجيه المباشر، ودعم استقلالية مؤسساته بعيداً عن التبعية السياسية والاقتصادية، ورفع سقف الحريات بتشريع قوانين تحمي الصحفيين وتكفل حرية التعبير وتعديل القوانين المعطلة والسالبة للحريات.
كلها شروط أساسية لإنعاش هذا القطاع الحيوي. كذلك لا بد من الاستثمار في الكوادر الإعلامية لتكون قادرة على مواجهة التحديات والمتغيرات بفعالية ومهنية.
إذا أرادت الحكومة تحقيق تحديث سياسي واقتصادي حقيقي، فيجب أن يكون الإعلام شريكاً استراتيجياً في هذه العملية. فالحرية الإعلامية ليست ترفًا، وإنما ضرورة لتشكيل وعي مجتمعي قادر على تعزيز نجاح أي عملية إصلاحية.
المواطن الأردني يحتاج إعلاماً يعيد بناء الثقة، ويقدم الحقائق بشفافية وموضوعية، بعيداً عن التوجيه أو التلاعب، أو سيلجأ إلى عشرات ومئات المنابر الإعلامية الخارجية، التي ليست كلها تهتم لمصلحة الأردن.
الإعلام الأردني اليوم أمام منعطف تاريخي، فإما أن يتجه نحو التحرر والتحديث ليكون منبراً للحقيقة ومصدراً للثقة، أو أن يبقى أسيراً للقيود والوعود التي لطالما أحبطت آمال الصحفيين والمواطنين معاً.
الكرة الآن في ملعب الحكومة، فهل تغتنم الفرصة لتغيير المشهد الإعلامي، أم أن الحديث عن إصلاح الإعلام سيبقى مجرد حلم يصطدم بكابوس الواقع الذي لازَمنا لسنوات طويلة؟!
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/28 الساعة 14:24