الحواتمة يكتب: فلسطين بخير: مرحلة جديدة في العام 2025
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/23 الساعة 13:30
بالنسبة لي، لا تُعتبر الكتابة عن فلسطين شأنًا سياسيًا بقدر ما هي قضية عقائدية وتاريخية وحقوقية، كما أن الخوض في هذا، بالنسبة لي أيضًا، لا يتطلب حالة من الحيادية، تلك التي قد يحاول انتهاجها بعض الكُتّاب أوالباحثين؛ ليحققوا معايير البحث العلمي والكتابة الصحفية وغيرها. فالانحياز الكُلي لعدالة القضية يجب أن يؤطر جميع الدوافع والمقاربات والاشتباكات المُسلّحة والسلّمية، كحال المقال هذا، وهو أضعف الإيمان. ولكن، ما قد يأخذ أشكالًا متعددة هو النضّال: سواءً الذاتي أو الموضوعي، وقد يتطلب الأخير بعضًا من التماهي مع القانون الدولي والفواعل الدولية، والحاجة إلى إظهار الحيادية لتحقيق الانحياز.
يبدو أن العام الجديد مزدحمًا بالأجندة السياسيّة الأقليمية والدولية: فسيشهد سوريا جديدة سياسيًا بعد الإطاحة بحكم آل الأسد، وما قد يترتب على ذلك من انحسارٍ للوجود الإيراني واضمحلالٍ في الوجود الروسي والذي، حسب تقديري، لم يكن ليسمح بحدوث التغيير، على الاقل بهذه السرعة، لو لم تكن هناك تفاهمات وتطمينات من "فاعلوا ديسمبر الجُدد" تتعلق بمستقبل القواعد العسكرية الروسية في سوريا. فقد يتوقف مستقبل التواجد الروسي فقط في القواعد العسكرية، وما قد يتصل بها في أدنى المستويات، وذلك بعد تغير الدور الروسي الفاعل ميدانيًا، والذي مورس في بداية الأحداث وقبل انتقال المعارك للأراضي الأوكرانية. كما أن لبنان الجار أيضًا سيشهد مرحلة جديدة عنوانها المرجعية الأحادية لحمل السلاح الثقيل، واندماج القوى المُسلحّة في بوتقة الجيش اللبناني، وذلك بعد اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع إسرائيل، والتغيرات التي طرأت على مستوى القيادات العُليا في حزب الله، والإنحسار الإيراني المتوقع في سوريا.
وتُعد الإدارة الأمريكية الجديدة بندًا صعبًا على الأجندة السياسية العربية والدولية ايضًا؛ نظرًا لطبيعة المواقف السياسية المُتباينة بين الإدارة الجديدة والدول العربية الفاعلة في الإقليم والقضايا الدولية، وهذا قد يُسهم في كشف مدى نجاعة وكفاءة الاستراتيجيات العربية في مقاومة التقلبات الحادة في السياسة الدولية، وخصوصًا تجاه القضية المركزية الفلسطينية، واعتبارها نوعًا من التمرين اللازم لكشف مواطن الضعف والقوة في مثل تلك الاستراتيجيات. لذلك، فإن بعض هذه الدول فعّلت بشكل مُبكر "جرس الإنذار" وربطت الأحزمة، واستعدت لنزالات سياسية عنوانها الدفاع عن المصالح القومية والوطنية بالاتساق مع القانون الدولي. فمن الطبيعي أن يطبع بعض السياسة الدولية نوعًا من التنافس؛ انطلاقًا من اختلاف المصالح الوطنية العليا للدول، وتقلبات الوان الطيف السياسيّة في دول بعينها من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين.
هذه الملفات وغيرها مرتبطة بنيويًا بفلسطين لأسباب مختلفة من الناحية التاريخية والجغرافية والسياسّية. وفي هذه الأثناء، يُمكن القول أن حالة فلسطينية جديدة تتشكل، عنوانها كيفية إخراج انتصار المقاومة للداخل والخارج، وما يعنيه ذلك من تبعات على الروح المعنوية أليمين الإسرائيلي المُتطرف، على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقتها المقاومة، وبعض الاختلافات في كيفية تصور نصر المقاومة ومدى ربط ذلك بالكلفة. ويمكن للسياق العام والقائم على مقاومة المُحتل أن يُبرر- إلى حد ما مستحضرًا الثورات التاريخية التي قاومت المُستعمر وقدمت الشهداء والأحرار كالثورة الجزائرية مثلًا - ويجعل من تصور النصر أكثر قبولًا في ظل تحديات البيئة الدولية والإقليمية.
يبدو أن شكل السُلطة السياسيّة الفلسطينية القادمة سيأخذ بُعدًا جديدًا من حيث حجم التوافق الوطني على طبيعة نشأتها، وأهدافها، وصلاحياتها، والعلاقة المستقبلية مع إسرائيل، وتجاوز الانقسام، والدور العربي الفاعل بها ولها بالنظر لقرب التوصل لاتفاق يُنهي الاعتداء الإسرائيلي البربري على فلسطين - غزة والضفة. وهنا يحضرني التنبيه إلى حجم التآمر على فلسطين حتى من حيث استخدام المُسمى؛ حيث أصبح الحديث اليوم بشكل أكثر تكرارًا وترديدًا للضفة وغزة، إما بشكل منفرد أو مجتمع، وذلك عند الإشارة لفلسطين، وهذا خطر يراد به محو اسم فلسطين من الأدبيات السياسية والإعلامية، وخلق سياق عام "لمنطقة" فلسطين التاريخية وتفكيكها.
بطبيعة الحال يأخذ النضّال الفلسطيني أشكالًا عديدة غير ذلك العسكري، وهذا مطلوب، فليست المقاومة محصورة فقط بالميدان، على الرغم من أهميتها، إلا أن الأشكال الأخرى يجب أن تكون حاضرة لتساند الميدان من خلال الأدب، والشعر، والسياسة، والفن، والإعلام، وخاصة وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا لا يعني بطبيعة الحال الركون إلى ذلك فقط تحت هذه المبررات. إن استحضار فلسطين تاريخًا وقضيةً في المحافل الدولية، والأنشطة العلمية لا يقل أهمية ايضًا عن ذلك، كما أن خدمة العمارة الإسلامية والمسيحية: وخصوصًا المسجد الأقصى والذي يعتبر رمزًا مركزيًا تدور في فلكه كل أوجه النضّال، يشكل علامة فارقة في شكل قطبية النضال الفلسطيني. إن ما تقومه به وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية – فلسطين من مقاومة يومية للمستوطنين ومحاولاتهم تغيير الوضع القائم تحت غطاء القوة الإسرائيلية، والحفاظ على قدسية وبُنيان المسجد الأقصى وقبة الصخرة، عملٌ نضاليٌّ من غير المعقول أو المقبول التقليل من شأنه. فطوبى لكل هولاء المنخرطين بحبٍ وتفانٍ في كل شكل من أشكال النضّال، وطوبى لأولئك الفاعلين الذين يدعمون بصمت وجهر كل السُبل لإسناد فلسطين في كل مكان ومحفل، طبتم وطاب مسعاكم.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/23 الساعة 13:30