العبداللات يكتب: هل يوجد تعارض بين السياستين المالية النقدية في الأردن ؟
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/16 الساعة 20:59
(الموازنة بين محاربة التضخم والازدهار الاقتصادي)
يعتبر التضخم من أهم القضايا الاقتصادية في القرن الحالي وخصوصا في اعقاب جائحه كورونا والصراع بين روسيا واوكرانيا وانقطاع سلاسل التوريد حيث ان ارتفاع الاسعار وخصوصا فيما يتعلق بالسلع الاساسية له تأثير كبير على دخل الاسر وخصوصا الاسر الفقيرة حيث يؤدي الى انخفاض القوه الشرائية للعملة ( تم رفع الحد الأدنى للأجور في الأردن من 260 دينار إلى 290 دينار ابتداء من بداية عام 2025 وهي الزيادة الاولى منذ بداية عام 2021).
وفي الأردن سجل معدل التضخم مقاسا بالتغير النسبي في الرقم القياسي لأسعار المستهلك (CPI)في عام 2021نسبة 1.35% مقارنة ب4.2% في عام 2022،وانخفض في عام 2023 الى 2.1%، ومعدل التضخم يتكون من التضخم الأساسي (التضخم الذي يستثني السلع والخدمات الأكثر تأثيرا لتقلبات الأسعار (الطاقة والغذاء )، والتضخم غير الأساسي .
ويعود انخفاض معدل التضخم في الأردن في عام 2023 الى مجموعة من الأسباب منها:
1-تثبيت أجور النقل .
2-تثبيت أسعار الخبز ، وتثبيت اسطوانة الغاز.
3-التخزين الوقائي للمواد الغذائية الأساسية .
4-عقود استيراد الغاز الطويلة الاجل ، وانخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية .
5-دعم السلع الاستراتيجية بقيمة 289مليون دينار .
6-اتباع البنك المركزي سياسة نقدية متشددة تمثلت في رفع اسعار الفائدة على ادوات السياسة النقدية .
أما بخصوص المجموعة المكونة لسلة المستهلك فهي تتكون من بنود سلعية وبنود خدمية كما يلي:
1-الأغذية والمشروبات غير الكحولية ونسبتها 26.5%، ومنها اللحوم والدواجن 4.7% ، والخضروات والبقول الجافة والمعلبة 3%.
2-المشروبات الكحولية والتبغ والسجائر ونسبتها 4.4%.
3-الملابس والاحذية ونسبتها 4.1% وتشكل الملابس نسبة 3.4%.
4-المساكن ونسبتها 23.8% وتشكل الايجارات 17.5%، والوقود والإنارة 4.7%.
5-التجهيزات والمعدات المنزلية 4.9%، الصحة 4%، النقل 16%، الاتصالات 2.8%.
6-الثقافة والترفيه 2.6%، التعليم 4.3%، المطاعم والفنادق 1.8%، السلع والخدمات الأخرى 4.8%.
أن التضخم هو فقدان القوه الشرائية للعملة بمرور الوقت ويعبر عنه بالتغير السنوي في اسعار السلع والخدمات بالتالي فان كميه النقود التي يمتلكها الفرد سوف لن تستطيع شراء نفس الكميه بعد فتره.
ويعتمد الكثير ما يسمى بمقياس التضخم الاساسي الذي يستبعد اسعار الغذاء والوقود والتي تعتمد على التغيرات في العرض العالمي ، ويعتمد التضخم بدرجه كبيره على ارتفاع الطلب لدى المستهلكين لكن يتأثر التضخم بالظروف الاقتصادية مثل انتاج النفط المحدود ومشاكل سلسله التوريد.
ويؤثر التضخم بدرجه كبيره على الاسر الفقيرة التي تنفق الجزء الاكبر من ميزانيتها على الطعام والسكن والغاز ، وقد يؤدي التضخم الى مكاسب ايجابيه احيانا مثل زياده الاجور وزياده الوظائف نتيجة زياده الاسعار بالتالي زياده الارباح.
ويوجد اسباب للتضخم منها : التضخم الناتج عن الطلب اي بمعنى زياده الطلب الكلي عن العرض الكلي مما يؤدي الى ارتفاع الاسعار بالتالي هذا التناقض بين الطلب المرتفع والعرض المحدود يعتبر المحرك الرئيسي للتضخم.
ومن الاسباب الاخرى للتضخم: التضخم الذي ينتج عن ارتفاع التكاليف اي بمعنى ترتفع تكلفه مدخلات الانتاج مثل المواد الاولية والعمالة بالتالي ارتفاع الاسعار وتعتبر الحرب بين روسيا واوكرانيا سببا رئيسيا لارتفاع التكاليف وخاصه في اسواق الطاقة والغذاء حيث تعتبر روسيا من الدول المصدرة الرئيسية للنفط والغاز ، وتعرضت روسيا لعقوبات اقتصاديه مما ساهم في رفع الاسعار في هاتين السلعتين الوسيطتين.
اضف الى ذلك تعتبر اوكرانيا منتج رئيسي للحبوب والمنتجات الزراعية والتي توقفت بدرجه كبيره بسبب الحرب مما ادى الى ارتفاع اسعار المواد الغذائية بدرجه كبيره.
ويؤثر التضخم بدرجه كبيره على القوة الشرائية للعملة فعندما ترتفع الاسعار بدرجه اسرع من ارتفاع الاجور بالتالي فان الاسر لا تستطيع تحمل تكاليف السلع والخدمات الأساسية ،والاسر التي تتأثر بدرجه كبيره هي الاسر ذوي الدخل المنخفض والمتوسط حيث يشكل الغذاء والطاقة الحجم الاكبر من الميزانية.
ان قيام البنوك المركزية بمكافحه التضخم من خلال رفع اسعار الفائدة على ادوات السياسة النقدية وذلك لكبح الطلب فان ذلك سوف يؤدي الى زياده تكاليف الاقتراض للأفراد والشركات والحكومات وهذا يعني ارتفاع تكلفه خدمة الدين ،وهذا له تأثير مباشر في انخفاض الاستثمار وتباطؤ النمو الاقتصادي في الدول ، وزياده البطالة ،ويؤدي أيضا الى الركود الاقتصادي بالتالي فان البنوك المركزية تلجا الى المقايضة بين خفض التضخم واعاقه النمو الاقتصادي اي بمعنى ان خفض التضخم سوف يكون على حساب اعاقه الازدهار الاقتصادي.
فيما يتعلق بالسياسة المالية للتخفيف من اثار التضخم قد تلجا الحكومات الى التدابير المالية مثل الاعانات وضبط الاسعار اي بمعنى التدخل في التسعير للسلع وايضا التحويلات النقدية المباشرة للأسر، لكن هذا الاجراء يزيد من الضغوطات على المالية العامة وخصوصا في البلدان التي تعاني من ارتفاع مستويات الدين العام اضف الى ذلك ان هذه الاجراءات تؤدي الى تشويه السوق اي بمعنى التدخل بشكل مباشر فيما يتعلق بالأسعار.(الأصل أن يتم تحديد السعر بناء على العرض والطلب ).
ومن الاجراءات التي من الممكن ان تخلق توازن بين مكافحه التضخم ودعم النمو الاقتصادي اتباع بعض الدول سياسه نقديه مرنه تتعلق برفع سعر الفائدة ، والتدخل المباشر فيما يتعلق باليات تثبيت سعر صرف العملة المحلية مقابل العملات الاجنبية وذلك لمنع هروب راس المال وانخفاض قيمه العملة.
ومن الممكن اذا تحدثنا عن جانب العرض قيام الدول بالاستثمار في البنيه التحتية للطاقة اي بمعنى تنويع مصادر الطاقة والاستثمار في الطاقة المتجددة اي بمعنى اللجوء الى الطاقة الخضراء ، وايضا من الممكن لمعالجه التضخم اعطاء الاولوية للاستثمار في البنيه التحتية والتكنولوجيا الزراعية بالتالي زياده الانتاج الغذائي.
فيما يتعلق بالسياسة المالية التي تهدف الى الموازنة بين التضخم والنمو الاقتصادي قيام الحكومات بتقديم الاعانات للفئات الاكثر تأثرا من ارتفاع الاسعار للغذاء والطاقة من خلال تحويلات نقديه او قسائم غذاء بالتالي المساعدة في التخفيف من اثار التضخم.
ان النجاح في محاربه التضخم وتعزيز النمو الاقتصادي من الممكن ان ينجح من خلال التنسيق بين السياسة المالية والنقدية بالتالي يجب على صناع السياسة النقدية عدم التشدد في تطبيق السياسات بالمقابل يجب على صناع السياسة المالية العمل على تحسين الاستدامة المالية واصلاح انظمه التقاعد والحد من الهدر الحكومي بالإضافة الى توسيع قاعده الايرادات الحكومية دون المساس بدخل الفئات الفقيرة والمتوسطة.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/16 الساعة 20:59