'الارتدادات' المُنتظرة لسقوط النظام السوري
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/15 الساعة 03:17
ليس من المبالغة القول إن سقوط النظام السوري بهذا الشكل السريع والدراماتيكي يشكل «زلزالاً» في منطقة الشرق الأوسط، وعلى هذا الأساس فلا بدّ أن تكون له ارتدادات عديدة على سوريا نفسها، وعلى إقليم الشرق الأوسط، بل وعلى المستوى العالمي كذلك، فما هذه الارتدادات يا تُرى وكيف يمكن أن تتفاعل وتتمخض عن تغييرات كثيرة ومهمة؟
أولاً: على الصعيد السوري:
بعد أن عاشت سوريا لمدة (50) عاماً تقريباً تحت حكم آل الأسد (حافظ ثم بشار ومنذ عام 1971 وإلى عام 2024) بما اتصف فيه من سلطوية، وعائلية، وطائفية، فإنّ من المُرجح أن يتجه نظام الحكم المستقبلي (وبغض النظر عن طبيعة بعض المكونات كهيئة تحرير الشام) إلى التشاركية، والمؤسساتية، واللامركزية، وبخاصة أنّ هنالك عدة فصائل منضوية تحت راية «المعارضة» السورية، وهذه قد تختلف في أمور كثيرة ولكن من المنطقي -بعد كل ما حدث- ألّا تنكر حق الشعب السوري في الاحتكام إلى القانون، والقبول بمرجعية المؤسسات، والسماح بقدر معقول من الحريا?، ولعلّ البدايات الأولى التي ظهرت مع دخول «المعارضة» إلى المدن السورية، وبيانات بعض قادتها ينبئ بذلك وبوضوح.
ثانياً: على الصعيد الإسرائيلي:
لقد سعد نتنياهو بسقوط النظام السوري واعتبره «يوماً تاريخياً» وذلك من منطلق أنّ سوريا كانت «درة التاج» أو «واسطة العقد» في تحالف ما سُمي «بالممانعة والمقاومة». إن من المتوقع تماماً أن النظام الجديد لن يبقى على التحالف مع إيران وبالتالي لن يكون حلقة الوصل في طريق إيران، العراق، سوريا، لبنان، وإنّ مما لا شك فيه أن هذا إنجاز لإسرائيل ولو أنه من المعروف أيضاً أن النظام السوري السابق (طوال فترتيه) لم يطلق طلقة واحدة على إسرائيل لتحرير الجولان بعد عام 1974، كما أنه كان يتغاضى عن استباحة الطيران الإسرائيلي للأراضي?السورية مردداً عبارته الشهيرة «نحتفظ بحق الرد في الزمان والمكان المناسبين»، ومن الجدير بالذكر أن إسرائيل استغلت الساعات الأخيرة للنظام السوري فاحتلت الجزء السوري من جبل الشيخ، والمنطقة العازلة في «القنيطرة» وفقاً لاتفاقية فصل القوات عام 1974، فضلاً عن تدميرها لمعظم الموجودات العسكرية السورية من طائرات، وسفن، ومطارات، ومجمعات بحوث.
ثالثاً: على الصعيد التركي:
لعلّه لم يكن خافياً أن القوة الإقليمية الكبرى التي كانت وراء هجوم المعارضة الأخير هي تركيا، وهي مدفوعة بدافعين أساسيين أولهما: تأمين حدودها وبالذات من غريمها اللدود حزب «العمال الكردستاني»، والحيلولة دون ولادة دويلة كردية تمهد لها قوات سوريا الديمقراطية «قسد» الآن في شمال شرق سوريا حيث تحتل حوالي 20% من الجغرافيا السورية، وثانيهما: ضمان عودة اللاجئين السوريين (4 ملايين تقريباً) من تركيا إلى بلادهم حيث شكل هؤلاء نوعاً من العبء على الاقتصاد التركي، الأمر الذي أدى إلى انخفاض شعبية الحزب الحاكم وهو حزب العدالة?والتنمية الذي يتزعمه «أردوغان». إن من المفهوم تماماً أن تركيا في ضوء انتصار المعارضة سوف تحاول استثمار هذا الانتصار وتحقيق هدفيها المُشار إليهما آنفاً.
رابعاً: لبنان:
لقد شكل حزب الله عاملاً مهماً في «الحلف الإيراني» في المنطقة، وقد قاتل بنجاح كما هو معروف إلى جانب النظام السوري السابق مع بدايات الثورة السورية في عام 2011، أما الآن وقد ضربته إسرائيل (وإن لم تهزمه أو تقضِ عليه كما اعترف «اوكستين» الأميركي عرّاب وقف إطلاق النار في لبنان) فإنه سوف يواجه انقطاع الإمداد الإيراني عبر سوريا، وليس بعيداً أن يصبح أكثر تقبلاً لفكرة دمج قواته في قوات الجيش اللبناني، مكتفياً بدور سياسي واجتماعي مُميّز كممّثل للطائفة الشيعية في لبنان.
خامساً: الأردن:
لقد عانى الأردن كثيراً من اضطراب الوضع السوري خلال حكم النظام السابق حيث تحمل عبء لجوء حوالي مليونين من الأشقاء السوريين، وقد اضطر لتحشيد قوات كبيرة ومهمة على حدوده الشمالية والشرقية لمقاومة تهريب المخدرات وغيرها، فضلاً عن معاناته من وجود بعض «الميليشيات» الإيرانية الهوى والدعم على حدوده الشمالية، وذلك فضلاً عن توجسه الدائم من تنظيم داعش (ما يُسمى بتنظيم الدولة الإسلامية) الذي يتمترس في البادية السورية، ولذا فإن من المنطقي أن الأردن سوف يرتاح قليلاً ولو إلى فترة من هذه المخاطر على حدوده وبخاصة إذا اتخذ الن?ام الجديد الذي ستفرزه المعارضة الخطوات اللازمة للحد من هذه المخاطر على الحدود الأردنية، وبالطبع فإنّ هذا سوف يأخذ وقتاً ولذا فإن الأردن لا يستطيع إلا أن يظل مستيقظاً على الدوام، وعلى أهبه الاستعداد لكافة الاحتمالات.
سادساً: على الصعيد الدولي:
أن من الواضح أنّ روسيا خسرت حليفاً مهماً في منطقة الشرق الأوسط حيث لها قاعدتان مهمتان فيها: البحرية في طرطوس (وهي استجابة لحلم روسي قديم في الوصول إلى المياه الدافئة)، والجوية في «حميميم»، ولكن المتوقع أن تكون روسيا ذكية بحيث تحافظ على وضعها وإن لم يكن بالمستوى السابق، وبخاصه أنها كانت -كما قالت- على تواصل دائم مع كافة مكونات المعارضة، أما الولايات المتحدة فليس مُستبعداً أن تغادر سوريا كما قال «ترامب» أكثر من مرة (لها قاعدة كبيرة في التنف) ولكن مع الاحتفاظ بنفوذها من خلال قوات «سوريا الحرة» التي دربتها، وم? خلال قوات «سوريا الديمقراطية» الكردية التي تدعمها دوماً، وذلك فضلاً عن وجود حليفتها الاستراتيجية والدائمة في المنطقة: إسرائيل، وباختصار فإن القوات الأميركية قد تترك المنطقة عاجلاً أو آجلاً ولكن نفوذها سوف يبقى قوياً بشكل أو بآخر.
هل هذه كل ارتدادات «الزلازل» السوري؟ بالتأكيد لا ولكن هذه قد تكون من أهمها ومن يعشْ يَر.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/15 الساعة 03:17