استقرار الأردن وأمنه.. كان وما زال وسيبقى
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/15 الساعة 03:16
نرى ما نراه حولنا من حروب ومعارك وسقوط أنظمة، نسمع ما نسمعه من مآسي وويلات، ونشهد ما نشهده من أحداث ومتغيرات من حولنا. وفي ظل التحديات الإقليمية المتصاعدة، والأزمة السورية المتفاقمة، بات الحفاظ على استقرار الأردن ووحدة صفه الداخلي مسألة تتطلب أقصى درجات الحذر والمسؤولية. لكن، أين هو الأردن في هذا المحيط المتوقد في كل ما تعنيه الكلمة من معنى؟
الأردن دولة ثابتة وقوية ورصينة ورزينة. نعم، هذا هو الأردن وهذه هي الإجابة المباشرة لكل متسائل. ولكن لماذا؟
يُعرف الملك عبدالله الثاني بقدرته على اتخاذ القرارات الحكيمة في الأوقات العصيبة ويتمتع بشجاعة سياسية وعسكرية في مواجهة التحديات الأمنية. منذ توليه العرش، تمكن من الحفاظ على استقرار الأردن رغم الظروف الإقليمية الصعبة التي تمر بها المنطقة، مثل الحروب في سوريا والعراق والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. جلالة الملك هو أحد أبرز قادة العالم الذين يتبنون سياسة الوساطة في النزاعات الإقليمية وبفضل سياسته المتوازنة، يتمتع الأردن بمصداقية عالية في تقديم الحلول السلمية. وقد أكد جلالة الملك عبدالله الثاني أن نعمة الأمن والا?تقرار التي يتمتع بها الأردن لم تأت صدفة، وأضاف مراراً وتكراراً أن هذه النتيجة جاءت بسبب جهد وعزيمة وإخلاص الأردنيين. كما أكدّ أن النهج الإصلاحي الذي اتبعه الأردن قائم على التدرج والتوافق ومشاركة الجميع، للوصول إلى الهدف المنشود والمتمثل في «حكومات برلمانية في ظل ملكية دستورية جامعة». لقد كانت أحداث ما يُعرف بـٍ"الربيع العربي»، والتي عبرها الأردن بأمان، فرصة لإعادة تقييم الأوضاع في الداخل الأردني، بما ينسجم مع التحديات التي فُرضت على المنطقة.
يَعرِف جلالة الملك وكذلك الشعب الأردني أن الأردن مستهدفٌ لأنَّه اختار الاعتدالَ لغةً في علاقاتِه الإقليمية والدولية مع تمسُّكِه الصارمِ بحريةِ قرارِه رافضاً ضغوطَ الجغرافيا والاندفاعاتِ الإقليمية. كما أنه معروف للجميع، عربياً ودولياً، أن استقرارُ الأردن حاجةٌ عربيةٌ ملحةٌ لأنَّ غيابَ هذا الاستقرار سيُحدث إخلالاً كبيراً وخطيراً بموازين القوى الإقليمية. ان سياسة الأردن الخارجية المتزنة، سببت النجاح لسنوات طويلة في تجنيب الدولة الأردنية من ويلات الصراعات التي تعصف بالمحيط، وقد استند الأردن إلى رؤية سياسية واض?ة تقوم على الحفاظ على مصالحه الوطنية وحماية أمنه القومي. فالسياسة الخارجية الأردنية تتميز بالحياد النسبي والوساطة بين الدول المتنازعة في المنطقة. ويتمتع الأردن بسمعة دبلوماسية قوية في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، حيث يعمل على تعزيز السلام والأمن الإقليمي والعالمي. وكنتيجة للجهود الأردنية بقي الاستقرار من السِمات البارزة للدولة الى اليوم، وهو من المزايا التي ساعدت الأردن على ممارسة سياسة خارجية أكثر فاعلية لتحقيق أهدافها، وأعطته صورة فاعلة وقوية في الخارج.
يمكن القول إن الأوضاع في الأردن في السياق العام فريدة على الصعيد العربي، بالرغم من التهديدات الخارجية والاقتصادية.
ورغم التحديات الاقتصادية، يساهم النمو الاقتصادي وتحقيق بعض الاستقرار المالي في تعزيز الاستقرار الداخلي، حيث تساهم السياسة النقدية والمالية الحكيمة في منع حدوث اضطرابات اقتصادية قد تهدد الأمن. لكنه من المهم القول وبكل وضوح أن أي محاولة لهز الاستقرار في الأردن ستفشل نظراً للُحمة الشعب مع قيادته الهاشمية ولقوة الجيش الأردني والتفافه حول الملك عبدالله الثاني وللنهج المدروس الذي يتبعه الأردن.
نعم، إن هذا الواقع المُمتد على مدى عقود طويلة يُخبرنا ويُنبئنا بأن الأمن القومي الأردني كان قوياً ومتماسكاً وصلباً وسيبقى كذلك نِتاجاً للنهج المعتدل في النظام السياسي والأمني في المملكة. الأردن يُظهر قدرة كبيرة على مواجهة التحديات من خلال تعزيز التعاون الإقليمي والدولي، وتطوير استراتيجيات أمنية شاملة لمكافحة الإرهاب، وتحسين الوضع الاقتصادي الداخلي عبر مشروعات تنموية. استقرار الأردن اعتمد على عدة عوامل منها السياسية، الأمنية، الاقتصادية، والدبلوماسية. رغم التحديات التي يواجهها بسبب موقعه الجغرافي والظروف ال?قليمية المحيطة به، الاّ أن المملكة استطاعت الحفاظ على استقرارها من خلال تكامل هذه العوامل، وهو ما يجعلها دولة محورية في المنطقة.
أما على الصعيد الداخلي، ورغم وجود بعض التحديات الاقتصادية واللاجئين، فإن الحكومة الأردنية تبذل جهودًا كبيرة لتعزيز التماسك الاجتماعي بين مختلف فئات المجتمع، كما أنها تعمل على برامج اجتماعية لتخفيف الفقر والبطالة بما أتيح لها من قدرات، مثل مشاريع التدريب المهني والمساعدات الاجتماعية. وتعمل الحكومة على دعم القطاعات الاقتصادية الأساسية مثل الطاقة، المياه، والتعليم. وتسعى الحكومة باستمرار لتقديم برامج لدعم الأُسَر الأكثر فقراً والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والتي تساهم في تقليل الفجوة الاجتماعية، بالإضافة الى جهو?ها في تعزيز العدالة الاجتماعية وتقليل الفجوات الاقتصادية من خلال سياسات توجيه الدعم للفئات الأقل حظاً.
وعلى الصعيد الدبلوماسي تقوم الحكومة الأردنية بتشجيع الحوار السياسي وتعمل على دعم استقرار المنطقة وتعمل أيضاً بشكل وثيق مع الأمم المتحدة، ومنظمات حقوق الإنسان، والاتحاد الأوروبي لضمان التنمية المستدامة في المنطقة. بالتالي فان الحكومة الأردنية تعمل على تعزيز استقرار الأردن من خلال سلسلة من الجهود الاقتصادية، الاجتماعية، والدبلوماسية لمواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
ختاماً ان استقرار الأردن وأمنه لا يعتمدان فقط على قوة الأجهزة الأمنية والعسكرية، بل يشمل أيضًا القدرة على التأثير في المشهد الإقليمي والدولي من خلال الدبلوماسية الحكيمة التي يتمتع بها جلالة الملك عبدالله الثاني الذي يمتاز بالحنكة وبالتواضع والانفتاح على الشعب، ومن خلال استراتيجيات متعددة ومرونة في التعامل مع التحديات التي يواجهها الأردن وبالتالي يبقى نموذجًا للاستقرار في منطقة تشهد صراعات متواصلة وحروباً دامية.
محامٍ وخبير قانوني
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/15 الساعة 03:16