النوافلة تكتب: الدم الإنساني خط أحمر يجب أن يبقى مقدساً مهما كانت الظروف
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/13 الساعة 16:23
قبل البدء، لن اتحدث في مقالتي هذه عن أنواع الانتهاكات العديدة والاهانات البشرية التي سمعناها او رأينا بعضاً منها عبر شاشات اجهزتنا المحمولة، وسأختصر الحديث هنا عن سفك الدماء.
لا يمكن تبرير الجرائم التي تصل لحد وفاة أي انسان تحت التعذيب أو التغاضي عنها تحت أي ذريعة أيديولوجية، سواء كانت يسارية، بعثية، علمانية، أو حتى دينية. الواقع السوري وغيره من الثورات في العالم العربي كشف النقاب عن ازدواجية خطيرة في المواقف حيث رأينا أطرافاً تدّعي الإنسانية والعدالة تقف في صف الأنظمة القمعية لمجرد خوفها من الإسلام السياسي أو خلافها مع توجهات الثورة.
ولعل ظاهرة اختزال الآراء في ثنائية إما معي أو ضدي تتكرر اليوم مع مواقف بعض اليساريين والعلمانيين الذين لم يتمكنوا من تجاوز عقدهم تجاه الإسلاميين، فوقفوا ضد الثورة خوفاً من صعود تيارات دينية متجاهلين أن الثورة كانت، ولا تزال صرخة إنسانية قبل أن تكون صراعاً أيديولوجياً.
الحقيقة أن الدماء التي أريقت على أيدي الأنظمة القمعية لا يمكن بأي حال من الأحوال تبريرها. ومثلها الجرائم التي ارتكبتها الجماعات المتطرفة، إلا أن الفارق يكمن في أن من يقف إلى جانب الأنظمة القمعية يمنحها صك غفران دائم ويدعم كل ممارساتها دون مساءلة. في المقابل، فإن الجماعات المتطرفة، وأعني هنا الإسلامية تحديداً، واجهت تحديات كبيرة أأبرزها رفض المسلمين أنفسهم لها، واعتبارها جماعات تسيء لدينهم وتشوه صورته بوصفه ديناً إرهابياً. وهنا يبرز السؤال التالي: هل تملك التيارات اليسارية، البعثية او العلمانية الجرأة للاعتراف بأخطائها كتيارات فكرية؟ وهل لديها الآن ما يبرراخلاقياً مسلكيات بعض مع الصقوا انفسهم بها؟
أما بالنسبة للمثقف الأردني، فإن مسؤوليته مضاعفة في الوقوف على حد الحياد الأخلاقي، لا سيما أنه على مدى عقود الحكم الهاشمي لم يعانِ من ظلم يجبره على تبني مواقف تصل إلى حد تبرير الدم أو الانحياز الأيديولوجي الأعمى. فالأردن ظل نموذجاً فريداً في المنطقة في وسطية العمل السياسي به، فالأحزاب الإسلامية واليسارية أدت أدوارها السياسية جنباً إلى جنب ضمن أطر سياسية وسلمية، ولم يشهد تاريخنا أي صراعات دموية أيديولوجية كالتي عاشتها دول أخرى. هذا الإرث يجعل من المثقف الأردني شاهداً محايداً، قادراً على أن يضع الإنسانية فوق كل اعتبار، وأن يرفض المزايدات الفكرية التي تسوغ القتل أو تبرر الجريمة.
اليسار الأردني، كما الإسلامي، مدعو اليوم إلى استلهام هذا التاريخ الوطني القائم على التعايش، وتجاوز المواقف الانفعالية التي تتغاضى عن الدماء لأجل صراعات أيديولوجية أو خوف من الآخر. فالدم يجب أن يكون معياراً ثابتاً لتقييم المواقف، لا مجال فيه للتبرير أو التساهل. وإذا لم تكن الإنسانية فوق كل الأيديولوجيات، فسنظل ندور في حلقة مفرغة من الظلم والانتقام.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/13 الساعة 16:23