الطويسي يكتب: الأردن أول من كشف عن جرائم السجون السورية وعلى لسان مرتكبيها
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/12 الساعة 15:49
مع تزايد الحديث عن جرائم النظام السوري السابق بحق شعبه، وخصوصاً القابعين منهم في أقبية السجون المختلفة، والتي كشف صيدنايا عن جزء من فضاعتها وهول ما كان يرتكبه السجانون بحق المعتقلين حتى وأن لم يتم ادانتهم بأي جرم، فإنه يسجل للأردن وسلطاته الأمنية، بأنها أول من كشف جرائم السجون السورية وعلى لسان مرتكبيها.
وقبل أن يكون صيدنايا هو جحيم سوريا وصندوقها الأسود، كان هناك سجن تدمر، الذي صنف بأنه من أسوأ سجون العالم وأكثرها وحشية، والذي شهد تصفية الآلاف من معارضي النظام أو ممن تم الصاق التهم السياسية بهم، وفيه أرتكبت واحدة من أهم جرائم النظام بحق المعتقلين، والمعروفة بمجزرة سجن تدمر عام 1980.
ما هي مجزرة سجن تدمر
على خلفية محاولة اغتيال حافظ الأسد عام 1980 واستهدافه بقنبلتين يدويتين تلاها اطلاق نار واتهام جماعة الأخوان المسلمين بهذا الاغتيال، قرر رفعت الأسد شقيق حافظ الانتقام من الإخوان عبر مداهمة أكبر تجمع لهم وهو سجن تدمر.
يروي خالد العقلة وهو معتقل في تدمر آنذاك عبر لقاء بثه تلفزيون سوريا المعارض، أنه حضرت عناصر من سرايا الدفاع عبر طائرات هليكوبتر، ودخلوا السجن بمساعدة السجانين، وقاموا بفتح المهاجع والقاء قنبلة يدوية على السجانين، تلاها اطلاق نار كثيف، راح ضحيته عدد كبير من المساجين، يقدر بين 600 – 1200 ولا يزال الرقم الحقيقي غير معروف.
ولم يكتفِ عناصر سرايا الدفاع والسجانون آنذاك بذلك، وإنما قاموا بتمرير جثث الموتى من أمام سجان كان يحمل سيخاً طويلاً ويضعه في بطن السجين ليتأكد بأنه قد قارق الحياة –وفقاً لشهادة العقلة، وتم اكتشاف عدد قليل منهم على قيد الحياة، ليتم اعدامهم رمياً بالرصاص فيما بعد..
يصف العقلة وهو من الناجين لأنه كان من المعتقلين المتهمين بولائهم إلى بعث العراق آنذاك، المجزرة التي حدثت بالمهولة، لدرجة أن المهجع الذي كان فيه قد سلم أمره للموت، وبدأ أفراده بالصلاة والتدافع نحو الباب ليلقوا مصيرهم.
وفي كتابه الذي يحمل عنوان "ناج من المقصلة" يروي الشاب الحلبي محمد برو، أنه حينما دخل إلى سجن تدمر، فإن آثار الرصاص الناتج عن المجزرة وبقايا لحم المساجين الذين تم تصفيتهم بقيت عالقة على أعلى الجدران، وقام ورفاقه بتنظيفها..
يؤكد العقلة وهو من شهود العيان القليلين الذين رووا شهاداتهم، أن تصفية المساجين كان عشوائي وأن هناك أبرياء كثر منهم، وأن التهمة الوحيدة لهم كانت أنهم من الاخوان المسلمين أو من المشتبه بانتمائهم إلى الجماعة..
كيف كشفت الأردن هذه المجزرة إلى العالم
في شباط من عام 1981 أعلنت السلطات الأردنية، أن جهاز المخابرات العامة، قد ألقى القبض على عناصر من المخابرات السورية قد قدمت إلى الأردن لاغتيال رئيس الوزاء آنذاك وهو مضر بدران.
وكانت المفاجأة كما يوثق الأردني محمد سليم حماد وهو معتقل سابق في سجن تدمر في كتابه "تدمر.. شاهد ومشهود" أن من تم القاء القبض عليهم كانوا عناصر من سرايا الدفاع المشاركين في مجزرة سجن تدمر، وهو ما اعترفوا به من خلال تحقيق المخابرات الأردنية.
ووصفت إفادة الرقيب آنذاك عيسى ابراهيم فياض وهو عنصر في سرايا الدفاع، ما حدث في تدمر من مجزرة بالتفصيل وأسماء غالبية المتطورطين في هذه المجزرة، وكيف قام هو وزملائه بإطلاق النار على المساجين العزل وهم في زنانيزن سجن تدمر حتى فارقوا الحياة.
وتلا هذه الشهادة أيضاً شهادة عنصر آخر يدعى العريف أكرم علي جميل بيشاني وهو أيضاً من سرايا الدفاع وشارك كعنصر احتياط ضمن عناصر مجزرة سجن تدمر، وشهادة طه الخالدي الذي أكد أنه عرف أن المجزرة نتج عنها نحو 700 قتيل وتم دفنهم بواد شرق تدمر.
وشكلت هذه الاعترافات التي بثها التلفزيون الأردني آنذاك، صدمة كبيرة للنظام السوري، لدرجة أنه عمل على تشويش وصول البث التلفزيوني الذي كان يغطي مناطق واسعة من سوريا آنذاك، كما أنها كانت بمثابة مادة إخبارية هامة، تناقلتها وسائل ووكالات الاعلام في ذلك الوقت.
أدب سجن تدمر يستشهد بالدور الأردني في كشف مجزرة سجن تدمر
من يطالع أدب السجون في العالم العربي وفي العالم بأسره، يرى أن من أكثر المؤلفات في هذا المجال، هو ما أنتجه الناجون من سجون نظام الأسد في سوريا.
ولعل من أشهر المؤلفات التي ترجمت بلغات عالمية عدة هي رواية "القوقعة.. يوميات متلصص" لمصطفى خليفة، والتي تستشهد أيضاً بتحقيقات المخابرات الأردنية كدليل قاطع على مجزرة سجن تدمر.
كما يستشهد الحلبي محمد برو في كتابة "ناج من المقصلة" ومحمد سليم حماد في كتابه "تدمر.. شاهد ومشهود" وبراء السراج في كتابه "من تدمر إلى هارفرد" وعبدالله الناجي في كتابة "حمامات الدم في سجن تدمر" وغيرهم كتاب آخرين، بتحقيقات المخابرات الأردنية، إضافة إلى برامج تلفزيونية ووثائقية لمحطات عربية وعالمية، اقتبست الاعترافات التي بثها التلفزيون الأردني آنذاك بالصوت والصورة.
دعوة للحساب والحمد
بعد هذا العرض للدور الأردني في الكشف عن أهم مجازر النظام السوري بحق السجون وهي "مجزرة سجن تدمر" وما أوردته التحقيقات من وقائع وأسماء، فإنه لا بدّ من أن تقوم محكمة سورية أو دولية عادلة، باستكمال دور الأردن ومحاسبة كل المتسببين بهذه المجزرة التي أودت بحياة مئات الأبرياء، دون الاعلان عن وفاتهم أو استخراج قيد وفاء لهم، ولا بدّ من محاسبة كل من أزهق روحاً انسانية في هذه المجزرة واستهان بدم أبناء وطنه..
أما الدعوة الثانية فهي للأردنيين الذين كشف جهازهم "المخابرات العامة" الذي نعتز بدوره الوطني، ونقدر معاملتهم الراقية وإنسانيتهم وتعاونهم وحبهم لأبناء وطنهم، ونفتخر بما يقوموا به من جهد في سبيل حماية الأردن وأمنه واستقراره.. دعوتي لهم بأن يحمدوا الله على نعمة الأردن وقيادته ومؤسساته الأمنية وسجونه.
هل سمعتم في يوم من الأيام بمجازر ارتكبت في سجوننا؟! أو عن حالات إعدام لغير المجرمين؟! أو تصفيات لسياسيين؟!! ألا يعيش الأخوان المسلمين وغيرهم من التيارات السياسية في وطننا سالمين آمنين؟..
حمى الله الأردن أرضاً وقيادة وشعباً.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/12 الساعة 15:49