مهيرات تكتب: التحديات الاجتماعية والسياسية للمرأة في الأردن: من أجل تعزيز دورها في ظل حملة مناهضة العنف'
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/10 الساعة 12:49
يعد الإقصاء الاجتماعي والسياسي احد أشكال العنف للمرأة
اما في الأردن فالقضية معقدة تعكس تداخل الأبعاد الثقافية، الاجتماعية، والقانونية التي تحد من دورها في الحياة العامة. على الرغم من الجهود المبذولة من قبل الحكومة ومنظمات المجتمع المدني، إلا أن الفجوة بين الجنسين ما زالت قائمة في العديد من المجالات. على سبيل المثال، في انتخابات عام 2024، بلغ تمثيل المرأة في مجلس النواب 19.5% فقط، وهو أقل من المتوسط العالمي، ومعظم هذا التمثيل تحقق بفضل نظام الكوتا. ورغم أن هذا التمثيل قد يبدو تقدمًا، إلا أنه يكشف عن غياب تنافسية حقيقية للنساء في الساحة السياسية، بسبب الثقافة المجتمعية السائدة التي تفضل الرجال في مواقع القيادة.
من الناحية الاقتصادية، الوضع ليس بأفضل حال. حيث تبلغ نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل بالكاد 15%، مما يجعل الأردن من بين أدنى الدول في العالم من حيث مشاركة المرأة اقتصاديًا. الأسباب متعددة، بدءًا من عدم توفر وسائل نقل عامة آمنة وميسرة، مرورًا بغياب حضانات الأطفال في بيئات العمل، وصولًا إلى تدني الأجور التي تجعل العديد من النساء يفضلن البقاء في المنزل. الأرقام تعكس الواقع: 47% من النساء في الأردن يعزفن عن العمل بسبب غياب وسائل النقل المناسبة، وهو ما يشكل عائقًا رئيسيًا أمام انخراط المرأة في الحياة الاقتصادية. هذه التحديات لا تؤثر فقط على النساء، بل تمتد آثارها إلى الاقتصاد الوطني، حيث يتم إهدار قوة بشرية كبيرة يمكن أن تساهم في تعزيز النمو والتنمية.
رغم ذلك، لا يمكن إنكار وجود تقدم ملحوظ في بعض الجوانب. فقد حقق الأردن درجة 59.4 من 100 في مؤشر "المرأة وأنشطة الأعمال والقانون" لعام 2024، وهي خطوة إيجابية تعكس الإصلاحات التشريعية التي تم تنفيذها في السنوات الأخيرة. ويُعد الأردن من أوائل الدول التي مكنت المرأة في مجال التعليم، وعملت على مجموعة من الإصلاحات التي تشمل قوانين تمنع التمييز الجنسي وتحمي النساء من التحرش في أماكن العمل. لكن التحدي الحقيقي يكمن في ترجمة هذه الإصلاحات إلى واقع ملموس يمكن للنساء الاستفادة منه.
القصة تتكرر في المناصب القيادية، حيث تشغل النساء أقل من المطلوب من المناصب العليا في القطاع العام، ما يعكس مدى محدودية تأثيرهن في صنع القرار. إضافة إلى ذلك، يعوق ضعف حضور النساء في الأحزاب السياسية فرصهن في التأثير على السياسات العامة، مما يكرس التهميش على مستوى أوسع. اللافت أن النساء أنفسهن يعانين من تحديات داخلية تتعلق بثقتهن في الذات وقدرتهن على كسر الحواجز التي فرضتها عليهن التقاليد.
ولا يجب أن ننسى تأثير النزاعات والحروب المحيطة بنا التي أثرت على ضعف تمكين المرأة في الأردن اقتصاديًا واجتماعيًا. ففي ظل تزايد الضغوط على الموارد المحدودة وقلة فرص العمل، تضعف استقلالية المرأة؛ أما اجتماعيًا، فقد نجد ارتفاعًا في معدلات العنف الأسري والزواج المبكر. ورغم هذه التحديات، تشارك النساء في الأنشطة المجتمعية والعمل الإنساني، مما يعزز دورهن في مواجهة الأزمات والمساهمة في التنمية. ويعكس ذلك الجهود المبذولة لتغيير هذا الواقع، وتشمل حملات التوعية المجتمعية لتحطيم الصور النمطية المرتبطة بدور المرأة، ودعم المشاريع الصغيرة التي تقودها نساء، وتوفير بيئة عمل أكثر ملاءمة للأمهات. كما تسعى الحكومة لتعزيز دور المرأة في المحافل الدولية، على أمل أن تنعكس هذه الجهود على المستوى المحلي.
القضية ليست مجرد أرقام أو إحصائيات، بل هي معركة من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة. إن التهميش الاجتماعي والسياسي للمرأة لا يقتصر تأثيره على النساء فحسب، بل يمتد ليؤثر على المجتمع ككل، مما يجعل معالجته ضرورة لا يمكن تأجيلها. ويبقى الأمل معقودًا على جهود وطنية شاملة تتضافر فيها الإرادة السياسية مع وعي مجتمعي متزايد، لتحقيق التغيير المنشود وتحويله إلى واقع ملموس.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/10 الساعة 12:49