سقوط الأنظمة الشمولية

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/10 الساعة 11:51

أين ستذهب سوريا بهذا الكم الهائل من الصور للرئيس الهارب؟.. هذا سؤال يستحق الإجابة، صحيح أن الصور ستحرق وبعضها سيرمى.. لكن الخطورة تكمن في محو الصورة من الذهن وليس من على الحائط..

أتذكر أننا في العام (2000) جلسنا مع رئيس تحرير مجلة (دير شبيغل).. في المانيا وتحدث لنا عن انهيار جدار برلين، قال جملة غريبة ما زلت أذكرها.. وظلت للآن عالقة في رأسي: (لقد انهار الجدار على الأرض لكنه ما زال موجودا في العقل الألماني)..
أين ستذهب سوريا بدريد لحام؟ وهو فنان عظيم عرّى الواقع العربي ومارس النقد للمجتمعات والأنظمة لكنه في كل الأزمة ظل مع النظام السوري لا بل سانده بقوة.. هل سيعتبر دريد لحام في هذه الحالة معاديا للثورة؟.. هل سيسجن، يعتقل.. أم يبحث عن لجوء إلى بلد يداري فيه شيبه.
النظام سقط على الأرض، لكن الذين شبوا وتربوا في برنامجه البعثي (طلائع البعث).. هل سينسون هذا التاريخ؟.. الذين بكوا وارتموا على الشوارع وخرجوا بالملايين حين توفي حافظ الأسد هل يستطيعون محو صورهم من أرشيف التلفزة العالمي؟.. المئات من المثقفين والفنانين الذين هبوا خلف الجيش السوري وأدانوا الثورة والتقطوا الصور مع الزعيم الخالد، حتى أن بعضهم لبس زي الجيش السوري وقرر الانخراط في المعركة.. هل سينقلبون على ماضيهم؟
النظام سقط على الأرض لكن هل يستطيع الذهن السوري محوه من الذاكرة.. أو محو تأثيرات (54) عاما من الحكم..
الأنظمة الشمولية حين تسقط على الواقع، تبقى في الذهن.. تبقى تأثيراتها الأيديولوجية ومشاريعها، تبقى ثقافتها وما أشاعت في المجتمع من معتقدات.. ما زال (المودونون) الليبيون للآن، يعيدون نشر خطابات معمر القذافي.. ما زالت صور صدام تجتاح العالم العربي، ما زال مبارك في مصر، حالة تحظى باحترام فئات عريضة من المجتمع.
من يعتقد أن سوريا تغيرت هو واهم، الذي تغير هو الأرض.. لكن الذهن لم يتغير بعد، فالنظام كان له تحالفات داخل المجتمع.. هل ستسقط هذه التحالفات بهذه السهولة؟
ذكاء الثورة السورية يكمن في أنها قامت بالعفو عن الكل، وقامت بفتح صفحة جديدة مع الكل.. وعليها أن تتعلم أن النظام الشمولي السوري الذي سقط.. كان قد تحالف مع كفاءات في المجتمع وعقول متنورة، هذا يعني أن ليس كل من عمل مع النظام هو عدو للشعب أو للثورة، سوريا الآن قبل أن تنتج نظامها الجديد تحتاج لقانون مصالحة وطني.. وتحتاج لإعادة الجيش وعدم التورط في حله.
كما قلت سقوط النظام على الأرض لا يعني سقوط تأثيراته وتحالفاته في الذهن.. لقد سقط الاتحاد السوفييتي في العام (1990).. لكن بولندا الدولة العظيمة التي عانت من مجازر الشيوعين والنازيين، للان لم تستطع هدم المركز الثقافي في منتصف وارسو والذي بناه ستالين في الحقبة الشيوعية وقدمه هدية للشعب البولندي.. ولم تستطع للان أن تتحرر من الثقافة الاشتراكية والنمط الاشتراكي.
من يعتقد أن الأنظمة الشمولية تسقط بسقوط الشخص واهم.. هي تسقط حين تلغى من الذهن ويبرز جيل جديد يحمل ثقافة وايديولوجيا مختلفة.
حمى الله سوريا.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/10 الساعة 11:51