مخرجات التحديث السياسي: حكومة جديدة بنكهة برلمانية
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/09 الساعة 08:06
لطالما عُرف عن الأردن مقارباته المُتدرجة في التعاطي مع أية مشاريع إصلاحية كُبرى تستهدف واقعه السياسي والاجتماعي والاقتصادي. فاتباع هذا النوع من المقاربات ينبع من الحرص على ضمان مخرجات تتناسب مع خدمة الأهداف وضمن سياق يُمكن استيعابه، وتطويره في المستقبل ضمن خطة متدرجة توصله في النهاية إلى تحقيق الغاية المرجوة بسلام. فالتدرج مطلوب لضمان التوازن عند الانتقال من مرحلة لمرحلة أخرى وذلك لما تحويه كل مرحلة من خصوصية ومستجدات ذاتية وموضوعية.
وعلى الرغم مما قد يحتمله وصف التدرج بين الرغبة في الانتقال من عدمها، إلا أن المفهوم الأردني لذلك يدخل ضمن سياق الرغبة ولكنها الرغبة الحذرة.
بالرغم من أهمية الحديث عن الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي، إلا أن هذا المقال سيُعنى فقط بتناول التحديث السياسي، والذي جرى على أساسه انتخاب مجلس النواب العشرين في 2024 وتشكيل الحكومة الجديدة. إن الالتزام الملكي بقيادة مسيرة الإصلاح يضمن تطبيق مخرجات لجنة التحديث السياسي بشكل واسع، ويمكن رؤية هذا الالتزام بوضوح من خلال قانوني الأحزاب والانتخاب الحاليين. فشمول القائمة الحزبية ضمن قانون الانتخاب يعني جدية الرغبة في الإصلاح السياسي والالتزام به، كما قد يُنظر لدخول حزبيّين للحكومة الحالية على أنه تحقيقٌ للشق الثاني من الالتزام وذلك بالانتقال للحكومات البرلمانية ضمن مدة زمنية معينة ببطء ولكن بثبات.
رائحة حكومات الأردن الخمسينية والستينية بدأت تعود بشكل جديد وبعقيدة سياسية وطنية، حيث يمكن استقراء ذلك اولًا من خلال وجود معارضة سياسية وطنية ذات خلفيات فكرية متعددة بمجلس النواب تختلف لأجل الوطن لا عليه. وهذا من شأنه أن يجعل من عمل الحكومة الحالية تحت مجهر المراقبة وهو ما ينبىء بقيامها بأعمالها بكل حرص ويقظة، وهو ما يسهم أيضًا بشكل فاعل في تجويد السياسات والأعمال الحكومية؛ لأنها مساءلة أو تحت المساءلة في أي ظرف.
وأيضًا قد يُنظر إلى الثقة الحذرة التي حصلت عليها الحكومة مؤخرًا باعتبارها مؤشرًا آخر على تجاوز الثقات العمياء وغير المحسوبة التي كانت تحصل عليها حكومات سابقة وجعلت منها مصدرًا لنقد الأردنيين باعتبارها ثقات وهمية ومريحة انعكست على الأداء الحكومي برمته.
كل ذلك وغيره–وآمل ذلك–قد ولّى إلى غير رجعة. إن حصول الحكومة الرابعة والأربعين الحالية على ثقة اثنين وثمانين من مجمل عدد مجلس النواب العشرين والبالغ مئة وثمانية وثلاثين عضوًا ينبئ بجدية المرحلة، وفرملة أدوار بعض المؤسسات تلك التي كانت فاعلة في التأثير على نسب الثقات في المجلس. لطالما أحسنت الحكومات والإدارات المختلفة العمل في ظل وجود معارضة وطنية؛ تسأل، وتستجوب، وتحاسب مدفوعة ببوصلة الوطن بعيدًا عما من شأنه أن يشوش أو يشتت التركيز.
وفي الوقت ذاته، فإن مجلس النواب مطالب وبشكل كبير أن يسهم في إنجاح هذه الانتقالة؛ إن تغليب مصلحة المواطن والوطن على ما سواهما، والسعي نحو العمل الاحترافي البرلماني حريٌ به أن يعيد الثقة التي فُقد جزء منها بهذه المؤسسة الشعبية، لأن تكون مصدرًا تشريعيًا ورقابيًا ينتمي لدستور المملكة الأردنية الهاشمية. ولا شك، أن للحكومة دورًا في ذلك؛ من خلال الابتعاد عن إظهار المجلس بصورة لا يرضاها المجتمع الأردني، وتفضيل بعض منهم على بعض بالامتيازات أو ما شابه.
لذا، فإن مسؤولية هذه الحكومة مُضاعفة، كون رئيسها آتياً من مكتب جلالة الملك، وبالتالي فإن المقاربات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وما دونها وفوقها يُنظر اليه بهالة العرش، فالتمثيل العادل للمكونات الاجتماعية في الحكومة يجب أن يكون عادلًا، كما ينبغي أن يكون المواطن محور عمل الحكومة، ومناطق الفقر لا بد من إعادة تأهيلها واحتوائها، بالإضافة إلى أن العدالة في اعادة التوازن بين دخول المدنيين والعسكريين مقارنة بطبيعة الأعمال بحاجة لإعادة نظر.
إن التخلص من التبعات الاقتصادية لبعض المناصب غير الضرورية أصبح أمرًا مُلحا: دمج والتخلص من بعض الهيئات ذات الاختصاص المزدوج مطلب مُلح، وأيضًا لا حاجة للأمناء العامين، فالمدير الإداري في الوزراة قادر، مع بعض التشجيع والصلاحيات وشيء من المردود المالي أن يقوم بذلك، وأنا على يقين أن الشعب الأردني سيستقبل هذا وما على شاكلته بفتح إصلاحي عظيم.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/09 الساعة 08:06