المساعده يكتب: لغة الخطاب في كلمات أعضاء مجلس النواب

أ.د. عدنان مساعده
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/08 الساعة 13:23

بداية كل الإحترام للسيدات والسادة أعضاء مجلس النواب الذين تربطني في عدد منهم معرفة وصداقة، والذي دفعني للكتابة في هذا الموضوع، وأنا أتابع كما تابع الكثيرون خطابات أعضاء مجلس النواب لمنح الثقة لحكومة دولة الدكتور جعفر حسان رئيس الوزراء الأكرم، وهنا لن أتطرق إلى مضمون ومحتوى مطالبهم بقدر ما أتطرق إلى لغة الخطاب التي تشي بأمر غريب عجيب يجب التوقف عنده، لأن لغتنا هي عنوان هويتنا ولا يجوز بحال من الأحوال أن ننحدر بمستواها ونحن نتحدث في مجلس تشريعي (مجلس النواب)، الأمر الذي يعكس أمام المتابع أن مدارسنا ومناهجنا عبر سنوات طويلة لم تؤسس قاعدة صلبة في إمتلاك أساسيات اللغة من قراءة وكتابة ومحادثة وفهم لمكنونات لغتنا عند هؤلاء السادة وغيرهم الذين كانوا يجلسون على مقاعد الدراسة في المدرسة أو الجامعة.

ولم تكن هذه الأخطاء موجودة في خطابات بعض السادة النواب فحسب، ولكنها للأسف موجودة أيضا في لغة خطاب بعض المسوؤلين الذين يفتتحون فعالية هنا أو مؤتمرا هناك. فالتراجع في مستوى الوعاء اللغوي يؤشر الى تراجع في مستوى التعليم المدرسي والجامعي، ناهيك عن الأخطاء اللغوية والنحوية في المخاطبات الرسمية في المؤسسات ومنها التعليمية، بعد أن كان التعليم في الأردن مثلا يحتذى محليا وإقليميا، حيث ساهم المعلم الأردني ومنذ السبعينيات من القرن الماضي ولعدة عقود في تأهيل وتدريب وتعليم الطلبة في عدد من الدول العربية في المغرب والكويت وقطر والبحرين وعمان واليمن والامارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، وفي الوقت ذاته كان الطالب في مدراسنا يمتلك القدرات الكبيرة في اللغة ومختلف فروع المعرفة بفضل جهود المعلم الجاد والمنهاج التعليمي الرصين.
ولنعترف بالحقيقة المرة بأن تراجع ترتيب الأردن كثيرا في قدرات القراءة الى الترتيب ما قبل الأخير بين الدول المشاركة حسب اختبار بيرلس الدولي - PIRLS (Progress in International Reading Literacy Study) الذي تشرف عليه المنظمة الدولية لتقييم التحصيل التربوي (The International Association for the Evaluation of Educational Achievement - IEA) حيث يقوم هذا الامتحان على أساس المقارنة لقياس قدرات مستوى طلبة الصف الرابع الايتدائي في مهارات القراءة باللغة الأم (اللغة العربية) بالإضافة الى اللغة الانجليزية. وأيضا تراجع مستوى الطلبة في امتحان تيمس (Trends in international Mathematics and Science Study-TIMSS)) الذي يقيّم قدرات تحصيل طلبة الصفيّن الرابع الابتدائي والثامن في مباحث الرياضيات والعلوم، ويعتمد على أسلوب التفكير والتحليل وكان ترتيب الأردن ضمن آخر سبعة من الدول المشاركة عام 2023.
هذه المؤشرات والحقائق يجب التوقف عندها وتمحيص أسبابها ومعالجة ذلك في المستقبل القريب، لأن ذلك ينعكس على سمعة التعليم في بلدنا، كما ينعكس ذلك على مخرجات التعليم التي تؤثر سلبا على مختلف قطاعات التنمية مستقبلا. الأمر الذي يستوجب مراجعة مواطن الخلل والأشارة اليها بكل وضوح ومعالجتها بإدارة فاعلة ومنهجية مدروسة وفعّالة من ذوي الخبرة ممن يمتلكون الرؤية والرؤيا الواضحة بعيدا عن التنظير والجلسات المفتوحة أو المغلقة، وبعيدا عن مظاهر التجميل والديكور الفارغ من المحتوى والمضمون حيث عقد العديد من المؤتمرات التربوية والعلمية والندوات المتخصصة التي لم تنجح توصياتها في معالجة مواطن الخلل ولم تترك أثرا على الواقع التعليمي.
وبعين الناقد فقد أشار عدد من وزراء التربية والتعليم السابقون إلى بعض مواطن الخلل في مسيرة التعليم ومنهم معالي الوزير الأسبق محمد الذنيبات (2012-2017)، الذي ذكر قبل ما يزيد على عشر سنوات وجود ما يقارب 100000 طالب ممن هم على مقاعد الدراسة لا يقرأون ولا يكتبون، ومنهم من وصل الى المرحلة الثانوية عن طريق النجاح التلقائي. كما صرّح معالي الدكتور وليد المعاني الى أن التعليم قد تراجع كثيرا وهو في غرفة الإنعاش وهو بحاجة إلى مراجعة حقيقية.
وفي السياق نفسه فقد ألقى معالي الدكتور عزمي محافظه وزير التربية والتعليم العالي ووزير التعليم العالي والبحث العلمي الحالي محاضرة في جمعية الشؤون الدولية في 27 شباط 2024 التي وضعت من جديد بكل الوضوح والصراحة المعروفة عن معالي الدكتور المحافظه أن التعليم المدرسي قد تراجع، ولا يعقل أن نجد طلبة في الصف الأول الثانوي لا يجيدون القراءة والكتابة، وليس من المقبول أيضا أن يصبح التعليم مغربّا (من التغريب) وهو مصطلح جديد من قبل معالي الوزير المحافظة يؤشر على نقاط وصلت إلى دائرة اللون الأحمر، حيث نجد من أبنائنا الطلبة لا يتحدثون العربية التي هي الوعاء الفكري لثقافتنا وهويتنا.
نعم، إن من أولى الأولويات يا دولة الرئيس ويا معالي وزير التربية والتعليم الذين نكن لهما كل الأحترام والتقدير، أن نعيد للتعليم ألقه كما كان يسير على السكة الصحيحة التي انحرفت عن مسارها دون أن نتخذ الأساليب الناجعة. وقد سبق أن أشرت وفي عدة مقالات سابقة، كما كتب الكثيرون في ضرورة إيلاء التعليم أولوية تتقدم على كل الأولويات وبناء بنية (تحتية وفوقية معا) تراعي الاهتمام بالمعلم النوعي والتعليم النوعي وتوفير البيئة التعليمية الفاعلة والمؤثرة في إعداد الاجيال إعدادا حقيقيا ومتوازنا بدءا من الروضة وحتى نهاية التعليم الجامعي.
أن من حق لغتنا علينا أن نتقنها لفظا وغاية ونهجا بأسلوب يليق بمكانتها العالية. ولتفعّل وزارة التربية والتعليم رقابتها الميدانية على التعليم الخاص والحكومي بمراجعة طريقة تدريس اللغة العربية من قبل مدرسين قادرين ومؤهلين ضمن خطة مدروسة، وخصوصا في المرحلة الأساسية قراءة وكتابة وتعبيرا بأسلوب متميز، لأن من يمتلك ناصية اللغة هو القادر على غرس المفهوم التعليمي والثقافي والفكري بشمولية أوقع تأثيرا لدى المتلقين والدارسين بدرجة أكثر عمقا بعيدا عن ركاكة المفهوم وسطحية التفكير وضعف المحتوى الأمر الذي يؤسس لثقافة اصيلة وفكر مستنير لدى الأجيال تكون كفيلة بإعادة الوجه المشرق للغة الضاد.
نعم، إن كلمات بعض السادة النواب عكست ركاكة التعبير اللغوي المليء بالأخطاء التي يتحملون جزءا من وزرها، وتتحمل منظومة التعليم الجزء الأكبر والأهم، لتضعتنا جميعا أمام مسؤوليات جسام لمراجعة مواطن الخلل أنى وجدت، لأن التعليم هو المحور الأساس للنهضة الذي يتمثل في بناء الأنسان المؤهل والمتعلم، مدركين أن البناء الحقيقي لمنظومتنا التعليمية والتربوية يجب أن يتقدم على كل الأولويات لنكون قادرين على صياغة نهج تربوي وتعليمي رصين، وسيبقى نبع مفردات الضاد لا ينضب ولا يجف لها مداد ولم ولن تهن ما دام هناك سدنة يحمون كينونتها ممارسة صحيحة وتطبيقا راقيا وللحديث بقية.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/08 الساعة 13:23