العدوان يكتب: سوريا بين الغياب العربي وتدخل القوى الخارجية

الدكتور علي فواز العدوان
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/07 الساعة 22:42
الأمن العربي المشترك هو مبدأ كان ولا يزال يتردد على الساحة السياسية العربية، لكنه في الواقع لم يرقَ إلى مستوى التنفيذ الفعّال الذي يتناسب مع التحديات الأمنية والإقليمية المتزايدة و تتجلى هذه الحقيقة بوضوح في الأزمة السورية، التي كشفت عن الفجوة الكبيرة بين النظرية والتطبيق في مفهوم الأمن العربي المشترك.
منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، تخلت الدول العربية إلى حد كبير عن دورها القيادي في حل الأزمة، تاركة الساحة مفتوحة لتدخلات القوى الإقليمية والدولية. انخرطت أطراف خارجية، مثل إيران وروسيا وتركيا والولايات المتحدة، بشكل مباشر في الصراع السوري، سواء من خلال دعم النظام أو المعارضة المسلحة، مما زاد من تعقيد المشهد الأمني. في حين أن الجامعة العربية، التي يفترض أن تكون آلية للتنسيق الأمني والسياسي العربي، فشلت في تقديم أي حل جذري أو حتى في إيجاد موقف موحد تجاه الأزمة.
الغياب العربي في سوريا كان كارثياً ليس فقط على المستوى السياسي، ولكن أيضاً على مستوى الأمن الإقليمي. إذ أدى إلى تعزيز نفوذ الجماعات المسلحة والإرهابية، مثل تنظيم "داعش" و"النصرة"، الذين استغلوا الفوضى والفراغ الأمني لتوسيع نفوذهم. ونتيجة لذلك، أصبحت سوريا ساحة مفتوحة لصراعات النفوذ والمصالح الدولية، دون وجود أي قدرة عربية على التأثير في الأحداث بشكل فعّال.
فوضى المعارضة المسلحة وتفكك الدولة
أحد الأسباب الرئيسية التي ساهمت في تفاقم الأزمة السورية هو تشرذم المعارضة المسلحة. بينما نشأت في البداية كحركة شعبية تطالب بالحقوق والحريات، سرعان ما تحولت إلى صراع مسلح بين فصائل متعددة ذات توجهات متباينة، بعضها مرتبط بأجندات خارجية. عدم وجود قيادة موحدة أو رؤية سياسية واضحة للمعارضة أدى إلى إضعاف قدرتها على مواجهة النظام السوري، وأفسح المجال للقوى الإقليمية لتستخدم هذه الفصائل كورقة ضغط لتحقيق مصالحها.
في هذا السياق، كان الأمن العربي المشترك غائباً تماماً، حيث لم تبادر أي دولة عربية بتقديم دعم حقيقي لمكونات المعارضة المعتدلة أو بمحاولة توحيد صفوفها. بل إن بعض الدول العربية كانت متورطة في دعم فصائل مسلحة متنافسة، مما زاد من حدة الفوضى وأضعف الجبهة المعارضة للنظام.
فوضى الأمن العربي المشترك
الأزمة السورية ليست سوى مثال واحد على الفشل المتكرر للنظام الأمني العربي المشترك. فالدول العربية، التي تواجه تهديدات مشتركة مثل الإرهاب والتدخلات الخارجية، تفتقر إلى آليات فعّالة للتنسيق والتعاون الأمني. ما يزيد الأمر سوءاً هو انقساماتها الداخلية وتباين مواقفها السياسية، مما يجعل من الصعب تحقيق رؤية موحدة لمواجهة التحديات الإقليمية.
إن وجود منظمة مثل الجامعة العربية لم يحقق الهدف المنشود منها في تعزيز التعاون الأمني بين الدول العربية. حيث تقتصر الجامعة في معظم الأحيان على إصدار بيانات إدانة دون اتخاذ خطوات عملية على أرض الواقع. وفي الحالات النادرة التي تم فيها تشكيل تحالفات عسكرية عربية، كما حدث في اليمن، كانت النتائج مثيرة للجدل ولم تؤدِ إلى تعزيز الأمن الإقليمي، بل زادت من تعقيد الأزمة.
دعوة لتفعيل الأمن العربي المشترك
بالمرحلة الراهنة تتطلب من الدول العربية إعادة التفكير جدياً في مفهوم الأمن العربي المشترك. إذ لا يمكن لأي دولة عربية أن تواجه التحديات الأمنية وحدها في ظل وجود تهديدات إقليمية ودولية متعددة. يجب أن يكون هناك نظام أمني عربي متكامل يستند إلى التعاون العسكري والاستخباراتي، ويهدف إلى تعزيز الاستقرار في المنطقة وحماية السيادة الوطنية لكل دولة عربية.
في ظل هذه الأوضاع المتفاقمة، يجب أن تبدأ الدول العربية في اتخاذ خطوات ملموسة نحو تحقيق هذا الهدف، من خلال:
1. إعادة هيكلة الجامعة العربية: بحيث تكون قادرة على اتخاذ قرارات فعّالة في الأزمات الأمنية، بدلاً من الاقتصار على التصريحات الدبلوماسية.
2. توحيد المواقف السياسية: تجاه القضايا الإقليمية الكبرى، وخاصة تلك التي تتعلق بالأمن القومي العربي مثل الأزمة السورية، اليمن، وليبيا.
3. تعزيز القدرات العسكرية المشتركة: من خلال إنشاء قوات تدخل سريع عربية تكون جاهزة للتعامل مع الأزمات الأمنية الداخلية والخارجية.
4. تعزيز التعاون الاستخباراتي: بين الدول العربية لمواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتهريب والجريمة المنظمة.
ختاماً، الأزمة السورية كانت بمثابة اختبار للنظام الأمني العربي المشترك، وكشفت عن الحاجة الماسة لإصلاحات جذرية. إذا لم تتحرك الدول العربية بشكل جاد نحو تفعيل هذا النظام، فإن الفوضى ستستمر، وسيظل الأمن القومي العربي رهينة لتدخلات القوى الخارجية.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/12/07 الساعة 22:42