مدار الساعة - كتب: محمود كريشان - تصادف اليوم السبت الذكرى السنوية الخامسة لوفاة مدير المخابرات العامة الأسبق الفريق أول مصطفى عبد الكريم عبد القادر القيسي، الذي تدرج في الرتب حتى تسلم رئاسة جهاز المخابرات العامة في 26 تشرين ثاني 1989 في فترة مهمة من تاريخ المملكة الأردنية الهاشمية، وهي مرحلة عودة الحياة الديمقراطية والبرلمانية في البلاد، والبدء في خطوات إصلاحية شاملة وجادة كان من ضمنها إقرار قانون الأحزاب وإطلاق سراح المعتقلين، على خلفية أحداث هبة نيسان، وظهر ذلك جليا في نتائج الانتخابات البرلمانية التي افرزت اقوى وانزه المجالس النيابية في تاريخ المملكة الذي تولى رئاسته القيادي البارز في جماعة الاخوان المسلمين المرحوم النائب د. عبداللطيف عربيات، ودخول أعضاء من جماعة الاخوان ممن فازوا في الانتخابات النيابية في حكومة رئيس الوزراء الراحل مضر بدران.
في تلك الفترة الحقبة التي تولى فيها المرحوم القيسي رئأسة المخابرات، شهدت ايضا العديد من الأحداث المفصلية في المملكة والمنطقة العربية والعالم، ومنها توقيع معاهدة وادي عربة 1994 وإبرام اتفاقية أوسلو، وحرب الخليج الثانية التي اندلعت لإخراج القوات العراقية من الكويت، وإنهيار الاتحاد السوفييتي والكتلة الشرقية وإنتصار المجاهدين الأفغان وظهور ما يسمى بـالأفغان العرب"، وتمكنت الدائرة برئاسة مصطفى باشا، بالتعامل الإستخباري الذكي، مع تلك الأحداث بما يخدم المصالح العليا للأردن وقيادته الهاشمية.
الباشا القيسي الذي تميز بـ"العصامية" ولد عام 1938 في قرية ذيبان/ مأدبا، إلا انه نشأ وترعرع في حي جبل القلعة، على مشارف وسط عمان، وتخرج من كلية الحسين ثم إلتحق بكلية الشرطة الملكية، دخل بعدها ضابطا في دائرة المخابرات العامة، وتدرج في المناصب القيادية، حتى نال الثقة الكبرى من جلالة الملك الحسين "طيب الله ثراه" بتعينه مديرا للمخابرات العامة في الفترة ما بين عامي 1989 و 1996وتقاعد برتبة فريق أول، ليختاره الملك الحسين بن طلال، مستشارا خاصا له، ومقررا لمجلس أمن الدولة برتبة وزير، وفي عام 2001 صدرت الارادة الملكية السامية بتعينه عضوا في مجلس الأعيان التاسع عشر، وفي عام 2002 تولى منصب وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء في حكومة المهندس علي ابوالراغب، وكان القيسي مكلفا بمتابعة ملفات مهمة وحساسة نظرا لكفاءته وأمانته، من ضمنها الاشراف على ملف المتورطين في قضية التسهيلات البنكية وملفات كثيرة تتعلق بالأمن القومي ومحاربة الفساد، وقد تم تحويل كافة الملفات الى القضاء.
وفي أحداث الأمن الداخلي عام 1970 كان القيسي برتبة رائد، ويعمل في شعبة مهمة بالدائرة، وكان يتولى مهمة التنسيق "ضابط ارتباط" مع رئيس الوزراء - وزير الدفاع سنتذاك الشهيد وصفي التل، حيث كان القيسي يتحدى المخاطر التي كانت تعيشها العاصمة عمان ومحيطها في تلك الفترة الملتهبة، ويذهب الى الكمالية على اطراف صويلح، لمقابلة الرئيس التل، الذي كان معجبا بشجاعة الرائد القيسي ومهنيته وفطنته، وما يتمتع به من احتراف أمني لافت، كما كان الضابط مصطفى القيسي قائدا لعملية إحباط مخطط خطف رئيس الوزراء الأردني المرحوم احمد اللوزي، والإستيلاء على مبنى رئاسة الوزراء وذلك في شباط 1973 وتم إكتشاف المحاولة الإرهابية التي قادها المدعو محمد داوود عودة "ابو داؤد" عضو المجلس الثوري ومنظمة أيلول الأسود ، ومعه (16) شخصا من منتسبي التنظيم، وتمكنت الدائرة من القبض عليهم قبل تنفيذ مخططهم الإجرامي، وأحيلوا حينها الى محكمة أمن الدولة.
ما نريد ان نقوله: يتفق الجميع على ان الراحل القيسي، كان رجل دولة من طراز رفيع، عمل بروحية الجندي المجهول، بمهنية منتجة وطنيا، ونضج سياسي وأمني، وقد إتسم بإتباع أقصى درجات الحكمة والتعقل والتعامل الهادئ المتزن، ماشكل علامة فارقة في العمل الإستخباري المتيقظ، فكان الصادق مع الله أولاً، ثم مع وطنه وشعبه ومليكه وغادرنا عام 2019 كما بدأ وعمل أمينا، صادقا، وفيا، وكان آخر نشاط للمرحوم القيسي، هو شرف إستقباله لجلالة الملك عبدالله الثاني، الذي زار القيسي في منزله في أيار 2019 للإطمئنان على صحته بسبب المرض الذي داهمه.
رحمه الله تعالى وحمى الله الأردن آمنا مستقرا في ظل جلالة الملك عبدالله الثاني وسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبدالله الثاني "حماهما الله"..