العتوم يكتب: حول احتفالية كتابي تعددية الأقطاب

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/30 الساعة 10:53

يسبق كتابي هذا "إشراقة عالم متعدد الأقطاب"، الرابع في السياسة الروسية والدولية، الصادر هذا العام (2024)، ثلاثةُ كتب قبله تتضمن مقالات متخصصة وجهوداً مختلفة استمرت منذ عام (2013)، فجاء الأول بعنوان "روسيا المعاصرة والعرب" عام (2016) الذي كتب التقديم له معالي كامل أبو جابر وزير الخارجية الأسبق "رحمه الله"، وهو الكتاب الذي تلقيت كتاب شكر بعد صدوره من جلالة الملك عبد الله الثاني حفظه الله، والكتاب الثاني "الرهاب الروسي غير المبرر" عام (2020) الذي حظي بشكر كبار رجالات الدولة الأردنية أيضاً والدبلوماسية العربية والأجنبية، والثالث بعنوان "الحرب الروسية الأوكرانية/ العملية ومع الناتو بالوكالة" عام (2022) الذي شارك في كتابة التقديم له مشكوراً دولة السيد طاهر المصري، وحاز على شكر صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال أطال الله بعمره.

وكتابي الجديد الذي شارك في كتابة التقديم له مشكوراً دولةُ السيد أحمد عبيدات، وسعادة سفير روسيا الاتحادية في المملكة الأردنية الهاشمية السيد غليب ديسياتنيكوف مشكوراً أيضاً، ارتكز على فكر الباحث والمفكر الروسي ألكسندر دوغين من وسط كتابه "عالم متعدد الأقطاب" الصادر عام (2015)، والذي تحدث فيه عن عالم الحضارات، الروسية، والصينية، والإسلامية، والغربية، والأمريكية اللاتينية والإفريقية. ويدعو دوغين أيضاً لاسترجاع الأمة الروسية الكبرى لقوتها بالعودة لقيمها التي تعلمتها من المدرسة السوفيتية عبر المحافظة على سيادتها. والمفكر الروسي دوغين - أيها السادة - لا يطرح تعددية الأقطاب شعاراً، بل نظرية دياليكتيكية تنتقل من النظام الويستفالي – الاستعماري الأوروبي – إلى ثنائية القطب، وإلى تعددية الأقطاب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتحرك العملية الروسية العسكرية الخاصة، حيث تترابط الحضارات والأديان والجغرافية السياسية.
وهو توجه جذري لروسيا الاتحادية الصديقة للعرب ولدول العالم وشعوبه، وقناعة راسخة للرئيس فلاديمير بوتين الذي اختارته روسيا بأن يكون ربان سفينتها منذ عام (2000) مع مراعاة احترام الدستور الذي ينص على ضرورة استبدال السلطة بعد جولتين رئاسيتين متتابعتين.
ويسلط هذا الكتاب الضوء أكثر على الدور المحوري للعملية الروسية العسكرية الخاصة بتاريخ 24 / شباط / 2022 ودورها في التحول التاريخي المطلوب، وعلى حرب غزة بعد طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر (2023)، وبعد رصد ازدواجية السلوك الدولي تجاه الحقيقة والعدالة الإنسانية، وبأن لا سلام يقبل من دون تحقيق عدالة القضية الفلسطينية ومغادرة إسرائيل للأراضي العربية المحتلة عام (1967).
ويشير الكتاب إلى الأقلام المفكرة والمهتمة بتوجه تعددية الأقطاب في ظل سيطرة أحادية القطب وتغولها على أركان العالم، والتسبب عن قصد بإثارة الحروب والأزمات والابتعاد عن خدمة البشرية وقضاياها العادلة، مثل (ديفيد كامبف) في كتابه "إقلاع وهبوط الأقطاب العظمى" عام (1988)، و(ديل أولتون) في كتابه "الجيوبولوتيك والأقطاب العظمى في القرن 21" عام (2007)، والسياسي الأمريكي (ديليب خيرو) في كتابه "بَعد الأمبراطوريات – ولادة عالم متعدد الأقطاب" عام (2009)، والخبير البريطاني (فابيو بيتيتو) في كتابه "حوار الحضارات" عام (2004).
ويلفت الكتاب الانتباه إلى ظهور فكرة أوروبا المتحدة عام (1923)، وكيف استخدم ونستون تشيرشل مصطلح الولايات المتحدة الأوروبية في خطابه (1946) في جامعة زيورخ في سويسرا، وظهور أقطاب دولية هامة مثل "بريكس" و"شنغاهاي"، و “S.N.G”، ونشاط مقابل ملاحظ لصندوق (روسكي مير) ومؤسستها لنشر اللغة الروسية في العالم، وهيئة جديدة عالمية الطابع انطلقت من وسطها تحت اسم (روسو فيلي؛ أي محبة روسيا) والتي أصبحت عضواً فيها.
أشير هنا أنه في عام (2022) تحدث الرئيس فلاديمير بوتين في منتدى (سانك بيتر بورغ) الاقتصادي بتاريخ 17/ حَزيران عن أهمية تعدد الأقطاب، وضرب مثلاً عن نهوض الهند، وعن نتيجة العقوبات على روسيا التي ستُفقد الاتحاد الأوروبي قدراته التنافسية، وتحدث الرئيس بوتين لاحقا وحديثا عن مفهومه لتعددية الأقطاب بأنه يعني العدالة والتعاون والابتعاد عن الفوقية واختراق القانون الدولي. وأتحدث في كتابي عن وقف أحادية القطب خلف نيران الحربين الأوكرانية، وفي غزة، والتي توسعت الآن لتشمل الضفة الغربية بهدف التهجير القسري الذي تصدى له الأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني، ومصر بقيادة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وتوسعت الحرب تجاه لبنان، وأنشطة قتالية متبادلة مع إسرائيل من جانب اليمن، والعراق، وسورية. وشروع إسرائيلي لتصفية المقاومة العربية من أجل بقاء احتلالها الغاشم الذي ما زال يراوح في المكان، وفي زمن حديث ترفض فيه إسرائيل الليكود المتطرف الاعتراف بفلسطين والدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية وفقاً لقواعد القانون الدولي ومادته (242). وتمارس فيه جريمة حرب الإبادة على مرأى المجتمع الدولي كافة، وتمارس اغتيالات رموز المقاومة بهدف تصفيتها، لدرجة أصبحنا فيها نعتقد أن العرب محتلين لإسرائيل وليس العكس.
وبناء عليه ستبقى كل فلسطين عربية، وكل القدس إسلامية ومسيحية مفتوحة للأديان السماوية كافة، وستبقى الوصاية الهاشمية حامية لها حاضراً ومستقبلاً، وعلى الاحتلال الإسرائيلي في المقابل أن يلتزمَ بالقانونَ الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة ويبتعد عن الفوقية النابعة من أحادية القطب، أو يستمع لنداء جوزيف ستالين مجدداً الذي ناداها للتوجه إلى القرم أو إلى سخالين، وباراذبيجان ومناطق أوديسا ليست بعيدة عنها وعن يهودها المهاجرين إلى فلسطين بطريقة غير شرعية.
يتحدث كتابي هذا أيضاً عن وقفات سلبية أخرى مثيرة للجدل لأحادية القطب بقيادة أمريكا، ومنها بدء الحرب العالمية الأولى عام (1917)، وقصف اليابان في حادثتي "هيروشيما وناكازاكي" بالنووي نهاية الحرب العالمية الثانية عام (1945)، وقيادة الحرب الباردة وسباق التسلح، وشن حرب على فيتنام عام (1955)، ومحاولة الهبوط في أفغانستان عام (1979)، ثم عودتها إلى هناك التي انتهت بانتصار طالبان. وقصف أمريكا وحلفها الأطلسي لكوسوفو عام (1998) من دون تحقيق نصر، وغزوها للعراق (2003)، ثم اختراق أمريكا للأراضي السورية عام (2011) وحتى الآن ومن دون دعوة.
وأتحدث هنا مجدداً عن موقف الأردن المحايد بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني من الحرب الأوكرانية/ العملية منذ عام (2022) والدعوة للحوار، وعن موقف جلالته الشجاع من حرب غزة عبر الدعوة لوقف الحرب والتصدي إلى جانب مصر الشقيقة لمشروع التهجير القسري العنصري الإسرائيلي، والوقوف إلى جانب شعب فلسطين المناضل وقضيته العادلة، وتقديم المساعدات الإنسانية له جواً وبراً، وبأن السابع من أكتوبر (2023) تعبير عن مسيرة نضال الفلسطينيين الأشقاء على مدار ستة وعشرين عاماً في مواجهة المحتل الإسرائيلي.
ويتضمن كتابي هذا كلمات خطها بنفسه دولة السيد أحمد عبيدات القامة الوطنية الشامخة، حيث كتب في تقديمه الذي ترجم إلى الإنجليزية والروسية قائلاً: (بعد حرب الخليج وتفكك الاتحاد السوفيتي أصبح العالم خاضعاً للسيادة الأمريكية، وبذلك انتهت تعددية الأقطاب. وكان من النتائج المباشرة لهذه الحالة أن فرضت الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها الاقتصادية، كما شنت عدداً من الحروب والمغامرات التي أطاحت بأنظمة للحكم في بعض الدول الآسيوية ودول أمريكا اللاتينية والشرق الأوسط بذريعة حماية حقوق الإنسان، ونشر أوهام الديمقراطية في تلك الدول... إلا أن صحوة جديدة تمثلت بسيطرة فلاديمير بوتين وفريقه على زمام السلطة، قلب موازين القوى، إذ عندما وصل بوتين إلى رئاسة الدولة، كان يمتلك إرادة قوة التغيير، ورؤية إستراتيجية لإعادة بناء الدولة الروسية على أسس جديدة مع إعطاء أولية خاصة لإعادة بناء القوات المسلحة بجميع فروعها، وبذلك أعتبر بطلاً وطنياً بنظر الأغلبية من الشعب الروسي).
وكلمات غيرها خطها بنفسه سعادة سفير روسيا الاتحادية الصديقة في المملكة الأردنية الهاشمية السيد غليب ديسياتنيكف، وهو الذي يتابع عن قرب كتاباتي في الشأنين الروسي والدولي، حيث كتب في تقديم الكتاب أيضاً: (إن العالم المتعدد الأقطاب اليوم ليس "يوتوبيا"، وليس مجرد مشروع نظري، نتعامل مع إضفاء الطابع المؤسسي على تعددية الأقطاب. وتتحد الأغلبية العالمية وتفهم نفسها، وتبدأ في مواءمة تقاليدها وتوجهاتها وأنظمة قيمها التقليدية ومصالحها. ومن دواعي السرور أن حتمية هذه الآفاق وأمثالها مفهومة فهما تاماً في الأردن الصديق. ويحتل الدكتور حسام العتوم مكانة جيدة، حيث يساهم مساهمته الكبيرة في مواصلة التقارب بين بلدينا بكل الطرق البحثية وأنشطته العامة).

مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/30 الساعة 10:53