العتوم يكتب: روسيا ناهضة وليست في عزلة

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/26 الساعة 15:57
لقد أصبح عام 2000 ليس كما قبله في روسيا الاتحادية بقدوم فلاديمير بوتين للسلطة في موسكو ،ومن عرف إسم بوريس يلتسين الفوضوي فهم أهمية تمسك روسيا ببوتين القوي حتى الساعة مع احترام الدستور و السماح لدميتري ميدفيديف بقيادة روسيا في زمن بقي فيه بوتين سابقا رئيسا للوزراء ،و اليوم يجلس على كرسي ( الكرملين ) رئيسا للمرة الخامسة ، و يستطيع ، أي بوتين البقاء في السلطة حتى عام 2036 إن لم تحدث ظروف معاكسة ،وهو يتمع بشخصية فولاذية لم يذكر التاريخ الروسي ومنه السوفيتي مثيلا لها منذ عهد جوزيف ستالين قبل عام 1953 ، ولا أقول منذ زمن أندروبوف فقط 1983 / 1984 .
كتب – وولتر لاكوير – في كتابه ( البوتينية ) و ترجمه لنا الدكتور فواز زعرور صفحة 153 ( عندما أصبح بوتين رئيسا ، كانت روسيا تتخبط في تيه من الفوضى و الاضطرابات المروعة . كانت الدولة و الاقتصاد في حالة يرثى لها من البطالة و الركود . كانت هنالك حاجة إلى قدر كبير من روح الطموح و / لو الوطنية لإلهام قيادة البلاد و رفع روحها المعنوية في هذه الظروف . نظرا لعدم كونه خبيرا اقتصاديا ، لم يكن بوتين ربما على اطلاع كامل بخطورة الوضع ، لكن لابد أنه كان قد عرف الكثير عن هذا الوضع في ضوء المناصب الرفيعة التي كان قد شغلها خلال لسنوات السابقة .
وفي صفحة 155 منه كتب لاكوير أيضا بأن ( نظرة بوتين الاستشرافية إلى الاقتصاد كانت قد تشكلت على الارجح خلال السنوات التي أمضاها في المانيا – المثال الألماني الغربي تحديدا . كان من المؤيدين لسياسة سوق ضمن حدود ، وكان يصر على تطبيق قدر كبير من السيطرة الحكومية و الإشراف الحكومي على الاقتصاد ، وكان يقاوم بحزم أية محاولة من قبل الأوليغاركيين للسيطرة على السلطة السياسية ) . وفي صفحة 159 يكشف لاكوير صفحة القفقاس الخطرة عامي 2003 و2004 و التي كانت بمثابة اختبار لنظام بوتين عبر اغتيال أحمد قديروف ، و حصار بيسلان ، وانتخاب بوتين ، ومصادرة ممتلكات شركة النفط العملاقة " يوكس " و اعتقال مالكها خودور كوفسكي ، و ظهور توترات مع جيران روسيا أمثال أوكرانيا و جورجيا و بلدان البلطيق ، و كيف أصبح دميتري ميدفيديف رئيسا عام 2008 ،و بوتين رئيسا للوزراء ، و الحرب الجورجية .
ويتحدث لاكوير في كتابه هذا عن مصطلح " البوتينية " ما ذا يعني ؟ و يوضح لنا صفحة 164 أكثر بأن من أهم مكونات الأيدولوجية الجديدة هي القومية . و العداء للغرب بعد الحرب الباردة ؟ .و يطرح هنا في صفحة 164 سؤالا أخرا ، من سيخلف بوتين يوما ؟ ويكتب قائلا هنالك نصف دزينة من الأسماء جرى ذكرها . من الواضح أن الخليفة سيتوجب عليه أن ينتمي لطبقة النبلاء الجدد . يتوجب عليه أن يكون قادرا ، ولكن ليس إلى ذلك الحد ، كي لا يطغى بريقه على سلفه . سيتوجب عليه أن يكون على ولاء للقائد الذي عينه وعلى ثقة بأنه سينتهج السياسة ذاتها التي انتهجها سلفه . من بين تلك الأسماء ، لعل سيرجي شايغو هو الأكثر شهرة . و دميتري ميدفيديف لا يعتقد بأنه سيكون قائدا قويا ، لكن الظرف يمكن أن يعمل لصالحه . الأسماء المشمولة الأخرى تتضمن سيرجي سوبيانين ، محافظ موسكو .و إذا ما أجل بوتين تقاعده لسنوات ، فإن مرشحا شابا قد يطل على الساحة يفرض أكبر من فرص أولئك الذين سبقهم . " انتهى الأقتباس " . و ولتر لاكوير كاتب سياسي دولي ، باحث ، و أكاديمي درس في جامعات مشهورة منها " هارفرد " . و ألف أكثر من 25 كتابا و سيل من المقالات في مجلة " سيورفي " .
تعليقي هنا على ماسبق ذكره ، هو بأن لاكوير غربي النشأة و الطابع ، وكان و لازال يصعب عليه فهم العقلية السياسية الروسية من الداخل وعلاقاتها مع الغرب و العالم ، و لم يتوقع هنا إيمان بوتين بتعددية الأقطاب المنفتحة على خارطة العالم ، و التي تعني له – العدالة و الغاء الفوقية ، و التعاون و الاستقلالية و السيادة - ،و هي الفكرة التي ارتكزت على فكر الباحث و المفكر الروسي الكسندر دوغين . و ربما يكون الرئيس دونالد ترمب أكثر استيعابا للحقائق الروسية من لاكوير نفسه كونه عاش و عمل في ثمانينيات القرن الماضي في موسكو عندما كانت عاصمة للاتحاد السوفيتي ، و يعول العالم على ترمب إنهاء الحربين في أوكرانيا و في غزة و لبنان .و النزعة القومية عند الرئيس بوتين كما أعتقد وطنية النشأة عززها مسار عمله الأمني في ألمانيا و في الأتحاد السوفيتي و روسيا و هدفها كما هدف دوغين المحافظة على سيادة الأمبراطورية الروسية و ليس على مصطلح الدولة الروسية فقط ،و تحرير الاراضي المحصنة لها ،ومثلي هنا العملية الروسية الخاصة التي اندلعت عام 2022 .
و توقعات لاكوير من سيخلف بوتين ليست في مكانها الصحيح ،ولا فرصة لشايغو و لا ميدفيديف لإشغال كرسي الكرملين في قادم الزمن ،و الأمر كله مرهون بخطط و تفكير الصندوق الأسود الروسي " المخابرات " و كبار ساسة الكرملين من الأوليغارج .و بقاء بوتين في السلطة طويلا ساهم في نهوض روسيا و أرعب الغرب . وهكذا نرى كيف يعمل الغرب مجتمعا لأحباط الدور الروسي في المحافل الدولية على جبهتي أوكرانيا و الشرق الأوسط ، لكنه فشل في ذلك حتما بتقديري ، و الأنفتاح الروسي على شرق و جنوب العالم و ابقاء الباب مواربا على الغرب خير شاهد ، وهو انتصار ميداني عبر مؤسسات " البريكس " و إس إن جي " ، و " روسكي مير " ، و شنغاهاي " ،و الاقتصاد الأسيوي إلى جانب الأنتصار الميداني الأكيد الذي لا يقبل الجدل في الحرب الأوكرانية التي بدأت من " كييف " و لندن و واشنطن ، و لم تبدأ حتما من موسكو كما تروج الة الفوبيا الموجهة من طرف الغرب ضد جبروت روسيا .
مستقبل روسيا كما أرى في بقائها ميزانا دوليا ثقيلا هاما وسط الحرب الباردة و سباق التسلح بين الغرب و الشرق . و تماما كما صرح بوتين بنفسه سابقا يصعب تصور خارطة العالم من دون روسيا الحضارة و التاريخ ، و المطلوب من الغرب تهدئة اللعبة السياسية و عدم تجريب العبث في أعصاب روسيا و اختبار قوتها العسكرية وفي مقدمتها النووية التي تتربع فيها على الرقم 1 عالميا عبر نشر حلف ( الناتو ) المعادي لها في أوروبا و شرقا ، و على الرقم 1 على مستوى اقتصاد أسيا ،و الأكثر في العالم امتلاكا للمصادر الطبيعية الهامة ، و الأوسع مساحة في العالم ( أكثر من 18 مليون كلم2 ) .و نجاحات فضائية ملاحظة .
لقد أصبح عقلاء و ساسة العالم ( سدر البيت العالمي ) مطالبون أكثر من أي وقت سابق بالتمسك بالسلام العادل و بالقانون الدولي خيارا سليما لأدارة دفة العالم تجاه التنمية الشاملة و نبذ الحروب و الأزمات الدولية و الحرب الباردة و سباق التسلح .و شعار( الأنسان أغلى ما نملك ) الذي رفعه مليكنا العظيم الراحل الحسين بن طلال طيب الله ثراه ، يصلح شعارا و برنامج عمل للبشرية جمعاء .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/26 الساعة 15:57