قديمات يكتب: توظيف الذكاء الاصطناعي في إدارة وتطوير الموارد البشرية في المنظمات الرائدة

د. جهاد يونس القديمات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/21 الساعة 18:45
يمكن القول بداية ان الذكاء الاصطناعي AI هو مجال من مجالات علوم الحاسوب، الذي يركز على تطوير أنظمة قادرة على أداء المهام التي تتطلب ذكاء بشريا، هذه الأنظمة تحاكي بعض جوانب التفكير البشري، مثل التعلم، واتخاذ القرارات، وحل المشكلات، والتعرف على الأنماط، وفهم اللغة. يصنف AI إلى أنواع متعددة، مثل AI الضيق الذي يتخصص في مهمة محددة، مثل السيارات ذاتية القيادة أو برامج التعرف على الصوت فقط، و AI العام الذي يسعى إلى تطوير أنظمة قادرة على أداء أي مهمة معرفية يمكن للإنسان أداؤها، ولديها القدرة على التعلم من تجاربها، هذا النوع ما زال نظريا إلى حد بعيد ولم يتحقق بعد، ثم AI الفائق الذي يمثل مستوى ذكاء يتفوق على الذكاء البشري، يمكنه تجاوز القدرات البشرية في معظم المجالات. يتم بناء أنظمة AI باستخدام تقنيات عديدة مثل التعلم الآلي Machine Learning، حيث يتم تدريب الخوارزميات على مجموعات بيانات ضخمة لتتعلم منها وتستنتج أنماطا، وأيضا باستخدام التعلم العميق Deep Learning، الذي يعتمد على الشبكات العصبية الاصطناعية. تأتي أهمية استخدام AI في مجال الإدارة الى مساهمته في زيادة الإنتاجية العالمية للعمليات والافراد بنسبة تصل الى 1.2% سنويا بحلول عام 2030، كما أشارت اليه دراسة Mckinsey، أي بإضافة 13 تريليون دولار للاقتصاد العالمي، كذلك تحسين اتخاذ القرارات، فوفقا لدراسة أجرتها مؤسسة Gartner فان 91% من الشركات الرائدة تعتمد على AI لتحليل البيانات واتخاذ القرارات، مما أدى الى تحسين الكفاءة والمرونة في تلبية احتياجات العملاء. من جانب اخر يساهم استخدام AI الى توفير الطاقة والمحافظة على البيئة، حيث ذكرت وكالة الطاقة الدولية IEA أن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يساعد في تقليل انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة تصل إلى 4% بحلول عام 2030، من خلال تحسين كفاءة استهلاك الطاقة وإدارة الموارد بشكل أفضل، إضافة الى التأثير في القطاع الطبي، فتشير تقارير Accenture إلى أن استخدام AI في قطاع الرعاية الصحية يمكن أن يوفر 150 مليار دولار في تكاليف الرعاية الصحية الأمريكية بحلول عام 2026، مثل استخدامه في التشخيص المبكر للأمراض كالسرطان. ذكرت دراسة اعدتها Markets and Markets أن سوق AI في الأمن السيبراني يتوقع أن ينمو من 10 مليارات دولار في عام 2021 إلى أكثر من 46 مليار دولار بحلول عام 2026، هذا النمو يعكس الاعتماد الكبير على AI في الكشف عن التهديدات السيبرانية ومنعها من اختراق الأنظمة. اشارت دراسة PwC ان AI سيساهم في خلق 97 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2025، خصوصا في مجالات إدارة البيانات وتحليلها، والتكنولوجيا المتقدمة، وقد يعزز من المخاوف بشأن استبدال العمالة البشرية ب AI. فيما يتعلق في توظيف AI في إدارة وتطوير الموارد البشرية في المنظمات الرائدة فسيقود ذلك حتما الى تحسين كفاءة وظائف إدارة الموارد البشرية وتسهيل العديد من عملياتها. ففي التوظيف والاستقطاب، يمكن فلترة السير الذاتية؛ من خلال تقنيات معالجة اللغة الطبيعية لتحليل السير الذاتية وفرزها بناء على الكفاءات المطلوبة، كذلك تحليل المقابلات، فبعض الأنظمة تستخدم AI لتحليل مقابلات الفيديو، مثل تقييم لغة الجسد، ونبرة الصوت، وتحليل الأسلوب اللغوي، وفي التنبؤ بالأداء الوظيفي، من خلال تقديم تنبؤات حول مدى نجاح المرشحين في أدوار معينة، مما يساعد على اتخاذ قرارات توظيف أكثر دقة. وفي إدارة الكفاءات وتطوير الأداء؛ يقدم AI خطط تدريبية مخصصة لكل موظف بناء على تحليل مهاراته وتحديد الاحتياجات التدريبية، مما يعزز من نموه الوظيفي، ويمكن استخدام أدوات تعتمد على AI لتقديم تقييمات فورية للأداء الوظيفي ومقترحات لتحسين الأداء، مما يجعل عملية التطوير مستمرة، او ما يسمى بالتغذية الراجعة. من جانب اخر يساهم في تحليل البيانات لتحديد المواهب والموظفين الأكثر تميزا، الذين يمتلكون قدرات تؤهلهم لتولي مناصب قيادية لاحقا. وفي تحسين تجربة الموظفين والاحتفاظ بهم، من خلال استخدام أدوات AI كالمساعدات الافتراضية (Chatbots) للموظفين في الإجابة على استفساراتهم اليومية المتعلقة بإدارة الموارد البشرية، كإجازات العمل، والتدريب، والسياسات الداخلية. اما في تحليل الاتجاهات الوظيفية؛ عبر مراقبة بيانات الأداء والرضا الوظيفي، فيمكن تحديد الأسباب المحتملة لتسرب الموظفين، واقتراح استراتيجيات للاحتفاظ بهم. كذلك في إدارة وتخطيط المسار الوظيفي؛ من خلال التوجيه المهني الذكي، عبر توفير اقتراحات حول المسار الوظيفي لكل موظف بناء على خبراته وتقييماته الحالية، إضافة الى التعرف الى الاحتياجات المستقبلية، والتخطيط للقوى العاملة من خلال التنبؤ بالوظائف التي ستكون مطلوبة في المستقبل وتحديد المهارات التي يجب تطويرها داخل المنظمة. هناك الكثير من الاستخدامات AI في إدارة المواردالبشرية في المنظمات الرائدة منها تحليل وإدارة الرواتب والمكافآت، وإدارة التعويضات، وتقييم الحوافز، إضافة الى تعزيز التنوع والشمولية، وتحليل الأداء وإعداد التقارير الذكية، والاهم من ذلك هو تحسين التواصل الداخلي والتفاعل بين الموظفين، وإدارة التغيير التنظيمي ومدى استجابة الموظفين له، من خلال مراقبة الامتثال والسلوكيات المقاومة للتغيير.لكن التساؤل المهم هنا!؛ ما هي تحديات توظيف AI في إدارة الموارد البشرية؟. الإجابة تكمن بالتكاليف الضخمة للاستثمار في تطوير تقنياتها، خصوصا للمنظمات الصغيرة والمتوسطة، والقدرة على المحافظة على الخصوصية والشفافية، إضافة الى وجود مخاوف من التحيز في الخوارزميات، بسبب تعلمها من بيانات سابقة، يؤدي الى تعزيز بعض الأنماط غير المرغوبة. كما ان فقدان العنصر الإنساني في إدارة الموارد البشرية، ربما يؤدي إلى تقليل التفاعل الإنساني، الامر الذي يؤثر سلبا على العلاقات داخل المنظمة، وقد يشعر الموظفون بأنهم مجرد أرقام أو بيانات، مما قد يقلل من انتمائهم للمنظمة، بمعنى اخر يجب ان يبقى العنصر البشري محوريا في التفاعل العاطفي واتخاذ القرارات الإنسانية، من خلال تحقيق توازن بين التوظيف AI والتفاعل الإنساني. من وجهة نظر أخرى؛ يمكن لتوظيف AI في إدارة وتطوير الموارد البشرية تحويل هذه الدائرة إلى شريك استراتيجي يساهم بشكل كبير في تحقيق أهداف الأعمال، وبالتالي يعزز من قدرات المنظمات على الاستجابة السريعة للتغيرات، والتكيف مع التحولات المستمرة في بيئة العمل الحديثة. ولضمان انجاح عملية توظيف AI في إدارة وتطوير الموارد البشرية، يتطلب تضافر عدة عوامل داخل المنظمات الرائدة، وأبرزها القيادة، والإدارة، والاستراتيجية، والثقافة. على مستوى القيادة؛ فهي التي تمتلك الرؤية، ولديها القدرة على توجيه الأهداف والموارد على المدى الطويل لاستخدام AI، وهي الجهة التي تشجع على التغيير المصاحب لهذا التحول، مثل تغييرات ثقافية تقبل بالتقنيات الحديثة، وتنظيمية من تعديل عمليات وسياسات وإجراءات وقوانين لازمة للتغيير. اما على الجانب الإدارة التنفيذية للمنظمات، فوضع خطط واضحة لكيفية دمج AI في عمليات الموارد البشرية، سواء في التوظيف، وإدارة الأداء، التدريب، أو تحسين تجربة الموظف، كذلك تخصيص الموارد المالية والبشرية اللازمة لتطوير وتنفيذ حلول AI، ويشتمل ذلك توفير الأدوات التقنية، والكوادر المتخصصة، وتدريب الموظفين على كيفية استخدام هذه الأدوات بفعالية، إضافة الى تحديد مؤشرات أداء رئيسية لمراقبة مدى تأثير AI على الإنتاجية والتفاعل مع الموظفين. وفي جانب استراتيجية المنظمات، فلا بد من صياغة استراتيجية واضحة لاستخدام AI في الموارد البشرية، مع تحديد أهداف محددة مثل تحسين عمليات التوظيف، تعزيز تجربة الموظف، أو تطوير البرامج التدريبية، كذلك التناسق بين استراتيجية AI والاستراتيجية الكلية، بحيث يخدم الأهداف الكبرى للمنظمة. وأخيرا؛ الثقافة المنظمية الإيجابية ليست فقط عامل دعم فقط، بل شرط أساسي لضمان التكامل الناجح بين الذكاء الاصطناعي وإدارة وتطوير الموارد البشرية في المنظمات، فوجود ثقافة منفتحة على التغيير والابتكار، تسهل تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي، وتوفر توفر البيئة الآمنة التي تشجع الموظفين على تجربة أدوات الذكاء الاصطناعي دون خوف من الفشل.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/21 الساعة 18:45