العتوم يكتب: حول إشهار كتابي 'تعددية الأقطاب'؟
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/20 الساعة 13:54
يأتي كتابي الرابع في السياسة الروسية والدولية "إشراقةُ عالَمٍ متعدّد الأقطاب" الصادر عام (2024) والذي ينتظر حفل إشهاره في المكتبة الوطنية بتاريخ 28 نوفمبر الجاري، وفي الساعة الخامسة منه، وتحت رعاية دولة أحمد عبيدات وسعادة سفير روسيا بعمان غليب ديسياتنيكوف بعد سلسلة كتب في المجال الدولي نفسه، مثل "روسيا المعاصرة والعرب 2016، والرُّهاب الروسي غير المبرر 2020، والحرب الروسية الأوكرانية / العملية العسكرية مع "الناتو" بالوكالة 2022"، وكتابي هذا حول تعددية الأقطاب.
ولقد ارتحلت في حياتي الصحفية بصفتي عضواً في نقابة الصحفيين الأردنيين عبر جسر مشترك جمع بين العمل المهني الميداني في صحيفة الدستور الغرّاء بداية والعمل الأكاديمي في جامعة البنات / البترا بعد ذلك بعد تخرجي في جامعتَيْ فارونيج وموسكو الحكوميتين 1985/1992. وكنت وما زلت مشاركاً نشطاً في المؤتمرات ذات العلاقة بالخندق الروسي السياسي – اليساري والذي هو اجتماعي، واقتصادي، وعسكري، وإستراتيجي بطبيعة الحال. وتم اعتمادي أخيراً في موسكو عضواً في هيئة أصدقاء روسيا "روسو فيلي" المشكلة حديثاً.
وحظيت كتبي كما أذكر دائماً وشاكراً بتقدير جلالة الملك عبد الله الثاني، والأمير الحسن بن طلال حفظهما الله، وكبار رجالات الدولة، ومثَلي هنا (معالي كامل أبو جابر رحمه الله ، ودولة طاهر المصري، ودولة أحمد عبيدات)، والسلك الدبلوماسي والجانب الروسي، وها هي مؤسسة - صندوق "روسكي مير" في موسكو تواصل اهتمامها بكتاباتي التي حوّلتها من فن المقالة السياسية المتخصصة في الشأن الروسي إلى الكتاب المتخصص بالمجال نفسه.
لقد اكتشف قلمي في ترحاله وسط الصحافة "صاحبة الجلالة"، ومنها المتلفزة والرقْمية بأن صاحب فكرة تعددية الأقطاب هو المفكر الروسي ألكسندر دوغين صاحب كتاب "نظرية عالم متعدد الأقطاب" وكتب كثيرة أخرى، ويدعو دوغين لاسترجاع الأمة الروسية الكبرى لقوتها بالعودة لقيمها التي تعلمتها من المدرسة السوفييتية، وينسحب فكره على تحرير كل ما هو روسي أصيل مثل الممكن من الأراضي الأوكرانية التي تدور معارك العملية الروسية العسكرية الخاصة في عمقها منذ عام (2022). ويتحدث دوغين عبر نظريته عن حتمية الانتقال من أحادية القطب إلى تعددية الأقطاب، وهو تغيير جذري بالنسبة إلى المدرسة السياسية الروسية المتجه حالياً صوب شرق العالم وجنوبه تاركةً الباب موارباً تجاه الغرب حتى يفيق الضمير عندهم.
والتعددية القطبية بالنسبة إلى دوغين ليست شعاراً، بل نظرية ذات طابع دياليكتيكي من النظام الويستفالي (الاستعماري الأوروبي) إلى نظام العالم ثنائي القطب، ومن ثم بعد انهيار الاتحاد السوفييتي إلى نظام العالم أحادي القطب. ولها علائق مشتركة مع (الليبرالية، والواقعية، والماركسية)، وفي الجغرافية السياسية لعالم متعدد الأقطاب تترابط الحضارات والأديان والجغرافية السياسية.
والعالم بدأ متعدد الأقطاب - و الكلام هنا لي - و تشكلت الولايات المتحدة الأمريكية عام (1776)، وتشكل الاتحاد السوفيتي عام (1922)، وانتهى نصره في الحرب العالمية الثانية والحلفاء عام (1945)، وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا بتأسيس الأمم المتحدة ، ثم انهار الاتحاد فجأة كما يعتقد للوهلة الأولى عام (1989)، فاقتنص أحادية القطب ليسود على أركان العالم تحت إغراءات كثيرة وجهت للنظام العالمي، وظهرت في روسيا الاتحادية صحوة سياسية وعسكرية واقتصادية على شكل حركة تصحيحية دولية جدفت تجاه تعددية الأقطاب، و كان ربانها الرئيس فلاديمير بوتين – الفولاذي الشخصية – الذي وقف صامداً أمام هيجان الغرب وصلفه في حروب في أوكرانيا (1922)، وفي غزة، وفي لبنان (1923)، وكشف للعالم سلبيات أحادية القطب عبر حروب (فيتنام، وكوسوفو، والعراق، وليبيا، واليمن).
وأسست روسيا لغرض إنجاح توجه تعددية الأقطاب، والذي هو تحول تاريخي لمنظمة "البريكس" في يكاتينبيرغ بمشاركة الصين والبرازيل والهند، وضمت إليه جنوب أفريقيا والسعودية والإمارات ومصر وإثيوبيا وإيران ليصبح اسمه بريكس + . وأشرف الرئيس بوتين على تأسيس صندوق مؤسسة "روسكي مير" التي تعنى منذ عام (2008) بنشر اللغة الروسية في العالم، والحوار لمواجهة الرُّهاب الروسي والحرب الباردة، وهو ما تلاحظه في غرب أوكرانيا التي تعمل على اجتثاث اللغة الروسية والارتباط الديني بروسيا أيضاً.
وتحتل روسيا المرتبة الأولى اقتصادياً على مستوى آسيا، والأولى عالمياً على مستوى الترسانة النووية العسكرية الثقيلة. فعن أي توازن عسكري يتحدث الغرب بين عاصمة أوكرانيا "كييف" وبين روسيا العظمى التي تمتلك جاهزية التصدي لحلف "الناتو" مجتمعاً؟! وكيف يسمح وزير خارجية أمريكا أنطون بلينكين بتحذير كوريا الشمالية بعدم إرسال جيشها إلى منطقة "كورسك" الروسية بعد توقيع معاهدة دفاع مشتركة بين روسيا وكوريا الشمالية؟ وهل كورسك أراضٍ أوكرانية أو أمريكية؟ وماذا عن إسناد الغرب الأمريكي أكثرَ من (50) دولةً لنظام "كييف" من دون وجه حق، والكل يعرف أن التيار البنديري الأوكراني المتطرف يدفع بنظام أوكرانيا تجاه بيع كامل أوكرانيا المستقلة للغرب؟ وهو الذي لن يتحقق بعد انتباه روسيا لذلك إسنادياً (لوجستياً).
أنصار معسكر أحادية القطب في العالم - إن صح التعبير – كثر، ويمثل الغرب الأمريكي وشمال الغرب السويسري ميداناً أساسياً له، ويمتد عبر الشرق تجاه العرب وباكستان واليابان، وأنصار معسكر تعددية الأقطاب كثر أيضاً، ويمثلون شرق العالم وجنوبه، ويبقون الباب موارباً تجاه الغرب حتى يصحو من غفلته. والغلبة في نهاية المطاف بعد ثبوت سلبيات أحادية القطب على مستوى السياسة والاقتصاد، وافتعال الأزمات والحروب، وقلب الحقائق، وممارسة الدعاية السوداء والرمادية هي لتعددية الأقطاب الأكثر عدالة، والأكثر إيماناً بالاستقلالية والاعتماد على الذات، وعلى التعاون المتوازن، واعتبار الدول الصغيرة بمستوى الكبيرة احتراماً وتقديراً ومعاملة، وعدم تعالي الدول الكبيرة على الصغيرة في المقابل. ويتساءل ناسنا هنا في منطقتنا العربية: هل حقاً سينتصر توجه تعددية الأقطاب بقيادة روسيا الاتحادية ويهزم التوجه المقابل لأحادية القطب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية؟ والجواب غير المتسرع هنا: نعم، فالزمن لا يرحم، والأجيال الصاعدة باتت مثقفة وواعية ولا تقبل التبعية، والاحتلال والاستعمار والاستيطان، والعبث بممتلكات الشعوب والأوطان.
أعتبر نفسي من أنصار الكتابة المتخصصة، ولا ألتفت لمن يحاول إشغالي بقضايا هي من اهتمامات غيري من الزملاء، والتخصص في الكتابة مدرسة لا يتقنها الكثيرون، وفيها خدمة للوطن، ولا تسمح بتضييع وقت القارئ وسط الرأي العام. ولا حياد في الموقف بالنسبة إلي، وهو قناعة لا يجوز تجاوز حدودها. وثمة من يمارس الإحباط بسبب قناعة في غير مكانها، له حق التفكير، ولي حق السير وفق قناعة راسخة.
وأخيراً هنا وليس آخراً، روسيا التي أكتب عنها منذ القرن الماضي لا تقبل بأقل من النصر في العسكرة والاقتصاد والسياسة وعلى مستوى التقانة، وانتصاراتها تتحقق بتمسكها بالقانون الدولي، وبرفضها لسياسات أحادية القطب الفوقية. وها هي روسيا تنتصر في حربها الدفاعية التحريرية على الأرض، ويعتبر الغرب نفسه منتصراً عبر خطة لديمومة الحرب، ولممارسة الاستنزاف وتشويه صورة الآخر، وهو الصعب تحقيقه في المدى البعيد.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/20 الساعة 13:54