بطَّاح يكتب: أين دور المنظمات العربية غير الرسمية في الحرب الإسرائيلية على غزة؟!

د. أحمد بطّاح
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/19 الساعة 19:27
لعلّنا لا نبالغ إذا وصفنا الدور العربي الرسمي "بالقاصر" في إطار الرد على الحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، وإذا استثنينا موقف الأردن الذي بذل ما في وسعه سياسياً وإغاثياً وما زال يشعر بمسؤولية أكبر فإنّ الدور العربي الرسمي بدا غير متناسب مع مستوى الحدث ولم تستغل الدول العربية ما بين يديها من أوراق للضغط على إسرائيل وداعميها الغربيين لوقف "المجازر" التي ترتكبها إسرائيل كل يوم أمام سمع العالم وبصره.إنّ المؤسف حقاً أن هذا "القصور" لم يتّسم به النظام العربي الرسمي فقط بل امتدّ بشكل واضح إلى موقف المنظمات والهيئات غير الحكومية (NGOs) (Non-governmental agencies) وهي تلك المنظمات التي يفترض أنها مستقلة عن النظم الرسمية، وتمتاز بعلاقات "شبكية" مع مثيلات لها في الدول الأخرى بحيث تستطيع ممارسة عملها بقدر كبير من الاستقلالية، والفعالية، ولكي يكون طرحنا دقيقاً فلنؤشر على بعض هذه المنظمات:أولاً: منظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر التي تتواجد في كل دولة عربية فلماذا لم تسهم هذه -من خلال علاقاتها مع منظمة الصحة العالمية، ومنظمات الصليب الأحمر والهلال الأحمر في الدول الأخرى- في رفد أجهزة الهلال الأحمر الفلسطيني ببعض ما يحتاجه من أطباء، وممرضين، وأدوية وغير ذلك مما يحتاجه القطاع حاجة ماسة وبخاصة أنّ إسرائيل عمدت -وفي مخالفة صريحة لكل القوانين الدولية والإنسانية- إلى تدمير المستشفيات بأسلوب مُمنهج ومقصود ومستمر والشواهد عليه كثيرة بدءاً من "مجمع الشفاء الطبي" وانتهاءً بمستشفى "كمال عدوان" قبل أيام!ثانياً: المنظمات التربوية والأكاديمية العربية مثل "ألكسو" (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم) (Arab League Educational, Cultural, and Scientific Organization) وروابط واتحادات الجامعات العربية: الرسمية والخاصة، فلماذا لم تستطع المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم مثلاً عمل أيّ شيء إزاء التدمير الهائل الذي مارسته إسرائيل ضد كل المؤسسات التربوية في قطاع غزة حيث تعطلت الدراسة، وأصبحت المدارس مراكز إيواء، ولماذا لم تستطع اتحادات وروابط الجامعات عمل أيّ شيء إزاء تدمير إسرائيل للجامعات والمعاهد الفلسطينية وما رافق ذلك من قتل للأساتذة والعلماء والخبراء، ألم يكن بوسع "أليكسو" أن تتواصل مع مرجعيتها "اليونسكو" من أجل إسناد القطاع التربوي في غزة؟ ألم يكن بوسعها توفير بعض أشكال التعلم (ولو عن بعد) بحيث لا يخسر الطلبة سنة دراسية كاملة؟ ألم يكن بوسعها تنظيم حملات تطوعية لمعلمين راغبين كما فعل بعض الأطباء والمسعفين؟ وفيما يتعلق بالروابط والاتحادات على مستوى التعليم العالي لماذا لم تبادر هذه الاتحادات والروابط إلى إسناد الجامعات الفلسطينية من خلال استقبال أساتذتها في بعض الجامعات العربية، أو دعم طلبة غزة الدارسين في الدول العربية، بل وإنجاز بعض الدراسات التي توثق "مقارفات" إسرائيل إزاء الأكاديميا الفلسطينية وما انطوت عليه من تدمير للمختبرات، والقاعات، وأدوات التعليم والتعلم؟ لقد كان يجدر بكل هذه المنظمات التربوية والأكاديمية مستعينةً بالمنظمات الأممية المثيلة: اليونسكو والإيسيسكو (المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة) أن تقوم بكل ما يجب القيام به لإسناد الشعب الفلسطيني في غزة، وتمكينه من الصمود على الصعيد التربوي والأكاديمي والذي لا يقل بحال من الأحوال عن الصمود في المجالات الأخرى.ثالثاً: منظمات حقوق الإنسان، إذْ توجد في كل دولة عربية مثل هذه المنظمات، ولذا فقد كان من واجبها وبما لها من صلات مع المنظمات الدولية مثل منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) ومنظمة العفو الدولية (Amnesty International) ومجلس حقوق الإنسان وغيرهما -أن تفعل ما يجب فعله إزاء الفظائع التي تمارسها إسرائيل في مخالفة واضحة وصريحة لكل حقوق الإنسان من تدمير للمساكن (أكثر من 70% من مساكن القطاع)، وقتل (أكثر من 43,000 ثلثاهم من النساء والأطفال) وتهجير وتجويع وبخاصة أن معظم الهيئات الدولية والأممية أدانت إسرائيل لارتكاباتها. لقد كان مُنتظراً من هذه المنظمات الحقوقية العربية أن ترسل المحامين إلى محكمة العدل الدولية لتدعيم التحقيق في ارتكاب إسرائيل للإبادة الجماعية وكذلك إلى محكمة الجنايات الدولية لإدانة مجرمي الحرب من القادة الإسرائليين، كما كان مُنتظراً منها أن ترصد المخالفات القانونية الإسرائيلية، وأن تؤسس "المحاكم الشعبية" كي تدين إسرائيل على الصُعد الشعبية وعلى مستوى العالم وليس فقط على الصُعد الرسمية.رابعاً: المنظمات بكافة أنواعها فهناك "اتحاد الأدباء العرب"، وهناك "اتحاد المؤرخين العرب"، وهناك "اتحاد الصحفيين العرب" وعشرات غيرها، ومن الواضح أن كل منظمة من هذه المنظمات تستطيع أن تفعل شيئاً ولو متواضعاً ضمن مجال اختصاصها لإسناد الشعب الفلسطيني في القطاع المُدمر والذي يحتاج إلى كل أشكال المعونة والدعم.إنّ السؤال البديهي الذي قد يطرحه القارئ هنا هو: هل كان بإمكان هذه المنظمات أن تخرج على سياسات حكوماتها لكي تقدم مثل هذا الدعم المطلوب؟ والإجابة هي نعم. صحيح أنها قد تتعرض لبعض المضايقات وبالذات من بعض الانظمة الرسمية، ولكنها بالمجمل تستطيع أن تبرر ما تقدمه، بل وأن تقنع الأنظمة الرسمية بأنّ هذا الإسناد هو في صالحها، وسوف يضاف إلى رصيدها. إنّ الحقيقة المرة هي أن هذه المنظمات -ولا نُعمم طبعاً فبعضها قام بجهد محترم- المتواجدة في (22) دولة عربية لم تقدم ما كان يجب أن تقدمه، وعسى أن تكون الفرصة لم تفت بعد بحيث تتدارك هذه المنظمات تقصيرها وتبادر إلى القيام بواجبها: القومي، والديني، والإنساني، والأخلاقي لمؤازرة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والذي يعاني ما لم يعانه شعب آخر من ظلم، وإبادة، وإجحاف.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/19 الساعة 19:27