العتوم يكتب: إنْ صلحت أمريكا صلح العالم كله

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/13 الساعة 16:18

لقد سبقت الولايات المتحدة الأمريكية الاتحاد السوفييتي في التأسيس، فلقد تأسست بعد الارتكاز على الاستعمار البريطاني عام (1776)، وتحدث لغته ثم طورتها الى الإنجليزية –الأمريكية المهجنة بلكنة أمريكية محدثة سريعة الحركة، وتم تأسيس الاتحاد السوفييتي بعد الثورة البلشفية (1917)، و تحديداً عام (1922)، وخاضتا معاً الحرب العالمية الثانية إلى جانب بريطانيا وقوات التحالف التي انتهت عام (1945) بانتصار ساحق للاتحاد السوفييتي على النازية الألمانية، وعلى أدولف هتلر بعد رفع علم السوفييت فوق الرايخ – البرلمان الألماني عام (1945).

وصنعت أمريكا قنبلتها النووية الأولى وجربتها بتمرين حي فوق الأراضي اليابانية في هيروشيما وناكازاكي بهدف مخادع لإنهاء الحرب، وقررت بعدها التفرغ لتأسيس حلف غربي أطلقت عليه اسم "الناتو" عام (1949). وأسس السوفييت قنبلتهم النووية المقابلة بالعام نفسه (1949)، وانطلقوا لتأسيس حلف (وارسو) عام (1955)، فظهر على وجه الأرض قطبان متنافسان ومتصارعان شرقي وغربي وسط حرب باردة وسباق تسلح مستعرين، وظهر التنافس بينهما في أكثر من منطقة في أفغانستان عام (1979) عندما هبط السوفييت هناك قبل هبوط الأميركان بسويعات قليلة، وتصاعدت الحرب الباردة وقتها، وكذلك سباق التسلح. وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام (1989) بأيدٍ صهيونية خفية ولأهداف بعيدة المدى وصفها الرئيس بوتين بالكارثية منها الاستفراد بروسيا ومن ثم الصين، وبفعل علني سياسي لكل من ميخائيل غورباتشوف وباريس يلتسين، تفرغت الولايات المتحدة لبناء أحادية القطب السلبي التوجه بالكامل، و المعزز للحروب والأزمات الدولية، والمرسخ للاحتلالات وفي مقدمتها الإسرائيلية وبجهد من مؤسسة (الأيباك)، والقافز فوق القانون الدولي، ومانح الاحتلال والاستعمار الإسرائيلي بالذات حق العدوان والدفاع عن النفس، وهو المستغرب، والالتقاء في نقطة الإسناد المشترك بعد ذلك على الرغم من متانة علاقة الصداقة الأمريكية مع العرب . وأمريكا قوية هي التي تتمسك بالقانون الدولي كما روسيا الأكثر تمسكاً به.
وتوجهت روسيا الاتحادية في عهد رئيسها فلاديمير بوتين وعهد الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عام (2000) للتحالف بداية مع حلف (الناتو) لتحويله من معادٍ إلى صديق، وللجم الحرب الباردة وسباق التسلح، لكن التوجه الروسي قوبل بصمت أمريكي، وتوجهت روسيا – بوتين لبناء مسار تعددية الأقطاب بالاعتماد على مساحات شرق العالم وجنوبه وسياساته، وإبقاء الباب موارباً تجاه الغرب عندما يصحو الضمير، ولمواجهة تمدد أحادية القطب المتغول على أركان العالم ومناهضته.
وشكلت العملية الروسية التحريرية الدفاعية عام (2022) وسط الأراضي الأوكرانية الشرقية والجنوبية – الروسية الأصل مثل القرم (2014)، والدونباس – لوغانسك ودونيتسك، و زاباروجا، و خيرسون (2022) وحتى الآن، عتبة جديدة لانطلاقة التوجه السياسي والاقتصادي والعسكري الجديد تعزيزاً لتعددية الأقطاب، وكشفت حرب غزة ولبنان (2023 / 2024) النقاب أكثر عن سلبية أحادية القطب التي عجزت عن وقف مجزرة غزة التي ارتكبتها إسرائيل وأشركت فيها لبنان على شكل إبادة واضحة ومقصودة بحجم تجاوز 43 ألفاً من الشهداء جلهم من الأطفال، لم يشهد لها التاريخ مثيلاً منذ حرب النازية الألمانية التي أفشلها السوفييت عام (1945)، وعن عدالة تعددية الأقطاب المرسخة للاستقلالية التي تقودها روسيا – بوتين بنجاح ملحوظ في المقابل، وأصبح المجتمع الدولي يقارن بنفسه المسافة بين التوجهين لصالح الحكم بعدالة القطب الجديد متعدد الأقطاب الداعي للاستقلالية والاعتماد على الذات. والأردن بقيادة جلالة الملك عبد الله الثاني ومصر بقيادة سيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي شكلا سداً منيعاً بوجه سياسة التهجير القسري العنصري الإسرائيلي ويشكران عليه.
قاد الولايات المتحدة الأمريكية بين عامي (2000 و 2024) ستة رؤساء بينهم دونالد ترمب (الجمهوري) مكرر مرتين و(بيل كلينتون، وجورج دبليو بوش، وباراك أوباما، ودونالد ترمب، وجو بايدن (الديمقراطي)، دونالد ترمب)، و قاد روسيا الاتحادية في الفترة نفسها الرئيسان فلاديمير بوتين ودميتري ميدفيديف بتكرار بوتين خمس مرات، والأهم هنا أن العلاقات الروسية الأمريكية وبالعكس كانت حميدة ومتوازنة، وهو المطلوب الآن ، فلقد زار كلينتون موسكو عام (2000 ) لتعزيز الشراكة من أجل السلام ، وسجل عام (2001) وصول الرئيس بوتين لقاعدة أندرو الجوية الأمريكية بعد إدانته وروسيا للهجمات الإرهابية على نيويورك وواشنطن 11/ سمبتمبر، ووصل جورج بوش الابن موسكو عام (2002) لدراسة خفض الأسلحة النووية، وهبط أوباما في موسكو عام (2009) لتعزيز العلاقات، وعمل ترمب في موسكو بصفة رجل أعمال عام (1987)، وأقام علاقات مالية مع رجال أعمال روس كبار، واتهامات غربية له بعلاقات تحت علامات استفهام مع موسكو لم يثبت فحواها، وتوجيه تهمة سرابية لموسكو بتدخلها في انتخابات أمريكا الرئاسية عام (2016)، و الكاتب الفرنسي ريجيسي جونتي كتب في صحيفة "لوفيغارو" وقتها لقد أصبح ترمب في قبضة الروس، وهو أمر مدهش أيضاً. ولقاء قمة بين بايدن وبوتين في (جنيف) عام (2021)، وانحدار لمستوى العلاقات بين أمريكا قائدة (الناتو) والغرب وبين روسيا الاتحادية بعد تحرك العملية الروسية الدفاعية التحريرية عام (2022)، وعدم تفهمهم سبب العملية وهدفها من زاوية القانون الدولي، واعتبارها اختراقاً له وعن قصد، بينما عيونهم حدقت وما زالت في استمرار الحرب الباردة وسباق التسلح والتضييق على أوكرانيا وروسيا والصين وإيران.
وبعد فوز ترمب الساحق في الانتخابات الأمريكية (2024)، وهو المتوقع، والذي تمناه العالم في الغالب، و بفارق كبير سجله المجمع الانتخابي بواشنطن (276 مقابل 219 لكاملا هاريس)، فإن عيون العالم ، وخاصة روسيا الاتحادية والصين الشعبية وإيران، والوطن العربي تتجه لتعرّف برنامج أمريكا بعد تنصيب ترمب بتاريخ (20 يناير 2025) فيما يتعلق بالحرب الأوكرانية التي ينتصر فيها الروس يومياً من زاوية تحرير أراضيهم التي أراد نظام أوكرانيا استباحتها للغرب الأمريكي وللناتو تحديداً بحجة استقلال أوكرانيا عن الاتحاد السوفيتي عام (1991) دون معرفة التفاصيل القانونية المرافقة مثل اتفاقية انهيار الاتحاد ومادة ميثاق الأمم المتحدة رقم 751، والصين تنتظر حلاً جذرياً لقضية تايوان، والعرب ينتظرون حلاً عادلاً لقضيتهم الأولى - بكامل عمقها الأيدولوجي والعالمي – الفلسطينية العادلة، وفقاً للقانون الدولي الذي يطالب إسرائيل بمغادرة الأراضي العربي المحتلة عام (1967) وفقاً للقرار الدولي 242. ولو فازت كاملا هاريس - لا قدر الله - لما تغير شيء على سياسة أمريكا الخارجية فيما يتعلق بالقضايا الدولية العالقة، وهكذا أراد جو بايدن الطاعن في السن قبل مغادرته مبكراً موقعه الرئاسي في البيت الأبيض. فما هي تصريحات ترمب الممكن الاستفادة منها هنا لاستشراف مستقبل العالم؟ دعونا نتأمل معاً.
ما يرشح لغاية الآن هو أن ترمب عازم على إنهاء حروب الشرق الأوسط وحرب أوكرانيا التي أشعل نيرانها بشكل واضح سلفه جو بايدن ليس بسبب الأسباب المباشرة لهذه الحروب، ولكن لمسافات بعيدة على مستوى الحرب الباردة الكبيرة وسباق التسلح الأكبر، ولصالح مصانع السلاح الغربية والأمريكية، ولصالح عائلة (روتشالد) المليارديرة والمعنية بذلك مباشرة. ولقد وعد ترمب حال فوزه، والآن بعد تنصيبه رئيساً للبيت الأبيض بتاريخ (20 يناير 2025) بوقف كل أشكال الدعم عن العاصمة (كييف) والدعوة لحوار عادل بين روسيا - بوتين و أوكرانيا – زيلينسكي ، وربما يتطور الحوار من جديد بين المكون الأوكراني غرباً و شرقاً، وهو الأصعب بعد نجاح صناديق الاقتراع في الشرق والجنوب لصالح الانضمام لروسيا. وهو، أي ترمب من وصف زيلينسكي بأنه يشبه مندوب مشتريات السلاح من الغرب ومن أمريكا بالذات، وامتهان جمع المال الأسود لشخصه ونظامه، وليس لشعبه غرباً الذي تورط بالحرب.
وقال ترمب أيضاً ناصحاً زيلينسكي بضرورة تفهم أن روسيا يصعب محاربتها والانتصار عليها؛ لأنها عظمى وتملك كل أنواع السلاح الذي يضمن لها النصر الأكيد. وأضيف هنا شخصياً القدرة النووية رقماً لمواجهة صلف الغرب وتطاوله مجتمعاً وحتى بشكل مفاجئ. وفي واقع الحال روسيا منتصرة على الأرض انتصاراً أكيداً، و(خطة النصر) الأوكرانية الغربية وبالتعاون مع الغرب تنحصر في ديمومة الحرب فقط بهدف استنزاف روسيا وأوكرانيا وتوجيه رسائل مماثلة للصين وإيران، وبدعاية أمريكية عسكرية سلبية واضحة وفاشلة. وملف القضية الفلسطينية سيبقى مقفلاً ما لم تخطُ أمريكا باتجاه عدالتها ولجم إسرائيل ومحاسبتها على جريمة الحرب بحق الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء، ودعوتها للإفراج عن المعتقلين منهم وتعدادهم كبير يفوق عشرة آلاف، والإفراج عن أسرى إسرائيل حينها الأصغر حجماً بحدود أقل من مئتي أسير، وعدم المبالغة بتضخيم السابع من أكتوبر (2023) إسرائيلياً وغربياً، وعلى أنه أحدث هزة أرضية لإسرائيل رغم رسالته القوية المعبرة عن السخط الفلسطيني والثأر لخسران حربي النكبة والنكسة ولضياع فلسطين والأرض العربية في الوقت نفسه. وهما؛ أي أمريكا والغرب من أفشلوا وقف الحرب في غزة ولبنان مع سبق الإصرار والترصد رغم مراهنة العرب عليهم لوقفها، والحديث هنا يطول ...

مدار الساعة ـ نشر في 2024/11/13 الساعة 16:18