التطرف.. هذا الملف الحائر
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/21 الساعة 01:33
التطرف مفهوم يستخدمه المجتمع لوصف أفكار وسلوك بعض الأشخاص والجماعات التي لا تنسجم مع أفكار وسلوك الغالبية وتختلف معها. وتتباين مستويات ودرجات ونوعية الاختلاف في الأفكار والاتجاهات والمواقف والممارسات؛ حيث يمكن أن تكون متشددة ومنسحبة من المشهد العام أو أن تتحول الى عنيفة ومعادية تعمل على إيقاع الأذى والتخريب بكل ما هو مخالف لنظرتها ومعتقداتها وأسلوب حياتها.
لا يقتصر التطرف على ثقافة بعينها أو مجتمع بذاته، فهو موجود في الأوساط والثقافات والمجالات والأديان والنظم السياسية كافة. في التاريخ الإنساني استطاعت العديد من الجماعات المختلفة في تفكيرها وتصوراتها عن الكون والحياة والوجود العيش أو التعايش داخل ثقافات ونظم اجتماعية وسياسية تختلف عنها وأن تحاول أو تتمكن من إلحاق الأذى بهذه المجتمعات لانعدام الأسلحة والوسائل وقناعة زعاماتها بأن أي فعل اعتداء سيقابل بالعقاب والانتقام الذي لا يمكن النجاة منه.
خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وجدت بعض الجماعات والتيارات الدينية نفسها في صدام مع الأنظمة السياسية والاقتصادية والأمنية العالمية، وأدى تسليح وتدريب هذه الجماعات وزجها من قبل بعض الأنظمة في الصراعات الدولية الى تشجيع بعض قياداتها على التحول من حالة المعارضة الفكرية والإيديولوجية الى بناء إيديولوجيات وأفكار تبرر التدمير والقتل وإشاعة الخوف والدمار في المجتمعات والأوساط التي تراها مختلفة في التفكير والإدارة والحكم.
اتساع دائرة انتشار وتأثير الجماعات والأفراد الذين حملوا الأفكار والاتجاهات المعادية لكل ما هو مختلف عما يعتقدون به كان بسبب تقدم التكنولوجيا وحرية التنقل وسهولة الحصول على تكنولوجيا العنف والتدمير وغياب البرامج الفاعلة لبناء وتوجيه ودمج الإنسان في الخطط والبرامج التنموية الهادفة.
بالرغم من شيوع أعمال العنف والإرهاب في العديد من الثقافات والبلدان، إلا أن الثقافة العربية الإسلامية كانت وما تزال الأكثر اتهاما بمعاداة تيار الحضارة الإنسانية وإقبالا على ارتكاب حوادث الإرهاب والقتل العشوائي والتدمير لمختلف مظاهر الحياة.. التقصير في بناء الإنسان على قبول التنوع والاختلاف والحوار مع الآخر وإهمال حقوق الفرد في المشاركة السياسية ووجود الأنظمة المستبدة وتأخر تبني وتنفيذ برامج الإصلاح السياسي والاقتصادي، بعض من العوامل التي قد تدفع بالشباب الى اليأس ووقوعهم في شرك الجماعات التي تقدم لهم الدوافع والتبرير والتكنيك لارتكاب الأعمال المعادية للمجتمع باعتبارها أفعالا جهادية تعجل من خلاصهم من المعاناة وتنقلهم نحو الخلود الأبدي كشهداء.
في الأردن، نجحت الأجهزة الأمنية في إجهاض عشرات المخططات الإرهابية وألقت القبض على المئات من الأشخاص قبل ارتكابهم الأفعال التي كان من الممكن ارتكابها لو لم يجرِ مداهمتهم واعتقالهم. بالمقابل فما تزال البرامج الوقائية والاشتباك الإيجابي مع الأشخاص والثقافات والبيئات المرشحة لتوليد التطرف نادرة إن لم تكن معدومة.
معظم النظريات التي تحمل المؤسسات حول عوامل تشكل التطرف والإرهاب تستند الى تعميمات وانطباعات وملاحظات عابرة. حتى الدراسات التي تم تنفيذها بدعم من المؤسسات الدولية لم تكن مجدية في بناء نموذج سببي أو عاملي يساعد على تأسيس برامج بنائية ووقائية تحتاج لها البلاد.
نقص البيانات وضعف الدراسات كانا من الأسباب وراء حالة التخبط الإداري في التعامل مع ملف التطرف الذي جرى نقله الى رئاسة الوزراء بعد أن أمضى أكثر من ثلاثة أعوام وهو يتنقل بين وزارتي الداخلية والثقافة من دون أن يترك أثرا واضحا على واقع الظاهرة في الأردن.
انتقال الملف اليوم الى رئاسة الوزراء خطوة ضرورية لكنها غير كافية؛ فالملف يحتاج الى إدارة متخصصة وبرامج واضحة بأهداف مدروسة يجري قياسها والتأكد من تحققها. الأردن يحتاج اليوم وأكثر من أي وقت مضى الى معرفة أسباب التطرف والفئات الأكثر ميلا وإلى برامج للدمج الاجتماعي والثقافي والسياسي، وبغير ذلك سيبقى البرنامج عبئا على الحكومة وعلى رئاسة الوزراء المثقلة بالمهام والأعباء.
الغد
مدار الساعة ـ نشر في 2018/08/21 الساعة 01:33