قديسات يكتب: الاردن بين الحرب التقليدية.. والفضاء الالكتروني

نادر قديسات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/22 الساعة 16:41

نشهد في منطقتنا العربية مالم يألفه التاريخ من مأسي وويلات حروب وصراعات ومطامع كبرى لم تأبه بتمزيق وتفريق وقتل وحشي،فوتيرة الصراعات اخذت نسقاً تصاعديا غير مسبوق حيث يتفاقم العدوان على قطاع غزة وسط صمت دولي عن اتخاذ خطوات حقيقية لوقف إطلاق النار وحماية حقوق الفلسطينيين. كما تواجه لبنان أعباءً كبيرة، فيما يبدو أنها أصيبت بخيبة امل بمستوى الدعم الذي كانت تتوقعه، مما يفاقم اوضاعاها بينما في ذات السياق نجد الأردن يواصل بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني بذل كل الجهود الممكنة لدعم القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.

‏‎ورغم أن مفهوم الحرب يُعرف تقليديًا بأنه صراع مسلح أو غير مسلح لتحقيق مكاسب سياسية أو اقتصادية أو جغرافية، إلا أن ما نعيشه اليوم يتجاوز حدود الحروب التقليدية؛ فنحن نواجه شكلاً جديدًا من الغزو، يتمثل في محاولة التأثيرعلى ثقافتنا وهويتنا عبر الفضاء الإلكتروني.
‏‎بالعوده الى تاريخ السادس عشر من كانون الاول/ ديسمبر 2022، أعلنت وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية، إيقاف خدمات "تيك توك" في الأردن بشكل مؤقت. وقالت الوحدة، إن الإيقاف يأتي على خلفية عدم تعامل المنصة مع إساءة استخدامها من قبل المستخدمين
‏‎ولكن مع ادراك الشباب كيفية عمل المنصات الرقميه وبرامج ال(vpn)التي تتيح لمستخدمها الوصول الى منصة التيك توك المحظوره في الاردن لم يمنع قرار الايقاف هذا وصول الشباب الى هذه المنصه.
‏‎عند محاولتي التعرف الى هذا التطبيق ومع ازدياد تداول اقراني الشباب لمحتوى هذه المنصة وترويجه من خلال المواقع الالكترونيه الاخرى وبصفتي شاب يحاول الانغماس مع اقرانه وبعد تحليلي للمحتوى وما توصلت اليه من هذا التطبيق الذي يسمح لمستخدميه الدخول دون ابراز هويتهم الشخصيه لاحظت مباشره كما هو في باقي التطبيقات عدم قدرة المتصفح على التحكم في المحتوى المعروض له بل ان تقنيات الذكاء الاصطناعي تقوم بذلك وهي من تعرض هذا المحتوى.
‏‎وعلى مدار ثلاثة اسابيع من مراقبه يوميه لهذا المحتوى وتدويني للملاحظات وجدت عدد لابأس به من الأصدقاء يستخدمون هذا التطبيق وما ادهشني ليس ما رأيته بل ما سمعته حيث يقوم الشاب المتفاخر بذاته بتحميل صورة شخصية له يرافقها اغاني حماسيه وعزف موسيقي حماسي يجعلك تظن ان هذا الشاب في طريقة لخوض معركة وحرب طاحنه وبعد البحث عن ما سمعته على اليوتيوب تبين الي انه اوبريت يسمى (احنا العياله) كلمات الاغنيه كانت كالاتي (غصباً عن الرايات السود ندك صور السيستاني ....وثار ابو مهدي المهندس ما برد )
‏‎وبعد بحثي عن مصدر هذه الاغنيه وجدتها تتغنى بقوات الحشد الشعبي العراقي وببُطولاتهم ولكن ما لفت انتباهي ان صديقي الذي يزاملني على مقاعد دراستي بجامعة اليرموك واعرفه جيدا فهو لايعرف شخصا يسمى بأبو مهدي المهندس وعند سؤالي له عن السستاني ابلغني انه لا يعرف من هو حامل هذا الاسم او حتى ماذا يعمل وعند سؤالي له عن استخدامه لهذه الاغنيه وصفها بانها مجرد اغنية حماسية دون ان يفقه مضامينها ويعتبرها انها ترفع منسوب الادرنالين في جسده وعند ما ابلغته عن قلقي حول انتشار مثل هذه المجموعات على حدودنا اجابني جواب جعلني اتراجع عن كل ما اسلفت به حيث قال لي وبلهجتنا الاردنيه "انداري".
‏‎نعود الى محتوى ذلك التطبيق والذي تنتشر فيه اللطميات الشيعيه بكثره حيث انني لوهله شعرت اني اعيش في النجف لا اربد
‏‎لننتقل الان من المحتوى "الشيعي"الى المحتوى "الداعشي"محتوى دولة الخلافة الاسلاميه في الشام والعراق قد يستغرب البعض عن ربطي مابين الطائفة الاسلاميه الشيعية المنتشره في العديد من دولنا العربيه وتنظيم داعش الارهابي
‏‎اما انا عن نفسي فأني ادرك الفرق ما بين المواطن العربي الشيعي ومستخدم مواقع التواصل الاجتماعي الشيعي والتي غالبا ما يكون حسابه لا يتضمن هويته الشخصيه
‏‎ولكن ما جعلني اربط مابين الاثنين هو الهجوم الممنهج تجاه المحتوى الاردني وخاصة المتعلق بالرمزيه الاردنيه مثال على ذلك الهجوم على الهوية الوطنيه الاردنية او حتى على شخص جلالة الملك عبدلله وحتى حادثة استشهاد البطل الاردني معاذ الكساسبه لم تسلم منهم وهو ما يرفضه الاردنيون جميعا ما جعلني اشعر بغضب شديد ما دعاني الى اغلاق هذا التطبيق حيث اني وجدت ان هذا النمط من المحتوى لا يقتصر على “تيك توك” بل يمتد إلى منصات أخرى مثل “فيسبوك"”
‏‎وما صطدمني اكثر انه اثناء تصفحي تطبيق الفيسبوك ومتابعة ما تنشره قناة المملكه -الاردنية- وما وجدته اثناء تجولي في التعليقات هو هجوم مشابه على الاردن وخاصة الاخبار التي تخص الهوية الوطنيه الاردنيه وما يتعلق بسيادته
‏‎وعند مزيد من البحث وجدت انني امام صفحات لاتبرز صفة الهوية الشخصية لمستخدمها وتنشر ذلك المحتوى المشابه لمنصة التيك توك
‏‎وفي خلاصة رحلة البحث والاستقصاء ايقنت ان ما نشهده اليوم ليس مجرد حرب إلكترونية، بل هو هجوم ثقافي ممنهج يستهدف العقل والشعور الوطني. ويسعى هذا الهجوم إلى تفتيت الوحدة الوطنية، والتلاعب بالشباب واستغلال حماسهم تجاه قضايا معينة لتوجيههم نحو أجندات تهدف إلى زعزعة الاستقرار.
‏‎ومن هنا يأتي دورنا كشباب، وأيضًا كمجتمع بان نكون واعين ونتعامل مع هذه المحتويات بحذر، ونعزز من قيمنا الوطنية ونحافظ على هويتنا الثقافية.
‏‎ومع ايماننا بأن الانفتاح على العالم إن كان بالتواصل الاجتماعي او بالوسائل الرقمية له اهميته الا انه
يجب علينا أن ندرك أن الفضاء الإلكتروني هو ساحة معركة لا تقل ضراوة عن ساحات الحروب التقليدية، وأن الانتصار فيها يتطلب وعياً جماعياً، وتعاوناً بين الأفراد والمؤسسات لحماية هويتنا وصون مستقبلنا..

مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/22 الساعة 16:41