الزيود تكتب: استراتيجية عودة اللاجئين السوريين: بين التزام الأردن الإنساني وحسابات الأمن الوطني
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/22 الساعة 09:24
تتجلى العلاقات الأردنية السورية في الآونة الأخيرة كركيزة أساسية نحو تحقيق استقرار إقليمي دائم، حيث تأتي زيارة وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، إلى دمشق كخطوة تتعدى البروتوكولات الدبلوماسية التقليدية. إن هذه الزيارة تحمل في طياتها رؤية استراتيجية تهدف إلى تعزيز الأمن الإقليمي وبناء شراكات جديدة لمواجهة التحديات المشتركة. في ظل ضغوط متزايدة على البنية التحتية الأردنية نتيجة استضافة أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري، تبرز قضية اللاجئين كأحد أبرز الملفات المطروحة على طاولة الحوار الأردني السوري.
لطالما كان الأردن نموذجًا في التعاطي مع أزمة اللاجئين السوريين من منظور إنساني، حيث أبدت المملكة التزامًا واضحًا بمسؤولياتها تجاه اللاجئين، لكنها تدرك في الوقت ذاته أن الحل الأمثل يكمن في عودتهم إلى وطنهم. خلال زيارته الأخيرة إلى سوريا، شدد الصفدي على أهمية التنسيق بين البلدين لضمان عودة اللاجئين بشكل آمن وطوعي، مشيرًا إلى أن استعادة الأمن والاستقرار في سوريا يُعد شرطًا أساسيًا لتحقيق هذا الهدف.
عودة اللاجئين لا تعني فقط حل أزمة إنسانية، بل تحمل في طياتها مكاسب استراتيجية للأردن؛ إذ أن تقليص أعداد اللاجئين سيخفف الضغط الهائل على الموارد الوطنية مثل المياه والطاقة، إلى جانب تحسين الخدمات التعليمية والصحية التي تأثرت سلبًا جراء تزايد أعداد السكان. كذلك، فإن عودة اللاجئين ستسهم في خفض معدل البطالة في صفوف الأردنيين، لا سيما في القطاعات التي شهدت منافسة قوية بين العمالة السورية والمحلية.
تدرك المملكة الأردنية أن عودة اللاجئين لن تكون مجدية إلا إذا تم توفير الضمانات اللازمة لضمان سلامة وحقوق العائدين. لذلك، كان التنسيق مع الحكومة السورية محوريًا لضمان أن تكون هذه العودة قائمة على أسس متينة. يبرز هنا دور الأردن كوسيط بين المجتمع الدولي وسوريا، مما يعزز من مكانة المملكة كفاعل إقليمي أساسي في صياغة الحلول السياسية والإنسانية لأزمات المنطقة.
إلى جانب التخفيف من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية على الأردن، تشكل عودة اللاجئين السوريين ضرورة أمنية بالغة؛ فتواجد أعداد كبيرة من اللاجئين قد يمثل خطرًا محتملًا في ظل استغلال بعض الجماعات المتطرفة لهذه الفئات المهمشة. وبالتالي، فإن عودتهم تحت ظروف آمنة يسهم في تعزيز استقرار الأردن وحمايته من أي تهديدات محتملة.
من الجانب الآخر، ستسهم عودة اللاجئين أيضًا في إعادة تحريك عجلة الاقتصاد السوري، ما قد يخلق فرصًا جديدة للتعاون الاقتصادي بين الأردن وسوريا، خصوصًا في مجال إعادة الإعمار والاستثمارات المشتركة. هذه العودة يمكن أن تفتح الأبواب أمام تعزيز التجارة البينية والاستفادة من العلاقات الاقتصادية التي تربط البلدين.
تؤكد زيارة الصفدي إلى سوريا أن الأردن لا يسعى فقط لحل أزمة اللاجئين، بل يضع نصب عينيه تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة ككل. إن الدور الذي تلعبه المملكة في هذا السياق يتجاوز المصالح الوطنية الضيقة، ليشكل نموذجًا للدبلوماسية الهادفة إلى خلق بيئة تعاون إقليمي تسهم في استقرار الشرق الأوسط. وفي ظل هذه التحولات، يبقى الأردن فاعلًا أساسيًا يسعى دائمًا إلى تحقيق التوازن بين التزاماته الإنسانية ومصالحه الوطنية.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/22 الساعة 09:24