شطناوي يكتب: من وحي (دراستنا أيام زماااان)

د. عبدالكريم محمد شطناوي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/21 الساعة 19:08
تعود بي الذاكرة إلى أيام دراستنا القاسية الظروف،في مدرسة حوارة المطلة على بركة أثرية،بعض أبنيتها مستأجرة،وأنشئت مع بداية ولادة إمارة شرق الأردن. كانت الدراسة في غرف صفية صغيرة مبنية من لِبِن(قوالب) الطين وفي أحسن حالاتها من الحجر الأسود أو الأبيض،سقف الغرفة من الخشب(المورينات)، فوقها يُصف القُصِّيب تغطى بأ عشاب برية وتبن،وجَبلة الطين والتبن،ثم تدلك جيدا بالمدلك. وأما شبابيكها فهي صغيرة الحجم،خشبها مُخَلّع وقزازها مّكسّر وفي أيام الشتوية:أَحِّيه أَحِّيه،نرتجف من البرد والصقيعأسناننا تصطك ببعضها،فلا نار،لا صوبة نستدفي بها،ما لنا إلا فرك اليدين،النفخ عليها نتحدى مين يقدر يعمل(كمود)باليد. وأما بيئة وجو الدراسة ليلا يُزيّنها القنبور بضوئه الخافت ليطرد ظلمة الليل،وينبعث منه السَّنَا فيطلي الأنف بلون أسود فلا وجود للكهرباء،وفي الصباح نغسل الأيدي والوجوه،وننظف أنوفنا من شحبير القنبور. مناهجها لها طعم ومذاق ونكهة خاصة ما زلنا حتى أيامنا هذه نعتاش على مازودتنا به من علم ومعرفة لها صلة بالحياة. وأما القرطاسية فدفاتر يتيمة وتسمى(سفينة)،قلم رصاص لما يقصر نحتال عليه فنزيد طوله بحشو طرفه بفشكة،وقلم كوبيا يُغطُ رأسه بالريق،نحملها بكيس من القماش. وكنا ندرس بدافع من أنفسنا نقرأ أربع حصص صباحية في المدرسة،وبعدها نذهب للبيت لنتغدى،ثم نعود للمدرسة كي نقرأ حصتين مسائيتين،وأيام الشتوية نعود للبيت في ظلمة الليل. لا حصص إضافية،لا مدرسين خصوصيين،لا طوارئ في بيت العيلة،وعليك أن تدرس لوحدك وتشلع شوكك بيديك،نسخ عدة مرات لدرس القراءة،حل مسائل الحساب،حفظ قرآن كريم،رسم خرائط،حفظ محفوظات،كراسة خط صيام.......الخ. ومن الذكريات الجميلة يوم الجمعة وما أدراك ما الجمعة،من الصباح الباكر نغادر المنازل،معنا كتبنا وِنْطشّ بين السهول نقرأ،وننسخ الواجب،ونحفظ دروسنا ونأكل من خيرات الأرض،المُرَّار، العكّوب،البيّوض،الخرفيش،الدر يهمة،عوينة البقرة،الجلتون...الخونشرب من قيعان الأودية،ثم نعود مساء إلى الدار قاريين،ما مكلين،شاربين،تعبانين،وطوَّالي عالنوم. نعم كانت وكانت وكانت قاسية لكنها لذيذة فالإعتماد كان على النفس وتحمل المسؤولية،ويا عيني على علاماتنا ونتائجنا فكانت لها قيمة وللعلامة طعم خاص،لها(طنة ورنة)فقدجاءت بتعب اليمين وعرق الجبين. يااااه ما أحلى علاماتنا وما أعظمها،فعلامة الخمسين وإلا الستين والا السبعين...الخ لها معنى خاص،فدار المعلمين الريفية بحوارة وبيت حنينا جاهزتان،ومعهدا المعلمين في عمان والعرُّوب جاهزان ودار المعلمات في رام الله جاهزة،لا جامعات في الأردن،وجامعات العالم مفتوحة أمام ميسوري الحال،وأما الأغلبية فيا حسرة! وأما النجاح فلا تنجيح تلقائي ولا استنفد حقه من الرسوب،ولامجالس رحمةولا شفقة،لا إعفاءمن إكمال أو إثنين،ولما تطلعالنتائج لا طخطخة،لا نار،زغردةعلى استحياء،أما الحلوان فهو صفط راحة وحبة مطعم يااه ماأزكاهن في الفم،الفرحة والبسمةحلوة وبنفس خالصة. والذي يرسب ثلات مرات يُفصل من المدرسة،لكنه يجد طريقه سالكة للزراعة والسراحةأو لحرفة يدوية،فلا بطالة ولا عاطل عن العمل،الشاطر يجري ورا عيشه،وبجهده هيتم نعيمه،والخايب يجني عليه طيشه،وبرجله يوصل لجحيمه...أما اليوم يا عيني!!هيف وريف مِيِّة تحُف ومِيِّة تزف ومية ترقعوراه الدف،والجامعات حبطرش ع قفا من شال،رسمية وأهلية. هذه خاطرتي عن ايام قبل،فأنالا أقلل من علامات اليوم فهي ما شاء الله مدد بلا عدد،تنشالبالكريكات،وثمنها دُفع باهظا، دروس خصوصي،مواصلات،أماالمصروف فحدث ولا حرج. وبعد النجاح في الثانوية على الله تلقى قدما في جامعة حيثتزاحم الأقدام،لكنها بطعم ولون ومستقبل غامض غموض سياسات التعليم التي اهتمت بالكم على حساب النوع،بمناهج شبه غائبة عن حاجات الوطن والمواطن. وآخريتها طوابير بطالة تعلوهاكراتين جامعية أشكال وألوان، والله المستعان... ختاما لا أقلل من جهود طلبةاليوم فهي نتاجهم على ضوء مايتخذه المسؤولون من قرارات ضمن عوامل زمنهم المستقلة،و التابعة والدخيلة(تحتها خط)التي تعمل من أجل تطويرها بمايتلاءم مع حياة عصرهم.. وصدق من قال : لكل زمان دولة ورجال.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/21 الساعة 19:08