العتوم يكتب: أمريكا قد تقر بعدالة روسيا

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/21 الساعة 10:16
منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 ، و بعد انتصار الاتحاد السوفيتي فيها بمشاركة 50 دولة في مقدمتها أمريكا و بريطانيا و بشكل محدود ، و بعد تأسيس الأمم المتحدة التي ظهرت نتيجة لاجتماع سان فرانسيسكو و للحرب ، توجه الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية المؤسسة تاريخا عام 1776 ، لتشكيل القطب الغربي لمواجهة الأمبراطورية السوفيتية المنتصرة ،و صعد الغرب الأمريكي الحرب الباردة و سباق التسلح معه ، و أنتجت القنبلة الأمريكية النووية الأولى وقتها فيما أنتج السوفييت قنبلتهم عام 1949 بفارق استخدام أمريكا لها لردع اليابان و اجبارها على وقف الحرب الثانية و التسبب في مقتل و تشويه قرابة 300 الف ياباني ، بينما استمر السوفييت في تبني استراتيجية عدم استخدام السلاح النووي أولا ، و لا زالت روسيا الاتحادية العظمى بعد انهيار الأتحاد السوفيتي عام 1991 تنتهج نفس الاستراتيجية رغم تطويرها عام 2024 لتشمل الحرب التقليدية المكثفة ضدها أو عبر تزويد دولة نووية لغيرها تقليدية بهدف ضرب العمق الروسي .
ولقد شهدت العلاقات السوفيتية سابقا ،و الروسية بعد ذلك لقاءات دافئة على مستوى القمة رغم سعير الحرب الباردة و سباق التسلح التي تمتهنها شركات و مصانع السلاح وفي مقدمتها النووية الخطيرة ، و تتقدمها من جانب الغرب عائلة روتشيلد اليهودية في فرانكفورت ،و من جانب الشرق الروسي و السوفيتي السابق مخازن ومصانع السلاح النووي الثقيل الخطير أيضا صاحبة الرقم 1 عالميا . ففي عمق التاريخ المعاصر و تحديدا في القرن السابع عشر وصفت العلاقات التجارية الروسية – الأمريكية و بالعكس بأمريكا الروسية ، و لقاءات بين بطرس الأكبر وويليام بين ، و تبادل للسفراء عام 1809 ، و بيع اقليم الاسكا لأمريكا عام 1867 ،وزار خرتشوف أمريكا و التقى جون كينيدي ، وزار ريتشارد نيكسون الاتحاد السوفيتي عام 1972 ، و برنامج فضائي مشترك روسي – أمريكي عام 1975 حمل إسم ( سيوز ابولو ) .
والتقى جيرالد فورد ليونيد بريجنيف عام 1974 للحد من الأسلحة الأستراتيجية ، و لقاء جمع بين غورباتشوف و رونالد ريغان في ( جنيف ) عام 1985 ومع جورج بوش عام 1990 ، و بوريس يلستين يلتقي جورج بوش الأب في ( كامب ديفيد ) عام 1992 ، ولقاء هام جمع الرئيس فلاديمير بوتين مع الرئيس بيل كلينتون عام 2000 طرح امكانية دخول روسيا لحلف ( الناتو ) بهدف انهاء الحرب الباردة و سباق التسلح و التوتر بين البلدين قوبل بعدم الرد على رسالة موسكو حينها . ولقاء جمع الرئيس بوتين بجورج بوش عام 2007 ، و الرئيس دميتري ميدفيديف يلتقي جورج بوش الأبن عام 2008 . ووقوف أمريكا 2008 مع جورجيا عقد المشهد و أحدث مطبا سياسيا عميقا ، و يلتقي ميدفيديف بالرئيس باراك أوباما عام 2009 . وشكلت العملية الروسية الدفاعية التحريرية للاراضي الأوكرانية – الروسية الأصل ( القرم ، و الدونباس ، و زاباروجا و خيرسون ) تحولا في السياسية الغربية الأمريكية مع روسيا الأتحادية بالأتجاه السلبي لعدم تفهم الغرب كاملا لهدف العملية الروسية الخاصة و اعتبارها احتلالا لأوكرانيا ، بينما تقر روسيا بأن العاصمة ( كييف ) هي من بدأت الحرب و أساءت استخدام ملف استقلالها عن الاتحاد السوفيتي عام 1991 ، و ذهبت أكثر لتجييره لصالح التحالف مع حلف ( الناتو ) المعادي لروسيا بعد افتعالها لانقلاب عام 2014 .
بين الحزبين الديمقراطي و الجمهوري في أمريكا مسافة من الأختلاف بهدف الأستحواذ على كرسي البيت الأبيض المربح سياسيا و اقتصاديا و معنويا ، و يلتقيان عند نقطة مصالح أمريكا العليا ،ومساحة النقد المتبادل ممكنه وحتى الهجوم الإعلامي المتبادل ، و سبق لروسيا – بوتين لقاء أمريكا – بايدن في (جنيف) عام 2021 ، و لقاءات أخرى في أماكن عديدة و عبر الفيديو ، و تخوف أمريكي من الوصول الى مرحلة ( هرمجدون – الفناء النووي ) ، و هو الذي لا يعكس بأي شكل من الأشكال استراتيجية روسيا العسكرية النووية التي ترتكز على عدم استخدام النووي أولا ،و يستخدم لديها حالة الهجوم النووي أو التقليدي المكثف المباشر . و لازالت تتظاهر أمريكا ومعها الغرب بالتمسك بالقانون الدولي بشأن الحرب الأوكرانية عبر الدفع بالمال و السلاح الوفيرين تجاه العاصمة ( كييف ) ، و لا تصدق بأن من بدأ الحرب هو نظام أوكرانيا من خلال انقلاب ( كييف ) و بالتعاون مع التيار البنديري المتطرف أيضا ،ومع الغرب الأكثر تطرفا كذلك . و تجار السلاح في الغرب و خاصة في أمريكا صفقوا للحرب و فضلوها على السلام .
و الان ومع اقتراب طبول الانتخابات الرئاسية الأمريكية 5 نوفمبر المقبل صعد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب هجومه على الرئيس المستقيل من ماراثون الانتخابات جو بايدن ، و على خليفته كاميلا هاريس ، مشيرا بوضوح بأن كييف – زيلينسكي هي من بدأت الحرب الأوكرانية ، و بأن بايدن من عمل على تهييجها ، و نلاحظ في المقابل كيف عجزت أمريكا عن لجم هيجان إسرائيل التي تمارس حرب الإبادة ضد مواطني فلسطين في غزة و الضفة الغربية و في لبنان ،و كيف تعمل على تلبية مصالح إسرائيل الأمنية وتقدمها على كل الحلول السياسية الممكنة . ولازال الأمل معقودا على قدوم قيادة أمريكية مختلفة تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول و الشعوب في ظل التحول التاريخي الحتمي القادم من أحادية القطب الذي تقوده أمريكا الى تعددية الأقطاب بقيادة روسيا .و الأصل أن تنتهي الأزمات و الحروب و الحرب الباردة و سباق التسلح ليتفرغ العالم للتنمية الشاملة الخادمة للبشرية جمعاء .
بطبيعة الحال ليس كل ما يملكه ترمب سمن و عسل ، و نريد له و لغيره في غرفة قيادة أمريكا التغيير نحو الأفضل ، فصفقة السلاح للعرب ب 450 مليار دولار غير مقنعة لنا ، و أسرلة الجولان – الهضبة العربية السورية لا تنسجم و القانون الدولي المنصف لها من تحت مظلة الأمم المتحدة ،و قضايا العرب الأخرى و في مقدمتها قضية فلسطين العادلة الأصل أن تجد حلا جذريا منصفا للعرب وكامل عمقهم الأيدولوجي . و لا يجوز استمرار مشهد الحروب في زمن الحاجة للسلام الذي يعني للبشرية التنمية و العطاء ، ولم يثبت العلم حتى الساعة وجود موطيء قدم للإنسان في الكواكب الأخرى بقصد العيش المريح ،و السماء تراقب ، و الزمن لا يرحم جراء تكرار العبث بقوت المواطن و سلامته و أمنه أينما تواجد في كل العالم .وكلما تطورت تكنولوجيا السلاح الثقيل ، كلما تلاشت امكانية العبث بأمن العالم أو مجرد التفكير بتفجير حرب عالمية ثالثة لا سمح الله ، تكون مدمرة للبشرية و للحضارات . و سلام ضعيف خير من حرب مدمرة ، مقولة شرقية لازال مكانها محفورا في عقول قيادات و شعوب العالم ، خاصة في الدول العظمى .
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/21 الساعة 10:16