العتوم يكتب: لكي لا يتكرر سيناريو السودان في ليبيا

د. حسام العتوم
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/18 الساعة 21:13
المشهد العربي منذ القرن الماضي وتحديداً مع اندلاع ثورة العرب الهاشمية الكبرى عام 1916 بقيادة شريف العرب وملكهم الحسين بن علي طيب الله ثراه، الأصل أن توجه للوحدة الحقيقية على مستوى، العلم، والنقد، وجواز السفر، والاقتصاد، والجيش، والسياسة الخارجية. (سليمان الموسى. الحركة العربية – سيرة المرحلة الأولى للنهضة العربية الحديثة 1908 -1924 ).وأضيف هنا وعلى مستوى الهوية الثقافية والقومية، والعاصمة الواحدة أو بالتداول، وعلى مستوى الروابط الأمنية والتنسيق المشترك، وامتلاك السلاح غير التقليدي إسوة بالأمم المتقدمة، وللتعادل عسكريا مع الكيان المغتصب ممتهن اغتيالات قادة المقاومة العربية والناعت لها بالإرهاب، والمعفي ذاته من الأرهاب الراسخ في جذوره منذ عهد عصابات (شتيرن، والأرغون، والهاغاناه) الإرهابية بامتياز. ولا ننسى هنا صهيونية (الأيباك) والتوارة المزورة المتغولة وسط الأراضي العربية المحتلة، والناكرة لحقوق الفلسطينيين في الوطن والدولة والقدس.ليبيا دولة عربية شقيقة تتربع في شمال أفريقيا، وتطل على البحر المتوسط،و لها نافذة مائية على أوروبا،و مساحتها تقارب 2 مليون كلم 2، وعدد سكانها أكثر من 7 مليون نسمة، واللغة العربية – الأرامية – لغة القرأن الكريم لغة الدولة والشعب،و يتحدثون الفرنسية والأنجليزية، وهي دولة بترولية منذ عام 1959،وكان لديها مشروعا نوويا كاد يرتقي لمستوى انتاج القنبلة النووية عامي 2001 / 2002. وحاضرها ومستقبلها مهم لكل العرب، والليبيون يعيشون وسط العرب أيضا،و العرب يرتحلون اليهم بطبيعة الحال. ولقد عاشت ليبيا حياة الاستقرار في الحكم الملكي في عهد الملك محمد ادريس بن محمد المهدي بين عامي 1951 و1969، وكانت استقلت عام 1949 بقرار من الأمم المتحدة،و هو ما أعلنه الملك السنوسي بنفسه بعد التخلص من الاحتلال الإيطالي.و عرفت ليبيا الاستقرار ثانية في عهد القائد معمر القذافي وعلى مدى 42 عاما ( 1969- 2011 )، إلى أن عصف الربيع العربي بها كما العديد من دول العرب، وتسببت الثورة الليبية والثوار وتدخل حلف ( الناتو ) في انهاء حقبة القذافي وتقسيم ليبيا إلى شرق وغرب، واستمرار القتال بهدف تقاسم خيرات ليبيا البترولية وأرصدتها المالية. وانقسمت ليبيا في ولائها بين العسكر والنظام السياسي، فظهر إسم الجنرال خليفه حفتر الذي ساندته روسيا الأتحادية، وبالأخص وزارة الدفاع الروسية، واستمر الرئيس فلاديمير بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف بدعم حكومة الوفاق الوطني بقيادة رئيس الحكومة فايز سراج. وكما للغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية قائدة ( الناتو ) مصالحا في ليبيا رغم اغتيال سفيرها كريس ستيفنز عام 2012 في مدينة بنغازي،و الممثلة لتوجه أحادية القطب، فإن لروسيا مصالحا مقابلة وهي التي تمثل تعددية الاقطاب وميزان العالم. وأينما تكون أمريكا تحط روسيا رحالها، والعكس صحيح.ومجرد تجدد القتال في ليبيا بين الشرق والغرب ولو ليس بمستوى عام 2011، ينذر بتقسيم ليبيا على غرار تقسيم السودان عام 2020،وهو الذي لا نرغب به، وان حصل لا سمح الله، فإنه سيعكس مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تتبناه الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل. وستبقى وحدة ليبيا في المقابل تشكل الخط الأحمر والسيادة،و الاعتزاز الوطني والقومي. والأمل يحدونا لوحدة السودان من جديد، وقد يبزغ فجر وحدتها من جديد وكل بلاد العرب، وهو طموح واقعي يبعد عن الخيال والفانتازيا. ومشروع ثورة العرب الكبرى لازال ساري المفعول ولن تركنه الأجيال العربية، وهو باق في ذاكرتها القوية. وقضايا العرب مع إسرائيل محتاجة لتوحيد الصفوف،و للإرتقاء بالشعور العربي تجاه الفزعة والعمل المشترك سياسيا ودبلوماسيا، وعلى مستوى العون المالي. وجامعة الدول العربية مدعوة اليوم أكثر من أي يوم مضى لأخذ زمام المبادرة وبالتنسيق مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن لإعادة الحقوق العربية الى مكانها الصحيح والمطلوب. وشعار القومية العربية (ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة ) يمكن ترجمته إلى الوحدة العربية والقطب العربي، والقوة العربية وفي مقدمتها غير التقليدية عبر معاهدات الدفاع المشترك مع الدول العظمى على الأقل.سفير روسيا الأتحادية في ليبيا حيدر رشيد أغانين من حلقة معارفي عندما عمل دبلوماسيا هنا في الأردن، وهو ذكي ونشيط، ويمثل جسرا للعلاقات الروسية – الليبية وبتوازن، وفي تصريح حديث له قال بأن موسكو تقف على مسافة واحدة من الفرقاء الليبيين، وبأن بلاده روسيا لا تصدر التعليمات لليبيا، وهو بالفعل كذلك، وروسيا باحثة دوما عن التعاون معها وعلى المستوى الدولي. وللسفير أغانين مجموعة مؤلفات حول الكويت، وقطر، والأردن الحديث، في مجال القبائل، وحول عشائر المملكة الأردنية الهاشمية، ولدي حدس بأن سعادته سوف يكتب عن العشائر الليبية بحكم تواجده فيها. وفي أعماله المتتابعة فرصة أكيدة لتعريف المجتمع الدولي بديمغرافيا العرب.و سفير أمريكا ومبعوثها ريتشارد نورلاند يبحث في ليبيا أهمية الدفع بالعملية السياسية للسماح للشعب الليبي بإنتخاب قادته، ويبحث في تسوية الخلافات الليبية مع المجلس الرئاسي، ومجلس النواب، والمجلس الأعلى للدولة، وحكومة الوحدة الوطنية، والقيادة العامة للجيش الوطني بقيادة حفتر. وشخصيا هنا أتمنى لليبيا الشقيقة دوام الأستقرار،و صفاء التعاون الدولي بعيدا عن مصالح الدول الكبرى وتجاذباتها ذات اليمين وذات الشمال. والعالم الذي بدأ مشواره بأقطاب متعددة، سينتهي عاجلا أم أجلا إلى تعددية الأقطاب من جديد لتنتهي الحرب الباردة وسباق التسلح الدافعان للبشرية تجاه التقهقر، والتخلف التنموي، والأزمات الدولية، والحروب والتي في مقدمتها حروب منطقتنا العربية والشرق أوسطية في غزة ولبنان بين إسرائيل وحماس وحزب الله،و بمشاركة الحوثيين في اليمن وحزب الله في العراق، وحرب أوكرانيا التي تطلق عليها روسيا مصطلح – العملية الخاصة الدفاعية التحريرية، وتسميها ( كييف ) خطة النصر بالتعاون مع الغرب، رغم أنها بدأت من طرفها عبر انقلاب العاصمة الأوكرانية، والتفاصيل بطبيعة الحال كثيرة.وفي الختام هنا، فإن أجيال العرب الصاعدة مطالبة بالتمسك بالوحدة، وبالعزوف عن الأنغماس بالقسمة والتفرقة، والتفرغ لمواصلة الإعمار لما فيه كل الخير لكل العرب ولكل العالم.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/18 الساعة 21:13