مهيرات تكتب: الابتكار والاستدامة: المفتاح نحو تحسين النظام الصحي الأردني

الدكتورة ميرفت مهيرات
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/16 الساعة 10:11
في ظل التراجع الذي يشهده الأردن في تصنيفه لأهداف التنمية المستدامة في مجال الصحة والرفاه، تبرز الحاجة إلى استراتيجيات شاملة تهدف إلى تحسين النظام الصحي. الأردن يواجه تحديات في تحقيق الصحة والرفاه بسبب ضغط اللاجئين على النظام الصحي، انتشار الأمراض المزمنة، قلة الدعم للصحة النفسية، ونقص التغطية الصحية الشاملة، مما يؤثر على توفير الرعاية للجميع.
لقد شهد ترتيب الأردن في هدف "الصحة الجيدة والرفاه" انخفاضًا ملحوظًا من المرتبة 70 إلى 81 بين عامي 2015 و2023، مما يُظهر التحديات المتزايدة التي تواجه القطاع الصحي، ويعكس ضرورة العمل الفوري على معالجة هذه القضايا.يمكن للأردن الاستفادة من تجارب دول أخرى مثل رواندا وفيتنام وكوبا وسنغافورة، حيث تبنت هذه الدول أساليب مبتكرة لتعزيز الرعاية الصحية. على سبيل المثال، بعد الإبادة الجماعية عام 1994، قامت رواندا بالاستثمار بشكل كبير في البنية التحتية الصحية وتدريب العاملين في القطاع الصحي. من خلال برامج مجتمعية، تم تدريب متطوعين صحيين لتقديم الرعاية الأولية، مما ساهم في خفض وفيات الأطفال بنسبة 60% بين عامي 2000 و2015. يمثل هذا النموذج تجربة ملهمة يمكن أن يتبناها الأردن لتحسين الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية.من جهة أخرى، اعتمدت فيتنام على حملات توعية صحية تهدف إلى الوقاية من الأمراض المزمنة، مما أدى إلى خفض معدل أمراض القلب والأوعية الدموية بنسبة 20% بين عامي 2005 و2015. من خلال هذا النهج التوعوي الشامل، نجحت فيتنام في تقليل العبء الصحي بشكل ملموس، مما يتيح للأردن فرصة الاستفادة من هذا النموذج عبر إطلاق حملات تثقيفية تستهدف تعزيز أنماط الحياة الصحية والوقاية من الأمراض.على صعيد آخر، تُعد كوبا مثالاً آخر يبرز كيفية بناء نظام صحي فعال رغم محدودية الموارد. قامت كوبا بتدريب أطباء الأسرة وتوزيعهم في مختلف المناطق، مما مكّنها من تقديم خدمات صحية مجانية لجميع المواطنين وتحقيق معدلات تطعيم مرتفعة. إذا استثمر الأردن في تدريب مقدمي الرعاية الأولية وتعزيز خدمات الصحة الوقائية، يمكنه بالتأكيد تحسين جودة الرعاية المقدمة للمواطنين.ولا يمكن إغفال تجربة سنغافورة التي اعتمدت الابتكار الرقمي كوسيلة لتحسين نظامها الصحي. من خلال إدخال الطب عن بُعد، تمكنت سنغافورة من زيادة كفاءة الخدمات وتقليل التكاليف. إن توظيف تقنيات الطب الرقمي في الأردن، وخاصة في المناطق النائية، يمكن أن يسهم بشكل كبير في تحسين كفاءة النظام الصحي وتوسيع نطاق الخدمات المتاحة.لتحقيق هذه الأهداف، ينبغي على الأردن تطوير استراتيجية صحية شاملة ترتكز على الدروس المستفادة من تجارب الدول الأخرى. يمكن لهذه الاستراتيجية أن تجمع بين الابتكار الرقمي، وتعزيز الصحة المجتمعية، والتركيز على الوقاية. كما أن التعاون بين القطاعين العام والخاص سيكون محوريًا لتوجيه الاستثمارات نحو تحسين البنية التحتية الصحية.علاوة على ذلك، يُعتبر تحديد المخاطر الصحية وإدارتها جزءًا أساسيًا من أي استراتيجية شاملة. ينبغي على المؤسسات الصحية الأردنية أن تبدأ بتحديد المخاطر المحدقة بنظامها الصحي، مثل الأمراض المزمنة ونقص الموارد. كما يتطلب ذلك تقييم هذه المخاطر، وتطوير استراتيجيات وقائية فعالة، وتوظيف التكنولوجيا الحديثة لتحسين الوصول إلى الخدمات الصحية.ختامًا، يمتلك الأردن فرصة فريدة لتعزيز نظامه الصحي وتحقيق تقدم في مجال الصحة والرفاه من خلال استلهام تجارب دول مثل رواندا وفيتنام وكوبا وسنغافورة. عبر التركيز على الابتكار والرعاية المجتمعية، يمكن للأردن أن يحقق أهداف التنمية المستدامة، ويوفر لمواطنيين نظام رعاية صحية أكثر فعالية وشمولية. إن تحسين النظام الصحي في الأردن يتطلب جهدًا جماعيًا واستثمارًا مستدامًا لضمان مستقبل صحي أفضل لجميع المواطنين.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/16 الساعة 10:11