العرب ومواجهة المخططات الأميركية والصهيونية

د. صلاح جرار
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/16 الساعة 08:08
من الأسئلة المشوبة بالحيرة سؤال علاقة الكيان المحتلّ بالغرب الأميركي والأوروبي وما هو سرّ هذه الاستماتة التي تبديها دول الغرب كافّة في الدفاع عن هذا الكيان وتزويده بأحدث ما تنتجه مصانعها العسكرية من طائرات وصواريخ وعتاد ووسائل حربيّة متنوّعة، بالإضافة إلى دعمه سياسيّاً واقتصاديّاً إلى درجة استعدادها للتضييق على شعوبها وحريّات شعوبها من أجل إرضاء هذا الكيان، مع علم هذه الدول أنّه كيان غير شرعيّ، وأنّه كيانٌ مارقٌ وخارج على جميع القوانين والشرائع الدولية والإنسانية، وأنه يمارس كلّ الجرائم والموبقات ما ظهر منها وما بطن، وأنّه لا يتورّع حتّى عن التطاول على أيّ دولةٍ من الدول التي تدعمه دعماً مطلقاً غير محدود، وكأنّ هذه الدول كلّها ما وُجِدَتْ إلاّ لتكون في خدمة هذا الكيان. وينبثق عن هذا التساؤل المركزي أسئلة أخرى كثيرة، منها إلى أيّ مدى تستطيع الشعوب الغربية أن تتحمل هذا العبء المفروض عليها وهذه الإهانات لكراماتها، وهذا الابتزاز لها، وهذا التطاول غير المحدود على رموزها، وهل هي ملزمة بتقبُّل ذلك والتسامح فيه إلى ما شاء الله؟!
وقد اجتهد كثيرون في الإجابة عن هذه التساؤلات، وكان من أكثر الإجابات انتشاراً أنّ دول الغرب تريد التخلّص من هذا الجنس الذي لا يتوقف عن التخريب والإفساد وإثارة الفتن وتدبير المكائد ومحاولة السيطرة على مقدّرات العالم.
ومن الناس من يرى أن الغرب بزراعته هذا الكيان في قلب الوطن العربي يحقّق هدفين معاً أو يضرب عصفورين بحجر واحد، فهو يتخلّص من هؤلاء الأشرار من جهة، ويعيق أي نهوض حضاري عربي من جهة ثانية كي يظلّ العربُ عالةً على دول الغرب وتبعاً لها في كل شيء.
ومن الإجابات الأقرب إلى المنطق أنّ الغرب من خلال ما سمّاه إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين يهدف إلى جعل هذا الكيان دولةً عازلةً بين الغرب والشرق، وأنّه يكافئها على هذا الدور بالاستمرار في إتاحة الفرصة لها للاستيلاء على أراضٍ وبلدان أخرى حتى تحقق حلمها المعلن بإسرائيل الكبرى الممتّدة من النيل إلى الفرات، وهو حلمٌ في حال نجاحه لا قدّر الله يشبع الشره الصهيوني للقتل وسرقة مقدّرات الشعوب، وفي الوقت نفسه يوسّع حدود المنطقة العازلة التي يسعى الغرب إلى إنشائها.
ومتى كان تقدير الحال على هذه الصورة حسب بعض الاجتهادات فإنّ أصحاب هذا الرأي يفترضون استسلام العرب لأقدارهم وامتثالهم لكلّ ما يخطّطه لهم الغرب من مشاريع عدوانية واستعمارية، وينطلقون ممّا نراه جميعاً من مجاهرة قادة الاحتلال بعملهم على تغيير وجه الشرق الأوسط برمّته وتوسيع مناطق احتلالهم لتشمل أراضي دولٍ عربيّة كثيرة، كما يبنون رؤيتهم على واقع الدول العربيّة الذي يتّصف بالتفكّك والافتقار إلى الأسلحة القادرة على مواجهة الأسلحة التي يمتلكها الإسرائيليون ولا سيّما سلاح الجوّ وأسلحة الدفاع الجوّي.
وما دامت المؤشّرات على سعي الصهاينة لتنفيذ هذا المخطط هي مؤشّرات واضحة وبدعم وإسناد وربّما مشاركة فعلية من الغرب، فإنّه يصبح لا مفرّ أمام العرب المسلمين من إعداد أنفسهم الإعداد المناسب للتصدّي لهذا المخطط وعدم الاستسلام لذريعة عدم القدرة على إحباط مثل هذه المخططات، أو ذريعة عدم ملاءمة الظروف للمواجهة.
وسواءً أكان المستفيد الرئيسي من نتائج تنفيذ هذا المخطط الدول الغربية أم الكيان المحتلّ، فإنّ من أهمّ وسائل التصدّي لهذا المخطط هو السعي إلى فكّ الارتباط بين الغرب ودولة الاحتلال، ومتى أصبح الاحتلال بلا ظهر أميركي أو أوروبي يحميه ويدعمه ويقوّيه فإنّه لن يستطيع مواصلة السعي لتحقيق أطماعه التوسّعية، بل سوف ينحسر تدريجياً حتى التلاشي.
وأما فكّ الارتباط بين دولة الاحتلال ودول الغرب في مواجهة هذا المخطط، فإنّه يتحقّق من خلال جهد عربي موحّد أو جهد عربي وإسلامي مشترك، يقوم على إقناع الغرب بتضرّر مصالحه بشكل كبير من جرّاء استمرار دعمه لدولة الاحتلال، وإقناع المواطن الأوروبي والأميركي بأنّ تواطؤ بلده مع دولة الاحتلال يؤدي إلى تشويه صورة بلده وسمعة مجتمعه ويضرّ بمصالحه وفرصه واقتصاد مجتمعه وربّما أمن شعبه.
ولعلّ مقاطعة البضائع الأميركية والأوروبيّة مقاطعة تامّة تكون واحدة من الأدوات الضاغطة على الاقتصاد الأميركي والأوروبي وتجعل هذه الدول تعيد النظر في دعمها للكيان الصهيوني.
ومما ينبغي العمل على تحقيقه هو إقناع المجتمعات الغربيّة بأنّ مساعداتها لدولة الاحتلال تذهب سدى لأنها لا تمكّن الإسرائيليين من تحقيق مخططاتهم في المنطقة، ويمكن للعرب تحقيق هذا الهدف من خلال الدخول في سباق تسلّح مع الاحتلال والسعي إلى بناء قوة عربيّة ضاربة تمتلك أحدث الأسلحة وأقواها، ولا سيّما الأسلحة النووية أو ما يعادلها كي تشكّل رادعاً للعدوّ وتحدُّ من مطامعه بالمساس بأي أرضٍ عربيّة.
كما أنّ الدول العربيّة، إذا اجتمعت وتوحّدت قواها، تستطيع أن تهدّد بالانسحاب من جميع المنظمات والهيئات الدولية حتى تعاد صياغة القوانين الدولية وضمان تطبيقها على جميع الدول بعدالة تامّة.
وخلال بذلها لهذه الجهود تستطيع الدول العربية مجتمعة أن تؤسس لنفسها، وبالتعاون مع الدول الإسلامية والدول الصديقة، نظاماً مالياً جديداً وأنظمة اتصالات خاصّة جديدة.
ولا شكّ في أنّ مثل هذه الطموحات لا يمكن أن تتحقق بين عشيّة وضحاها، وإنّما تحتاج إلى جهود عظيمة وزمن طويل وصبرٍ بالغ وظروف خاصّة وأن تقترن بالإرادة والتخطيط السليم وإخلاص النيّة وحسن إدارة الموارد واستثمار الطاقات التي تمتلكها الأمّة والثقة بقدرات الأمّة وأبنائها وعدم الاستسلام للمشككين بهذه القدرات والطاقات.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/16 الساعة 08:08