امتحان تنافسي

عبدالهادي راجي المجالي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/15 الساعة 01:58
.. امتحان تنافسي، هذا المصطلح أسمعه كثيرا فيما يتعلق بالوظائف العليا.. وأنا لدي تحفظات كثيرة حول هذه القصة.. وأظن أن التنافس مطلوب في بطولة لكرة اليد أو مسابقة للشطرنج.. وهو مطلوب أيضا في مباريات كرة القدم..ذات يوم خضعت لامتحان تنافسي في الحب، حين كنت طالباً في الجامعة الأردنية.. وقد كتبت في ليلى أفضل قصيدة، وأجمل رسالة في الغرام.. وزرعت لها الدرب من دمعي.. الدمع كان يزهر في زمننا، ومع ذلك لم أفز بقلب ليلى.. فقد نافسني عشاق كثر.. وفاز أحدهم بقلبها.وحين قرأت التاريخ.. وتوقفت عند قصة صالح شويعر في معركة وادي التفاح، وبطولته وعملقته وقصة استشهاده.. أدركت يومها أن الكفاءة شيء والشجاعة شيء آخر، في قلب المعركة حتما الشهادات المعتمدة من وزارة التعليم العالي لا تسدد الرصاص، وجامعات بريطانيا والخبرات التي اكتسبت في المشاريع الريادية.. حتما لن تحميك من قذائف العدو، وخبراتك المتراكمة في مجال (الاي تي) لن تجعلك تنزف لأجل بلدك.. لو كان التنافس في الشجاعة لقبلت، لكنه تنافس في كتابة الأوراق ولون ربطة العنق والبدلة الفاخرة والمظهر الشخصي..امتحان تنافسي.. المشكلة أن كل الأبطال الذي عبروا من سردية الدولة والعشيرة وفلسطين.. عبروا عبر دمهم وشجاعتهم، وحبهم للوطن.. ولم يتسيدوا صفحات هذه السردية على خلفية اتقانهم للفرنسية أو تخرجهم من السوربون.. والأخطر أن الذين انتصروا في باب الواد واللطرون والكرامة، انتصروا بصبرهم ووطنيتهم ودمهم أيضا ولم ينتصروا بسبب قدرتهم على التعامل مع مؤتمرات (الزوم كونفرنس).في القطاع الخاص التنافس مطلوب، ولكن فيما يتعلق بالوظيفة العامة.. الشجاعة والحرص على المال العام، وحب البلد والإخلاص لها هو المطلوب..الببيروقراط الأردني يظلم الناس أحيانا، فحين تجد أحدهم قد خدم لأكثر من عشرين عاما واكتسب خبرات هائلة، يحال إلى التقاعد ويستبدل بشاب فاز في امتحان ورقي ولم يخدم يوما في الوظيفة العامة تقف حائرا، وتتذكر أن الدولة الأموية بنيت على الولاء لبني أمية وعلى السيف ولم يقم بناؤها على مبدأ الكفاءة، تتذكر أيضا أن الحرب المستعرة في المنطقة تحتاج لشجاعة الشعوب وصبرها.. وتحتاج للإيمان بالنصر أكثر من حاجتها لشهادات أميركية.أعتقد أن الامتحانات التنافسية تصلح للقطاع الخاص، وعلى الحكومات أن تعيد النظر فيها.. لأننا قد نصل يوما إلى مرحلة، نخضع فيها التاريخ والتراب والهوية لمبدأ التنافس.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/15 الساعة 01:58