الخطيب يكتب: الجدة لطيفة
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/14 الساعة 09:36
كبرتُ ورأيتُ أنَّ فاقد الشيء قد يُعطيه، وأنَّ الكتاب قد يختلف من عنوانه، وأنَّ الإحسان إلى من أساء إليك لا يعتبر نوعًا من الضعف بل نوعًا من القوة والثقة بالنفس. وإن اللين في القوة أقوى من القوة نفسها، لا أتفق مع عبارة «فاقد الشيء لا يعطيه» بل «فاقده سيعطيه» للمحيطين به والمقربين بكل حب واخلاص، لا بل قد يصل العطاء في ذلك إلى حد المبالغة ، لأن فاقد الشيء محتاج أن يعوض نفسه بالفقد المعنوي أو المادي أو النفسي الذي عاشه، فهو وحده من يشعر بقيمة الفقد فيمنحه للآخرين بسخاء وكأنه يمنحه لنفسه...
بعد زيارة دولة رئيس الوزراء إلى مدرسة الفيصلية الأساسية في المفرق، اكتشفنا ما نردده جَهارًا نَهارًا بأنه ما زال على هذه الأرض ما يستحق الحب والعمل والبناء والإنجاز، وأن الإخلاص للوطن لا يدرس، وأن العمل الطيب كنفحة من عطر فواح تنتشر حيثما حل صاحبها، وأن الكلمة الطيبة كالماء الجاري تزهر أينما تتدفق...
قبل الزيارة لم نكن نعلم شيئًا عن صاحبة الأيادي البيضاء والقلب الحنون (الجدة لطيفة) صاحبة الفضل الأول والأخير بعد الله في بناء هذه المدرسة وتخفيف معاناة أبناء المنطقة، شاهدت لها لقاء على قناة المملكة وهي تتحدث بروح الصدق ولسان حالها يقول «فلا يُؤْتَيَنَّ مِن قِبَلِكَ»، أجتهد ما استطعت لخدمة وطنك واترك الجزاء على الله، علمتنا درسًا في الانتماء الصادق بعيدًا عن مزوقات الأمور، همست بأذن المثبطين لتقول «اترك مجالسهم حتى لا تصيبك عدوى فشلهم « واجعل عملك لوجه الله أولاً وسخّر إمكانياتك وطاقتك نحو هدفك، وأحط نفسك بالأشخاص الإيجابيين المنتجين والذين يشجعونك ويدفعونك للأمام....
صدقوني لا يكلفك العمل الطيب جهدًا ولا مالًا كثيرا انثره على قدر استطاعتك ولا تبحث عن منغصات الأمور..
بعد اللقاء مع الجدة لطيفة على قناة المملكة أجزم أن رتابة كلماتها وصدق مشاعرها وابتسامتها الصادقة يجب أن تدرس في مناهجنا ليعلم من نهب الوطن وسرق خيراته وانقلب عليه عندما ترك الكرسي. إن الأوطان لا تبنى بالشعارات ولا بالهبات ولا المناكفات والأعطيات...
نعم تبنى الأوطان بمثل عمر الفاروق الذي كان يخاف من الله إذا تعثرت بغله في أرض العراق أن يحاسب عليها وهو في المدينة.
نعم الأوطان لا تبنى بمن يديرون العمل العام من مكاتبهم ولا يلتفت أحد منهم لنواح النساء والأطفال والشيوخ الجياع...
الجدة لطيفة لم تدرس في مدارسنا ولا جامعاتنا ولم تُبتعث إلى خارج الوطن على حساب الدولة وتكلف الميزانية عشرات الآلاف ، عملت طوال عمرها في الزراعة وتربية المواشي لتحقق هذا الحلم وتسجل اسمها بين كراسي البلد الحقيقيين...
في الختام أقول: هناك فرق بين من قدمت كل ما تملك لخدمة وطنها وأبناء منطقتها وبين من صرف عليه الوطن الكثير ولم يقدم له إلا النكران وجلد أهله والاتجار بهم هناك فرق كبير بين من قدم ابنائه وامواله فداءً للوطن وبين من قدم الوطن ومقدراته لابنائه.
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/14 الساعة 09:36