نجحت المراجعة

سلامة الدرعاوي
مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/13 الساعة 01:14

رغم أنها كانت مفاوضات شاقة وصعبة، إلا أن الحكومة في الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الثانية لبرنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تنفذه السلطات بدعم من تسهيل الصندوق المُمدد، وأنجزت المراجعة بأقل من مدتها بخمسة أيام. هذه المراجعة تمثل علامة فارقة، خصوصاً في ظل التحديات التي يعاني منها الاقتصاد الأردني، بدءاً من تداعيات حرب غزة التي ألقت بظلالها على الاقتصاد، وصولاً إلى التراجع الكبير في الإيرادات الضريبية منذ الربع الأخير من العام الماضي، حيث يعود هذا التراجع إلى تأخر الحكومة في اتخاذ قرارات سريعة وفعالة للتعامل مع هذا التراجع، خاصة في رفع الضريبة الخاصة على السجائر والسيارات، ما أدى إلى تكبد الخزينة خسائر تقدر بأكثر من 350 مليون دينار في هذين البندين وحدهما. في حين لم يكن التأثير السلبي للحرب بالمنطقة والتراجع الضريبي هو التحدي الوحيد، بل واجهت الحكومة أيضاً آثار إعادة هيكلة الرسوم الجمركية، مما أثر على إيرادات الخزينة. وفيما يتعلق بتداعيات حرب غزة، فمن المتوقع أن يسهم ذلك في زيادة العجز المالي بأكثر من 400 مليون دينار مقارنة بما هو مقدر في موازنة 2024، وإزاء هذه الظروف الصعبة، اتخذت الحكومة إجراءات ضبط النفقات، ورفعت الضريبة الخاصة على بعض السلع، كالسيارات والكهرباء، في محاولة لسد جزء من العجز المتزايد، حيث يُتوقع أن تأتي هذه الإجراءات بدعم إضافي في صورة مساعدات من جهات دولية، ما قد يساعد الأردن على تقليل الفجوة المالية إلى حد ما. الاتفاق سمح للحكومة بزيادة نسبة العجز الأساسي بحدود 200 مليون دينار عن المستوى المقدر سابقاً لعام 2024، ورغم هذا التحدي، فقد منح صندوق النقد الدولي مرونةً للحكومة في موازنة العام المقبل لتجاوز نسبة العجز المستهدفة لتصل إلى 812 مليون دينار بدلاً من 651 مليون دينار المقررة سابقاً، ويمثل هذا الإجراء دعماً مباشراً يعزز موقف الحكومة المالي، ويمنحها مساحة للتكيف مع الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ويساهم أيضاً في تحسين التوقعات الاقتصادية العامة. هذه المراجعة تكتسب أهمية إضافية في ظل توقعات اجتماع صندوق النقد الدولي المقبل في كانون الأول، والذي يمكن أن يمنح الأردن تسهيلات مصرفية بقيمة تصل إلى 129 مليون دينار، ما سيساعد الحكومة على تلبية جزء من عجز الموازنة وتغطية النفقات التمويلية، خاصة مع اقتراب موعد استحقاق سندات اليوروبوند التي من المقرر سدادها في عام 2024. وسيساهم هذا الاتفاق أيضاً في توفير المزيد من الخيارات المالية للحكومة، مما يمكّنها من العودة إلى الأسواق الدولية للاقتراض بأسعار فائدة مناسبة، خاصة مع التوجه العالمي الحالي نحو انخفاض معدلات الفائدة. ومن ذات الزاوية، أبدى صندوق النقد إعجابه بالتزام الحكومة الأردنية بمسار الإصلاحات الاقتصادية، وبالحفاظ على الالتزامات التي تم التوافق عليها مع الحكومة السابقة بغض النظر عمن هم الأشخاص، ما يعكس الاستمرارية المؤسسية في التعامل مع برامج الصندوق، حيث يأتي هذا النهج ليؤكد أن الحكومة الأردنية ملتزمة بإجراء إصلاحات مالية هيكلية من شأنها تعزيز الاقتصاد وتحسين قدرته على مواجهة التحديات.

لا شك في أن هذه المراجعة تشكل مرحلة مهمة في مسيرة الإصلاح الاقتصادي الأردني، حيث تعكس قدرة الحكومة على التحرك بمرونة في مواجهة التحديات المعقدة التي تحيط بالاقتصاد الوطني. وعلى الرغم من التحديات المستمرة، يظهر هذا الاتفاق عمق الجهود الحكومية لتحسين وضع الاقتصاد الأردني، وتجاوز الضغوط المالية التي تواجهها البلاد، وبهذا، يمكن للأردن أن ينظر إلى المستقبل بأمل، معتمداً على سياسات أكثر انضباطاً ومرونةً، ومعززاً الثقة بقدرته على التكيف مع المتغيرات العالمية والمحلية.

مدار الساعة ـ نشر في 2024/10/13 الساعة 01:14